قرار الرئيس الجزائري تدريس اللغة الإنكليزية لأطفال الجزائر بداية من الموسم التربوي القادم ينطوي على خلفيات إيديولوجية أكثر مما يحمل من تصورات علمية وتنموية لصالح الدولة و المواطن، لأن هذين الاعتبارين غائبان تماما في قرار لم يستند إلى نقاش عام و لم يأخذ نصيبه من الرأي العام، فضلا على أنه لم يصدر على هيئات قرأنا تقاريرها و توصياتها، تبرر الإقدام على هذا “الفعل” الذي لا يصب في فائدة المؤسسة و إنما يبقى في التحليل النهائي و المطاف الأخير عبارة عن منّة سخية تقدم به الرئيس إلى أسر و أطفال الجزائر ، و كترياق أو إكسير يساعدهم على التقدم و الخروج من المحنة العامة.
عندما يكون قرار تدريس اللغة الإنكليزية على مستوى التعليم الابتدائي، فالأمر إذًا يتعلق بموضوع هوية مجتمع يعاني من تأخر في بناء شخصيته القاعدية التي لم تسعفها لا اللغة العربية ولا اللغة الفرنسية و لا البربرية، و قد جاء دور اللغة الإنكليزية.. لعلّها الأفضل و الأنسب !؟ لا مجرد ضربة لازب، لأن القرار محكوم بالإخفاق على ما شاهدته التجارب السابقة مع اللغات العربية و الفرنسية و البربرية و إضافة لغة أخرى معنى ذلك أننا صائرون إلى مجتمع “بابل”، حيث يكثر اللغط و الهرج و الصداع و يقل التفاهم مع بعضنا البعض على ما يلحظ الأجنبي علينا. وعلى هذا النحو فقرار تعليم اللغة الإنكليزية يعاني منذ البداية من سلبياته ومثالبه لأنه لا يستوفى الشرط العلمي والبيداغوجي والمهني على ما هي سائر الدول في العالم الذي سعت إلى إدراج اللغة مُجْمَع عليها في عملية التنمية الشاملة والعامة وترقيتها الدائمة مع معطيات ومستجدات العالم.
الجزائر تعاني مشكلة لغوية سواء وعينا ذلك أم لم نعِ، لأن الخارج دائما ينبهنا إلى ذلك ويعاملنا على هذا الأساس. فقط نحن من يرفض أن نٌتَّهم ببلبلة اللسان وغوغائية التعبير
اعتماد اللغة الإنكليزية، بناء على قرار الرئيس الجزائري، فيه افتئات على الحقيقة الاجتماعية لأن طفلا لم يتشكل بعد عقله و لا يدرك بعد معاني الأشياء حتى بلغة الأم والأسرة، يصعب عليه فهم المفردة في ما هي عليه و من ثم تزاحمه لغة أخرى في استيعاب ليس الدرس بل الكلمة التي لا يمكن أن تستند إلى لغة مرجعية يحيل إليها الطفل لكي يفهم معناها و يستطيع أن يتصرف و يبدى الموقف حيالها. إضافة لغة ثالثة إلى الطفل الجزائري في مقتبل العمر يساهم بشكل مفزع في التشويش عليه ويجد صعوبة في إعداد عقله وخياله وتنمية مدارك الفهم لديه. ففي لحظة واحدة يجبر التلميذ الجزائري على أن يتصور الشيء بمعانيه الثلاثة أو الأربعة إذا أضفنا البربرية التي تبقى تلازم التلميذ إلى طور التعليم الثانوي.
و عليه، أو هكذا يجب أن نحلل و نستنتج، أن اللغة الإنكليزية بناء على قرار الرئيس، ستساهم في تشكيل هوية الفرد الجزائري الذي يعاني من نقص في الشخصية ليس بسبب قصور ذاتي بقدر ما أن الشخصية الاعتبارية للسلطة هي التي تعاني دائما من فقر تَمَثّل و تَمْثِيل اللغة المعيارية والتداولية التي تؤكد وجود الدولة و مؤسساتها و الضامن الحقيقي على إمكانية تعَلّم لغات أخرى ليس في الأطوار الأولى من عمر الطفل كمواطن قادم، بل في مراحل أخرى التي يحاول فيها بقدراته غير المحدودة امتلاك اللغات، و يصل بها إلى ما يريد و كيفما يريد و إلى أي مستوى يريد.
المُتَوَاضع عليه، أن الجزائر تعاني مشكلة لغوية سواء وعينا ذلك أم لم نعِ، لأن الخارج دائما ينبهنا إلى ذلك ويعاملنا على هذا الأساس. فقط نحن من يرفض أن نٌتَّهم ببلبلة اللسان و غوغائية التعبير .. لكن نتأكد من ذلك عندما يصدر القرار من الرئيس اعتقادا منه أنه يعالج المسألة بما هو حضاري.. أي تعليم أفضل لغة في العالم لأبناء الجزائر ؟ و من هنا، يجب أن لا نستبعد إطلاقا موضوع القرار عن صاحب القرار، أي التربوي عن السياسي أو الإيديولوجي. فالسؤال الوجيه الذي يجب أن يطرحه كل واحد منّا، لأن الأمر يتعلق بالهوية و السياسة وليس له صلة بالتربوي والتعليمي، هو لما تصر السلطة القائمة في البلد على تمرير قرار لا تتوفر على شروطه و ظروفه و آيل إلى الفشل الذريع أمام صمت و لا مبالاة الجميع ؟
هذا السؤال يضمر في طياته الجواب، لأننا لم نعد فعلا نكترث لحالنا كأمة و مجتمع و دولة. فقد تَصَلَّب فينا شريان الحياة ولم نعد نأبه و نحفل بالشخصية الاعتبارية للدولة و مؤسساتها، لأن أورام الأمراض الاجتماعية و آفاتها أكثر من أن تترك لنا الوقت و العقل للانتباه إليها و إيلاءها القدر اللازم من الوقت و الجهد لمعالجتها. حالة من الانفراط و التسيب و التيه يسوقنا إلى أقدار لم نختارها، بما في ذلك تعليم اللغة الإنكليزية لأطفال الجزائر. و قد أشرنا إلى أن القرار لا يُصْلح وضعًا و لا يقدم شيئا ذا بال لأنه لم يتمخض عن مسار تجربة و لا يعبر عن مرحلة وصلنا إليها توحي بضرورة تقديم أسباب و حوافز إصدار قرار في الموضوع.. بل كل ما في الأمر أنه قرار سياقي ، سياسي، مزاجي يؤكد عطب في المصدر و يخطئ في تحديد الهدف.