أزمة المغرب مع تونس فرصة لإعادة النظر في معايير تعيينات السفراء

برلمان

لا جدال في كون الدبلوماسية المغربية حصدت في السنتين الماضيتين انتصارات هامة وغير مسبوقة بقيادة عاهل البلاد، وقد شكلت هذهالنجاحات جزءا هاما من مضمون الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب. ولكن، الحقيقة التي لا يمكن إخفاء شمسها بالغربالهي أن مكانة المغرب تستحق انتصارات أكثر حسما لنطوي فيها الكثير من الصفحات المعلقة في علاقاتنا مع العديد من الدول.

وهنا لا نريد أن نتوقف عند الانزلاقات والاختلالات التي تشوب معايير التعيينات وخاصة في الآونة الأخيرة، والتي أصبح كل من هب ودبيضع يديه عليها، فهذه أحزاب الاغلبية تريد نصيبها من كعكة السفراء، وهذا زعيم حزب في المعارضة يريد تطييب خاطره لأن حزبه لا يحرجالحكومة داخل البرلمان، وهذا ابن وزير او مسؤول حالي او سابق، في عنفوان شبابه ان لم نقل مراهقته، نرسله الى دولة ذات مكانة دوليةكبيرة وتاريخ عريق، فقط لأن أباه لم يتوقف عنالطليب والرغيب، وهذا استاذ جامعي شاغب بقلمه على صفحات الصحافة ووسائطالاتصال، فنهديه سفارة لينام فيها ويقضي بها مآرب أخرى.

نعم هذا هو الواقع المخجل والحال السئ الذي وضعنا فيه دبلوماسيتنا، فنتج عنها ما نتج من فضائح لا تحصى، تناقلتها وسائل الإعلامالعالمية، وكانت آخرها الفضيحة الجنسية في بوغوتا عاصمة كولومبيا، التي دست فيها مومسات من هذه الدولة عقاقير منومة في كؤوسالخمر المعتقة، فانتشلن ما شئن من جيوب الدبلوماسيين المغاربة، بما في ذلك الهواتف المحمولة وما تحمله من رسائل ومعلومات حساسة فيمخزونها.

وهذا ما يمكن أن يقع قريبا في بريطانيا او في السينغال او الرأس الاخضر او كازاخستان او طاجيكستان، كما حصل يوما في اسبانياوالهند والصين وغيرها..بل وهذا ما حصل البارحة في تونس حين تحرك الحاكم التونسي الجديد في تيار معاكس لتاريخ العلاقات القويةالتي ظلت تجمع تونس بالمغرب، في ظل غياب شبه تام لسفيرنا في العاصمة التونسية. لقد سار حسن طارق في تونس على طريقة عيشهبالرباط، حيث يجالس كثيرا أعضاء جمعيات المجتمع المدني التونسي، ناسيا أن مسؤولية الحفاظ، بل تقوية العلاقات الثنائية ملقاة علىعاتقه، في الوقت الذي كانت الجزائر تنشط في واضحة النهار، وكنّا نتلقى إشارات غير إيجابية من قيس سعيد، لم يلتقطها مع الأسفحسن طارق ولا حتى دبلوماسيتنا الموازية. هكذا استطاع حسن طارق تدمير علاقات ستينية في ظرف سنتين فقط من تعيينه.

إن ما حصل يوم أمس لا يجب ان نكتفي فيه بإصدار البلاغات، واستدعاء السفير للتشاور، ولينتشي كما شاء بأجرة ثمينة جدا وهو داخلبيته بالرباط، او خارجه وهو يطوف بين المقاهي. وقد حصل هذا مع سفراء آخرين ومنهم سفيرتنا في إسبانيا أثناء مراجعة العلاقات، وقدسبق لموقع برلمان.كوم أن نبه الى الفوضى التي طالما اثارتها ابنتها داخل المنتديات والملاهي.

ان مثل هذه الأزمات تستدعي التطبيق السليم بسرعة التعليمات الملكية حول ربط المسؤولية بالمحاسبة، فعلاقتنا تخربت مع دولة صديقة،ونحن في غفلة من أمرنا، ولا معلومات لدينا بما كان يدور في الدواليب السياسية والاجتماعية في تونس، منذ تعيين الاستاذ الجامعي حسنطارق، الذي عرفناه حينما كان ينتقل بقلمه بين أحضان صفحات جرائد أصدقائه، ومنهم من يوجد اليوم في السجن، او وهو يجوب بينالاحزاب التي يتودد إليها انتماء او عشقا، كما كان حاله مع الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية.

نعم نسائل حسن طارق إعلاميا، ونسائل في ذات الوقت وزارة الخارجية حول المذكرات الإخبارية التي من المفترض ان تتلقاها يوميا منالسفير المغربي، هل تضمنت تصريحا او تلميحا الى ما يدور في الدواليب التونسية؟ ام أن السفير المغربي حسن طارق ذهب الى السفارةفي نزهة مؤدى عليها بالملايين وليس في مهمة يمثل فيها الدولة المغربية ملكا وشعبا وحكومة؟

لقد تابعنا اعلاميا تطورات الود والعشق الذي عرفته علاقات تونس بالجزائر، وهو نفس الود والعشق التي تعرفه اليوم علاقات الجزائر اليوممع فرنسا، واستمعنا منذ سنتين تقريبا الى تصريح غريب للرئيس التونسي، أثناء زيارته للمستشفى الميداني المغربي بتونس، والذي لم يوجهفيه الشكر لجلالة الملك كما يقتضي الاعترافا بالجميل، كان هذا كافيا ليتحرك حسن طارق بدينامية في كل الاتجاهات، كي يساعد علىايقاف النزيف او على الاقل التخفيف من إيقاعه.

إن الدرس الذي يجب أن نستخلصه من هذه الواقعة، هو اننا نعين سفراء لدى الكثير من الدول، ونخصص لهم جميعا ميزانيات محترمة،ولكن نكاد ان ننساهم الى ان يحين وقت حركية جديدة للتعييناتوعلى سبيل المثال لا الحصر، هل تعيين الشاب دون التجربة حكيمالحجوي سفيرا في بريطانيا قرار صائب ومدروس، أم فقط لأنه ابن الأمين العام للحكومة؟ مجرد سؤال فقط!

فهل ستساهم هذه الصفعة التي تلقيناها على الخد الأيسر في إيقاظ الغارقين من سباتهم، ام أنهم مستعدون لإعطاء الخد الأيمن لصفعاتأخرى ؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: