دبلوماسي روسي فوق العادة لتحصين علاقات موسكو مع الرباط

ماموني

يعتبر استقبال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة للسفير الروسي الجديد فلاديمير بايباكوف تأكيدا على عمق العلاقة بين البلدين وتجاوزا للتصريحات غير المنضبطة للسفير الروسي السابق في الجزائر إيغور بلياليف بشأن الصحراء المغربية.

تتجه روسيا إلى تقارب أقوى مع المغرب بتعيين الرجل الثاني في سفارة موسكو لدى واشنطن سفيرا بالرباط.

واستقبل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة السفير الجديد فلاديمير بايباكوف الاثنين بعدما تم نقل السفير السابق فاليريان شوفايف وتعيينه بالجزائر على إثر تصريحات سلفه إيغور بلياليف حول الصحراء المغربية، وهو ما جعل الخارجية الروسية تبادر بإعفاء الأخير من منصبه، حفاظاً على علاقاتها مع الرباط.

ويرى مراقبون أن استقبال بوريطة لبايباكوف رسالة من المغرب بشأن طبيعة العلاقة القوية مع موسكو خاصة وأن الاستقبال جاء مباشرة بعد خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب السبت الماضي، حيث طالب الملك محمد السادس الدول الشريكة للمغرب بأن تتبنى موقفا واضحا من ملف الصحراء المغربية.

وأكد العاهل المغربي بشكل واضح أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، لذا ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.

محمد الطيار: موسكو تدرك بأن المعادلات والتوازنات الدولية تغيرت لصالح الرؤية المغربية بشأن الحكم الذاتي

وعلّق محمد الطيار الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية على تعيين السفير الجديد، قائلا إنه “يؤكد بشكل ملحوظ إصرار روسيا على التمسك المتين بالعلاقة الإستراتيجية التي تجمعها مع المغرب، والتي تعتبرها محورا بارزا في إستراتيجيتها الدولية”.

وأضاف في تصريح لـه أن “إسراع روسيا بإعفاء سفيرها السابق لدى الجزائر بعد تصريحاته غير المنضبطة يبين أن موسكو تدرك بأن المعادلات والتوازنات الدولية تغيرت لمصلحة الوحدة الترابية المغربية، وأن تصريحات الدبلوماسيين الروس يجب أن تنسجم وتخدم أيضا التقدم الكبير الذي تعرفه المصالح الروسية، وتنوع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع المغرب”.

وأوضح أن خطاب الملك محمد السادس الذي ربط استمرار أو بناء أي شراكة مهما كان نوعها بالموقف الواضح من قضية الصحراء المغربية، لا شك أنه سيدفع روسيا إلى اتخاذ موقف أكثر تطورا من قضية الصحراء يتجاوز خط الحياد النسبي، ويتجاوز موقفها التقليدي من هذه القضية المرتبط بكون السوق الجزائرية تشكل مجالا مهما لتصدير منتجاتها العسكرية، وكون النظام العسكري الجزائري حريص منذ قيام الدولة على التشبث بالمظلة الروسية.

ولم تحسم روسيا موقفها بشكل واضح بخصوص مستقبل ملف الصحراء، حيث امتنعت عن التصويت على القرارات الدورية لمجلس الأمن وآخرها القرار 2602 الصادر بتاريخ التاسع والعشرين أكتوبر 2021 والذي رحبت به الرباط وأثار غضب الجزائر وجبهة بوليساريو الانفصالية، بل أحيانا تتّخذ موسكو مواقف أقرب إلى الطرح الانفصالي حين تبدي دعمها لما يسمى بـ”استفتاء تقرير المصير”، أو حين عارضت الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء في ديسمبر سنة 2020.

وأعفت روسيا في مايو الماضي سفيرها السابق في الجزائر إيغور بلياليف مباشرة بعد تصريحات قال فيها إن موسكو والجزائر تشتركان في دعم “حق تقرير المصير للشعبين الفلسطيني والصحراوي”.

ولم يترك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجالا لحدوث تداعيات دبلوماسية سلبية بين موسكو والرباط جراء تصريحات السفير السابق التي ساند من خلالها الطرح الانفصالي في الصحراء، فأصدر بوتين مرسوما رئاسيا بإعفائه من منصبه.

وأكد محمد الطيار أن تصريحات السفير السابق إيغور بلياليف الداعمة لموقف الجزائر في نزاعها مع المغرب شكلت إحراجا أصاب الدبلوماسية الروسية في عز صراعها مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

المسؤولون المغاربة يراهنون على تطوير روسيا لموقف متقدم في ملف الصحراء يتماشى مع التطورات الأخيرة في هذا الملف

وأضاف أن انتقاد السفير السابق في تصريحات أخرى للموقف الإسباني الجديد من قضية الصحراء المغربية، وقوله إنه لا يستبعد أن تكون وراء الموقف الإسباني الجديد ضغوط دولية على مدريد، أوحى بتطابق الرؤية الروسية مع السردية الجزائرية.

وأكد أن موقف الرئيس الروسي كان سريعا، وشكل رسالة واضحة ذات قيمة رمزية عالية، حيث بادر إلى إنهاء مهام السفير المذكور عقابا له على تصريحاته غبر المنضبطة، وتعيين بدله السفير السابق بالمغرب فاليريان شوفايف الذي كان حريصا طيلة مهمته على تقوية الشراكة والتعاون بين البلدين.

وعرفت العلاقات المغربية – الروسية في السنوات الأخيرة تحسنا ملحوظا، وتعززت بعد الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى روسيا في العام 2016، وتوجت بالتوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات لتعميق الشراكة الإستراتيجية الروسية – المغربية، وفق ما نشرته وسائل إعلام روسية.

ويرى مراقبون أن هدف الرئيس الروسي من هذا التعيين هو “حشد دعم من الرباط لروسيا” خاصة أن السفير الجديد يعد مؤيدا قويا ومساندا لسياسة بوتين.

ويعتبر الموقف الرسمي لروسيا من الصحراء المغربية أقرب نسبيا إلى الموقف الجزائري، لكنه خف بشكل واضح خلال الشهور الماضية في ظل التقارب مع المغرب خلال الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا.

واختار المغرب الحياد في القضية الروسية – الأوكرانية، وترجم ذلك إلى غياب عن ثلاث جلسات استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة كانت مخصصة لإدانة الحرب التي أعلنها بوتين على كييف ومطالبة موسكو بالانسحاب الفوري من كل الأراضي الأوكرانية، بالإضافة إلى طرد الروس من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

ويراهن المسؤولون المغاربة على تطوير روسيا لموقف متقدم في ملف الصحراء يتماشى مع التطورات الأخيرة في هذا الملف، وذلك بموازاة مع العلاقة الاقتصادية بين الرباط وموسكو التي لم تتأثر بالتبعات السياسية للحرب الروسية على أوكرانيا في ظل استمرار البلدين في إبرام عقود واتفاقيات جديدة تفتح الباب نحو دخول روسيا في أسواق مغربية جديدة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: