الظروف الاقتصادية الصعبة والاستثنائية التي يمر بها العالم لم تمنع المغرب من تسويق نفسه كبلد مستقر آمن تجتمع فيه كل المقومات وشريك يمكن الاعتماد عليه في الاستثمارات طويلة الأمد.
البنية التحتية والخدمات اللوجستية والموقع الجغرافي التي يتميز بها المغرب شكلت عوامل جذب للشركات الألمانية الباحثة على تعميق مشاريعها الاستثمارية في المملكة، حسب مجلة “ماريتيم إكسوكتيف”. ومن بين القطاعات التي ركزت عليها الشركات الباحثة عن فرص للاستثمار قطاعا الطاقة النظيفة والسيارات، ليصبح المغرب مكانا مفضلا للشركات الساعية لتثبيت سلاسل التوريد الخاصة بها، بعد أن تسببت الحرب في أوكرانيا في فوضى واضطراب بهذا القطاع الاقتصادي الحيوي.
ولطالما ارتبطت الشراكة الاقتصادية بين ألمانيا والمغرب بصناعة منتجات السيارات، ووفق بيانات الجمارك المغربية صدّر المغرب سلعا بقيمة 1.1 مليار دولار إلى ألمانيا خلال عام 2020، كانت قطع السيارات هي المنتج الرئيسي فيها.
وحسب المعهد المغربي لتحليل السياسات الاقتصادية، فإن نهوض قطاع السيارات في المغرب قد تيسر من خلال خطة التسريع الصناعي التي انتهجتها الرباط بين عامي 2014 و2020، والتي شجعت جنبا إلى جنب مع التطوير المتزامن للنقل عالي السرعة وعالي السعة مصنعي السيارات الأجانب على إقامة مصانعهم في المغرب.
وأكدت مجلة “ماريتيم إكسوكتيف” أن الشركات الألمانية اختارت التحول إلى المغرب والتمركز فيه، بعد أن ثبت أن سلاسل توريد السيارات المغربية ذات قيمة بالنسبة إلى مصنعي السيارات الأوروبيين، خاصة إثر الغزو الروسي لأوكرانيا وتعطيل إمدادات أسلاك المركبات.
ويرى الأستاذ الباحث بكلية الاقتصاد بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة زكرياء الزرزاري أن ألمانيا وباعتبارها من المراكز الصناعية على الصعيد العالمي، وجدت في المغرب الشريك الاقتصادي الموثوق الذي أثبت دائما جديته والتزامه بتنفيذ العقود والطلبات في مواعيدها، وجديته في بناء علاقات اقتصادية قوية مع شركائه، وهذا بالضبط ما تحتاجه الشركات الأوروبية حاليا، خاصة بعد الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد من الصين بسبب أزمة كورونا من جهة، والحرب الروسية على أوكرانيا من جهة أخرى، وأخيرا جفاف نهر الراين الذي تسبب في خفض حمولات سفن الشحن إلى ربع طاقتها.
وذكر الزرزاري في تصريح لـه أن ألمانيا سخرت ما يعادل 9 مليارات يورو لتطوير الهيدروجين الأخضر في أفق 2030، منها ملياري يورو مع شركاء خارجيين موثوق بهم كالمغرب، ومن المتوقع أن يؤمن الاستثمار من 2 إلى 4 في المئة من الإنتاج العالمي للمادة، أي باستثمارات تقدر بحوالي 7 في المئة من الناتج الداخلي الخام للمغرب مقارنة مع 0.15 في المئة لبريطانيا، مما يجعل من الاستثمار قطاعا إستراتيجيا هاما بالنسبة إلى المملكة.
وسبق لوزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية ليلى بنعلي أن أشارت في أبريل 2022 إلى أن المملكة تُخطط لإرساء بنية تحتية للغاز من شأنها أن تجعل المغرب رائدا في مجال الهيدروجين المنافس للغاز، مبرزة أن هذه البنية التحتية ستمكن البلاد من تصدير الهيدروجين مستقبلا، مشيرة في نفس الوقت إلى أن العديد من الدول الأوروبية تمكّنت من نقل الهيدروجين بواسطة 30 في المئة فقط من خطوط الغاز.
وتسهل هذه الاتفاقات على الصعيدين الاقتصادي والتجاري من الترفيع في حجم الصادرات المغربية (ارتفعت صادرات المغرب نحو ألمانيا سنة 2021 بنسبة 13.1 في المئة بالمقارنة مع عام 2020) وبالتالي التقليل من العجز التجاري للمغرب.
كما ستمكن المغرب من جلب صناعات وتطوير خبرات جديدة في قطاعات متنوعة، كما هو الحال في قطاع السيارات، حيث يتطلع المغرب إلى تصنيع 85 في المئة من المواد المصنعة محليا، وكذلك تطوير الطرق اللوجستية للنقل باعتبار الشركات الألمانية رائدة في هذا المجال، دون إغفال فرص العمل التي ستوفرها هذه الصناعات سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقد مهد لهذا التعاون الاقتصادي التفهم الألماني للسياسة الخارجية للمغرب المبنية على الاعتراف الكامل بالوحدة الترابية للمملكة شرطا لأي شراكة بينه وبين أي بلد.
وشددت كاتبة الدولة البرلمانية بالوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية بيربل كوفلر أثناء زيارتها إلى المغرب في مايو الماضي على الأهمية الخاصة التي توليها الحكومة الألمانية للشراكة مع المغرب، والرغبة في توسيع نطاقها لتشمل القطاعات الأخرى ذات الأولوية مثل مجالات الانتقال الأخضر.
وترغب ألمانيا في إحياء مشروع الهيدروجين الأخضر بسرعة نتيجة مخاوف متزايدة على أمن الطاقة، علما أن استهلاك الكهرباء في ألمانيا تزايد بوتيرة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، ويتوقع المحللون أن يرتفع بنسبة 60 في المئة بحلول عام 2050.
ويمكن أن يشمل مشروع الهيدروجين الأخضر أراضي الصحراء المغربية أيضا، وذلك بعدما أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية عن إشادة بلادها بمشروع الحكم الذاتي في المنطقة تحت السيادة المغربية، باعتبارها مبادرة تساهم في إيجاد حل نهائي للنزاع، وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أشاد بالموقف الألماني في خطابه السبت الماضي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب.
ولفت الزرزاري إلى أن التعطيل الذي طال سلاسل التوريد خلال أزمة كوفيد – 19 أدى بالعديد من الدول إلى البحث عن بلدان لديها المقومات اللوجستية والاستقرار السياسي من أجل تحويل بعض الصناعات المستوطنة بالصين إليها، ويعتبر المغرب من الدول القليلة التي تجتمع بها كل المقومات لاستقبال المصانع الألمانية.