وجدت الرسائل الواضحة التي تضمنها خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي ألقاه السبت الماضي بمناسبة الذكرى الـ69 لـ”ثورة الملك والشعب”، صدى كبيرا في إسبانيا لما احتواه من مقاربة جديدة رسمت حدا فاصلا على تخوم الفرز.
وسارعت إسبانيا إلى التقاط دلالات تلك الرسائل، حيث قالت وزيرة الدفاع الإسبانية، مارغريتا روبلز، إن موقف إسبانيا “واضح فيما يتعلق بالصحراء المغربية”… وإن حكومة بلادها “ستبقى متشبثة برأيها”.
وأضافت الوزيرة الإسبانية في تصريحات أدلت بها خلال اجتماع مع عدد من الإعلاميين أثناء زيارتها الاثنين الماضي لمدينة ألباسيتي الواقعة بوسط إسبانيا، إن العلاقات بين المغرب وإسبانيا “ستكون دائما رائعة”، وهي “علاقات تحترم السلام والتعايش والتسامح”.
ويُعد هذا الموقف مقدمة لتطورات لاحقة في مواقف العديد من الدول الأخرى بشأن الصحراء المغربية، وذلك على قاعدة مقاربة الفرز التي عرضها العاهل المغربي في خطابه والتي اتسمت بالوضوح والشفافية.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد قدم بالكثير من الوضوح والدقة، في خطابه بمناسبة ذكرى “ثورة الملك والشعب”، مُحددات المرحلة الجديدة للسياسة والدبلوماسية المغربية في علاقة بملف الصحراء بارتباطه الوثيق بوحدة التراب المغربي.
العاهل المغربي قدم بكثير من الوضوح والدقة في خطابه بمناسبة ذكرى {ثورة الملك والشعب} مُحددات المرحلة الجديدة للسياسة والدبلوماسية المغربية في علاقة بملف الصحراء وبارتباطه الوثيق بوحدة التراب المغربي
وكشف في هذا الخطاب مُقاربة بإضافات ومعطيات جاء الإعلان عنها في لحظة فاصلة ومهمة جمعت بين الإرادة واليقين، ورسمت صورة واحدة بإطارات مُتعددة لتحقيق عملية فرز كان لا بد منها.
وذهب في مقاربته إلى تحديد دقيق للتفاصيل لرسم موقف واضح، لمنع أيّ التباس، وبعيدا عن الضجيج أو الصخب، وما يمكن أن يحيط بهما من انطباعات ضبابية، قائلا إن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”.
ولم يكتف بذلك، وإنما أردف في رسائل وجّهها إلى شركاء بلاده بلغة لا تقبل التأويل في تحديد الأولويات في هذه المرحلة بما شهدته من تراكمات إيجابية، أن ملف الصحراء “هو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
وأضاف “لذا ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.
ونحسب أن وضوح هذه الرسائل بما تضمنته من إعادة التأكيد على الثوابت الوطنية في إطارها الأساسي، وفق تناسق الأولويات بضروراتها المختلفة والمتعددة، يُمثل تحديدا لملامح المرحلة المقبلة بمتطلباتها وما تستدعيه من عناصر القوة التي تمتلكها الإرادة المغربية.
ولم يكن تحديد هذه الملامح بخطوطها الواضحة إلا خطوة على طريق بناء سياسي ودبلوماسي، سوى مقدمة لتحركات مرتقبة لمنع أيّ خلط بريء أو مُتعمّد، لاستمرار المواقف الضبابية لبعض الدول التي ما زالت لم تحسم أمرها تجاه وحدة التراب المغربي.
ومن المنطقي جدا أن نتوقع في قادم الأيام والأسابيع والأشهر اندفاعا للدبلوماسية المغربية تتوازى فيه الإرادة، وكذلك أيضا اليقين الذي يرتكز على أساس وطني باعتباره المعيار الذي تحكّم ويتحكم بمجمل التحركات ومفاعيلها لمواجهة الانتقاص من السيادة المغربية.
ويُرجح أن يُحاكي هذا الاندفاع المرتقب وجدان الشعب المغربي في عمق المشهد المرتسم على تخوم الحد الفاصل لهذه المقاربة المغربية الجديدة التي تحكمها ضوابط موحدة، وأخرى ناظمة لها على قاعدة واحدة بأهداف وغايات مترابطة، لا أحد يستطيع تجاوزها.
