أشاعت قفزة في أعداد زوار المغرب وارتفاع مداخيل السياحة، التي تعد أحد الأعمدة الرئيسية لمجمل النشاط الاقتصادي للبلاد، حالة من التفاؤل بعودة القطاع إلى الخارطة العالمية وبإمكانية تصحيح الاختلالات المالية بعد فترة طويلة عانى فيها من ويلات الإغلاق.
استعادت الوجهة المغربية كل جاذبيتها السياحية منذ بداية العام الجاري على إثر العودة المكثفة للزوار الدوليين والمغتربين، بعد عامين نغصا نشاط القطاع على نحو غير مسبوق.
ويحث العاملون في هذا القطاع الإستراتيجي للبلاد الخطى لمواجهة التغيرات والتحديات التي شهدها، مدفوعين بحزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لدعم السياحة وإخراجها من نفق أزمتها.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار تذاكر الطائرات أو حتى الرحلات البحرية، اختار السياح القادمون من مختلف أنحاء العالم، مجددا وجهتهم المفضلة قبل الأزمة، ما أعطى السلطات المزيد من التفاؤل بعودة سريعة إلى خارطة السياحة العالمية.
وتكشف آخر الأرقام الرسمية أن القطاع السياحي استطاع في غضون الشهرين الماضيين، أي في ذروة النشاط، جذب المزيد من الزوار.
وأعلنت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني عن استقبال المغرب خلال شهري يونيو ويوليو قرابة 3.2 مليون سائح.
وأوضحت في بيان نشرته وكالة الأنباء المغربية الرسمية أن 65 في المئة منهم حلوا بالبلاد في شهر يوليو وحده، أي بواقع يفوق مليوني سائح.
وقالت إن “الأمر يتعلق بأداء سياحي استثنائي أسفر عن استعادة 100 في المئة من السياح الوافدين على المغرب خلال يونيو ويوليو من العام 2019”.
وأشارت في بيانها إلى أن القطاع السياحي يكون بذلك قد حقق انتعاشا خلال الموسم الصيفي 2022، “انسجاما مع البشائر الأولى التي لاحت في الأفق منذ شهر يونيو الماضي”.
وبعد بضعة أسابيع على استئناف الرحلات الجوية الدولية مطلع فبراير الماضي، استعادت أرصفة مقاه في العديد من المدن السياحية مثل مراكش حيويتها في أجواء ربيعية مشمسة، فضلا عن متاجر الملابس التقليدية والحلي وتذكارات الصناعات التقليدية التي يقتنيها الزوار عادة.
ويتوقع المسؤولون أن تساعد الآليات التي أقرتها الحكومة على إنجاح جذب السياح، وتمكين كافة مكونات القطاع من فنادق ووكالات الأسفار من استعادة الحيوية التي كانت عليها قبل الأزمة.
وقالت وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور في وقت سابق إن “المغرب حقق انتعاشا على مستوى عدد السياح الوافدين خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بدخول 3.4 مليون سائح”.
وأكدت أن الرقم تضاعف أربع مرات مقارنة بالعام الماضي، وأن 60 في المئة من الزوار الوافدين “يأتون إلى المغرب من أجل الثقافة”.
وأشارت عمور في تصريحات صحافية إلى أن المداخيل في الفترة الفاصلة بين يناير ويونيو الماضيين بلغت حوالي 20 مليار درهم (1.9 مليار دولار)، وأن ثمة رهانا على تعزيزها مستقبلا من بوابة “التأشيرة الإلكترونية”.
ويعد القطاع مصدرا رئيسا للنقد الأجنبي للمغرب إلى جانب الصادرات وتحويلات المغتربين. وقد ساهم خلال الفترة بين عامي 2017 و2019 بأكثر من 24.3 مليار دولار.
وأوضحت عمور أن “تقوية الربط بين الوجهات الداخلية وبين المغرب وباقي بلدان العالم، والتنسيق مع وكالات الأسفار، أمر مهم جدا”.
وخلال الربع الأول من هذا العام، ارتفعت مداخيل القطاع بقرابة 80 في المئة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وهو ما يعد “بآفاق أكثر إيجابية للعام 2022″، وفق توقعات وزارة الاقتصاد والمالية.
ومع ذلك يقول مهنيون إن رغم كل مساعي الحكومة لبث الروح في القطاع، لكن الوقت لا يزال مبكرا للحديث عن عودة السياحة إلى وضعها الطبيعي قبل الجائحة.
وتحتل صناعة السياحة، التي تضررت بفعل الأزمة الصحية العالمية، مكانة مهمة ضمن الاقتصاد، فهي تشكل أحد روافد التنمية الشاملة.
ويسهم هذا القطاع في خلق الثروة والتي تقدر في المتوسط بنحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي وقد تكون أكبر من ذلك، إلى جانب تحقيق القيمة المضافة وإنعاش سوق العمل والحد من الفقر.
1.9 مليار دولار عوائد القطاع خلال النصف الأول من 2022 مع وصول 3.4 مليون سائح
وتأخذ مساهمته بعين الاعتبار السياحة غير التقليدية والاقتصاد غير الرسمي وما يتعلق بنشاط المغتربين وأيضا الصناعة التقليدية.
وقبل الجائحة أثبتت السياحة على مدى سنوات قدرته على التأقلم مع الظروف الاقتصادية العالمية المضطربة، وتمكن من تحقيق نمو كبير في أعداد السياح، بفضل الاستقرار السياسي والاقتصادي وجهود تطوير المنتجات السياحية.
وتتوقع الحكومة أن يزور البلاد خلال العام الجاري أكثر من 4.5 مليون سائح بفضل الحجوزات التقليدية وعبر الرحلات الجوية.
ولتحقيق هذه الغاية تراهن الحكومة بشكل كبير على برنامج “مرحبا”، والذي يستهدف استقبال الملايين من المغاربة المقيمين بأوروبا لقضاء عطلة الصيف، بين منتصف يونيو ومنتصف سبتمبر من هذا العام.
وفي حين استقبل البلد 13 مليون سائح العام 2019، لم يتعد مجموع السياح الذين توافدوا إليه العام الماضي 3.7 مليون شخص.
وكانت السياحة من أكثر المجالات التي تضررت في البلاد بسبب جائحة كورونا، ولإنقاذها قدمت الحكومة دعما ماديا لأكثر من مرة للعاملين في القطاع.
ولتخفيف آثار الأزمة التي تفاقمت جراء تعليق تام للرحلات الجوية بين نهاية العام الماضي وبداية 2022، خصصت الحكومة دعما بملياري درهم (قرابة مئتي مليون دولار) عبارة عن إعانات شهرية للموظفين. لكنه لم يشمل سوى النظاميين منهم.
وخصصت أيضا دعما بمليار درهم (100 مليون دولار) لأصحاب الفنادق مع تأجيل سداد القروض البنكية لمدة عام لفائدتهم، وشركات النقل السياحي مع الإعفاء من الضريبة المستحقة لعامي 2020 و2021.
وتكبد المغرب خسارة بنحو 9.54 مليار دولار من إيرادات السياحة الخارجية بالعملة الصعبة، خلال العامين الماضيين جراء الجائحة.
وأكد الكاتب العام لوكالات السفر المغربية خالد مفتاح في وقت سابق أن القطاع، الذي يعمل فيه أكثر من نصف مليون شخص بصفة عامة، ووكالات السياحة خاصة، تكبد خسائر مادية كبيرة أثناء الأزمة الصحية، لكنه لم يذكر بدقة حجمها.