أثار استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد الجمعة لزعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي بمناسبة ندوة “تيكاد” اليابانية – الأفريقية تساؤلات بشأن مصلحة تونس من هذه الخطوة، في الوقت الذي تعيش فيه الجبهة الانفصالية عزلة دولية واسعة وتهميشا في أفريقيا وأوروبا.
وقالت أوساط سياسية تونسية إن خطوة الرئيس سعيد باستقبال شخص مثير للخلاف لم تكن محسوبة ولا مدروسة، خاصة أن خطوة مماثلة كانت اتخذتها إسبانيا منذ سنتين وقادت إلى توتر شديد بينها وبين المغرب ولم ينته الأمر إلا بمراجعة مدريد لموقفها وإعلانها دعما واضحا لمقاربة الحكم الذاتي الموسع التي يتبناها المغرب كأرضية للحل.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن تونس ظلت لعقود تسير على الحياد في هذا الملف، وهي تعرف حساسيته لدى المغرب، ولم تختر في أي مرحلة سابقة، سواء في عهد الزعيم المؤسس الحبيب بورقيبة أو الرئيسين الراحلين زين العابدين بن علي والباجي قائد السبسي، أن تقف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، وهو ما مكنها من لعب دور نشيط وفعال في التأسيس لاتحاد المغرب العربي عام 1989، وكانت حلقة الوصل بين مختلف الدول المغاربية.
واعتبر مراقبون تونسيون أن استقبال إبراهيم غالي وضع تونس في صف الجزائر ليس بسبب التغيير الذي طرأ على موقف الدبلوماسية التونسية من قضية الصحراء، وإنما بسبب تراجع وضع تونس الاقتصادي الذي جعلها تبدو كأنها تتخذ خطوة حساسة لاسترضاء النظام الجزائري وضمان استمرار تدفق الغاز والكهرباء إلى البلاد.
وقال ناجي جلول رئيس الائتلاف الوطني التونسي في تصريح لـه إنه ” كان على قيس سعيد ألا يذهب إلى المطار بنفسه ويستقبل زعيم بوليساريو وهذا مرفوض، وأتفهم القلق المغربي لأنه تجمعنا مع المغرب علاقات عريقة”. وأضاف جلول، وهو وزير تربية سابق، “هي أزمة عابرة والعلاقات التونسية – المغربية أكبر من هذا الخطأ”.
واعتبرت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة أن قيس سعيد ضرب في العمق ثوابت السياسة الخارجية لتونس القائمة على الابتعاد عن سياسة المحاور والاصطفاف. وأشارت إلى أن تونس كانت رائدة في إرساء وحدة المغرب العربي وما كان لسياستها الخارجية أن تقع في مشكلة كالتي حصلت مع المغرب، وأن تونس لم يسبق لها الاصطفاف في مسألة الصحراء وحساسيتها.
واستدعى المغرب سفيره في تونس يوم الجمعة للتشاور. وقال إن قرار تونس دعوة قائد جبهة بوليساريو “يعد عملا خطيرا وغير مسبوق، يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي”.
وكشفت مواقع مغربية أن السفير المغربي في تونس حسن طارق عاد السبت إلى الرباط وأن مسؤولين مغاربة آخرين رافقوه، من بينهم حسن البوكيلي مدير اتحاد المغرب العربي وشؤون الاتحاد الأفريقي، ومحمد مثقال السفير المدير العام للوكالة المغربية للتعاون الدولي، وعبدالقادر الأنصاري السفير مدير الشؤون الآسيوية.
وقالت الرباط إن تونس قررت “خلافا لنصيحة اليابان وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها من جانب واحد دعوة الكيان الانفصالي”.
واعتبر مصدر دبلوماسي مغربي أن الخطوة “جديدة وغير مقبولة وفوق كل هذا استفزازية بلا داع”، مضيفا “سمحت تونس لنفسها بإلحاق الضرر بقضية مقدسة لدى جميع المغاربة”.
وأثارت الخطوة التونسية ردود فعل غاضبة في المغرب اعتبرت أن تونس لم تراع الإرث المشترك من التعاون بين البلدين وتقارب مقاربتهما الدبلوماسية في مختلف القضايا الدولية.
وقال مراقبون ومحللون سياسيون مغاربة إن تونس ليست واعية بالتطورات الجارية في ملف الصحراء، وإنها في الوقت الذي تعترف فيه أغلب الدول المؤثرة بالمقاربة المغربية تسير تونس في الاتجاه المعاكس لتبدو وكأنها خارج الواقع. ودعمت دول غربية مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب لحل مشكلة الصحراء، منها الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا وصربيا وهولندا والبرتغال والمجر وقبرص ورومانيا، كما قامت ثلاثون دولة بفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية (الصحراء) تجسيدا لدعمها للوحدة الترابية المغربية.
وأضاف المراقبون أن الدبلوماسية التونسية فقدت ثوابتها التقليدية، وأنها تعيش على وقْع توترات ما بعد 2011، وليست واعية بمخاطر تحركها، خاصة أنها تجد نفسها خارج الموقف العربي الذي يدعم في أغلبه المغرب بكل قوة في موضوع الصحراء.
وأكد مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية خالد الشرقاوي السموني، في تصريح لـه، أن استقبال تونس لزعيم كيان غير معترف به من قبل الأمم المتحدة يعد تصرفا مخالفا للشرعية الدولية وموقفا عدائيا للمملكة المغربية.
ووصف السموني تصرف الرئيس سعيد بالغريب وغير المقبول من دولة عربية شقيقة، وبأنه يعبر عن غياب الرؤية المتبصرة للدبلوماسية التونسية في هذه المرحلة.
وثمن السموني قرار الخارجية المغربية الذي يقضي باستدعاء السفير المغربي في تونس للتشاور، وطالب بإعادة تقييم العلاقات مع تونس حتى تغير موقفها الذي يمكن أن يفسّر بأنه موقف داعم لجبهة بوليساريو الانفصالية على حساب وحدة المغرب الترابية.
وأعلنت تونس من جانبها السبت استدعاء سفيرها لدى المغرب. وقالت وزارة الخارجية التونسية إن تونس “حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء المغربية التزاما بالشرعية الدولية وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلا سلميا يرتضيه الجميع”.
وأوضحت أن الاتحاد الأفريقي قام بتعميم مذكرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الأفريقي، بمن فيهم زعيم جبهة بوليساريو، إلى المشاركة في فعاليات قمة طوكيو الدولية للتنمية في تونس. وأضاف البيان أن رئيس المفوضية الأفريقية وجه دعوة فردية مباشرة إلى إبراهيم غالي لحضور القمة.