كما يُرجح أيضا أن يكون هذا الاندفاع مسنودا بمواقف العديد من الدول الوازنة التي سبق لها أن أعربت عن دعمها واحترامها لسيادة المغرب الكاملة على أراضيه، وتأييدها لمبادرة الحكم الذاتي التي تبقى الإطار الوحيد لتسوية ملف الصحراء بعيدا عن الحسابات الإقليمية المُلتبسة.
ولعل التطورات الهامة المُسجلة في سياق هذا الملف، وخاصة منها ما أقدمت عليه دولة بيرو، لدليل إضافي على توازي الإرادة واليقين، باعتبار أن بيرو بإعلانها الرسمي سحب اعترافها بانفصاليي الصحراء، تكون بذلك قد رسمت تخوم مشهد جديد بتوازنات جديدة.
وزارة خارجية بيرو ولم تتردد في التعبير عن دعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادتها الوطنية وكذلك أيضا لمبادرة الحكم الذاتي التي لاقت ترحيبا واسعا من دول وازنة
وفي خطوة وُصفت بأنها مُقدمة لترتيب أولويات وحسابات كثيرة، قررت دولة بيرو الخميس الماضي سحب الاعتراف بـ “الجمهورية الصحراوية” وقطع جميع العلاقات مع هذا الكيان” التي بدأت في العام 1984 وعُلقت في العام 1996، إلى أن تم استئنافها خلال صيف العام الماضي.
وأشارت وزارة الخارجية البيروفية في بيان لها إلى أن هذا القرار جاء بعد محادثة هاتفية جرت بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ونظيره البيروفي ميغيل رودريغيز ماكاي الذي أكد دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية التي أعلنها المغرب في العام 2007.
ولم تتردد وزارة خارجية بيرو في بيانها في التعبير عن دعم بيرو للوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادتها الوطنية وكذلك أيضا لمبادرة الحكم الذاتي التي لاقت ترحيبا واسعا من دول وازنة، لأنها تبقى بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية لتسوية ملف الصحراء المغربية.
ولم يفت العاهل المغربي التنويه في خطابه بمناسبة ذكرى “ثورة الملك والشعب” بمواقف تلك الدول، لافتا في هذا الصدد، إلى الموقف الثابت لأميركا الذي “شكل حافزا حقيقيا، لا يتغير بتغير الإدارات”، مُثمّنا في نفس الوقت “الموقف الواضح والمسؤول” لإسبانيا، وكذلك أيضا “المواقف البناء” لمجموعة من الدول الأوروبية من مبادرة الحكم الذاتي.
وعلى هذا الأساس، يُنتظر أن يفتح موقف بيرو مساحة واسعة أمام حدوث تبدلات جوهرية في مواقف دول أخرى، وخاصة منها دول أميركا اللاتينية التي لا يمكن إغفالها أو تجاهل مفاعيلها التي من شأنها زعزعة قواعد التوازنات لجملة الحسابات الملتبسة التي أحاطت بهذا الملف.
بل تذهب التقديرات المستندة إلى قراءة موضوعية لتطورات هذا الملف، إلى أن موقف بيرو سيُربك أسس تلك الحسابات بشعاراته المُصطنعة، لاسيما وأنه بحسب وزارة الخارجية المغربية، فإنه “من بين 193 بلدا عضوا في الأمم المتحدة، 84 في المئة منها لا يعترف بالكيان الانفصالي، أي ثلثا الدول الأفريقية و68 في المئة من دول أميركا اللاتينية، و96 في المئة من دول آسيا، و100 بالمئة من دول أوروبا وأميركا الشمالية”.
وبالتوازي مع ذلك، قامت حوالي ثلاثين دولة بفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، تجسيدا لدعمها الصريح للوحدة الترابية للمملكة ولمغربية الصحراء، ليُحقق المغرب بثوابته وحضوره السياسي والدبلوماسي النشيط نجاحات واضحة لا يمكن أن يغفلها أيّ مراقب، وهي نجاحات ستتواصل على قاعدة مبادرة الحد الفاصل على تخوم الفرز، لأن الملف لم يُغلق، وجولات المواجهة لم تنته بعد.