مع وجود أغلبية نسبية في الجمعية الوطنية (البرلمان)، لن تكون ولاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثانية شبيهة بالأولى، حيث سيتعين عليه خوض مفاوضات شاقة وتقديم تنازلات لتمرير مشاريع قوانينه الإصلاحية.
تسعى فرنسا لإدخال تعديلات على قانون الاكتساب التلقائي للجنسية، في خطوة قال مراقبون إنها تستهدف التضييق على المهاجرين وتتعارض مع مبادئ الجمهورية.
وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرارد دارمانان إنه يرغب في إعادة صياغة قانون الاكتساب التلقائي للجنسية الفرنسية بالنسبة إلى المولودين في فرنسا من أبوين أجنبيين والمعروف بـ”حق الأرض”.
وجاء ذلك خلال كلمة ألقاها بمناسبة زيارته إلى جزيرة مايوت الفرنسية الواقعة في المحيط الهندي، والتي تصنف في “التقطيع الفرنسي الداخلي” الدائرة الفرنسية رقم 101، وتعاني من تدفق الهجرة غير النظامية، إضافة إلى انعدام الأمن ومشاكل اجتماعية أخرى.
مقترح التعديل هو أن يكون أحد أبوي الطفل الذي يولد في فرنسا مقيما بانتظام لأكثر من عام على الأرض الفرنسية
وقال الوزير “آمل أن تكون لي القدرة على تضمين التعديل الذي سيتم عرضه للتصويت في البرلمان التزامًا لأحد والدي الطفل الذي يولد في فرنسا بأن يكون مقيما بانتظام لأكثر من عام على الأرض الفرنسية (مقابل ثلاثة أشهر حاليًا)، ليكتسب المولود الحق التلقائي في الجنسية الفرنسية”.
ويكتسب الأشخاص المولودون في فرنسا لأبوين أجنبيين الجنسية الفرنسية تلقائيًا عندما يصلون إلى سن 18، بشرط أن يكونوا مقيمين في فرنسا عندما يبلغون هذه السن منذ سن الحادية عشرة على الأقل لمدة لا تقل عن 5 سنوات.
وهذا الإجراء للحصول على الجنسية ساري المفعول منذ عام 1889 تحت اسم “حق الأرض”، مع التعديلين الوحيدين لعامي 1993 (قانون باسكوا) و1998 (قانون غيغو).
ومع ذلك، فإن القانون يترك للمستفيدين من “حق الأرض” رفض الجنسية الفرنسية بين سن السابعة عشرة ونصف و19 سنة.
ولا يتوقع مراقبون أن يتمكن الوزير الفرنسي من تمرير مقترحه في الجمعية العامة، لاسيما وأن كتلة اليسار الفرنسي التي حققت اختراقا كبيرا في الانتخابات الأخيرة تعارض أي خطوة من شأنها أن تمس بمبادئ الجمهورية الفرنسية.
وقد يلقى مقترح الحكومة الفرنسية تأييدا من قبل الحزب اليميني المتطرف الذي تقوده مارين لوبان.
ودخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (بعد خسارة الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية) مرحلة جديدة سيقدم فيها المزيد من التنازلات بعد خمس سنوات من السيطرة بلا منازع منذ أول فوز له في الانتخابات عام 2017.
وبعدم تحقيق ماكرون وحلفائه أغلبية مطلقة، فقد يسعون لاستمالة نواب من يمين الوسط أو من المحافظين.
وسيكون أمامهم إما السعي لتحالف مع المحافظين وإما إدارة حكومة أقلية سيتعين عليها التفاوض على القوانين على أساس كل حالة على حدة مع الأحزاب الأخرى.
ويرى محللون أن عدم فوز الائتلاف الوسطي “معا!” بقيادة الرئيس الفرنسي بأغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية سيناريو سيدخل البلاد في مرحلة فوضى سياسية لم تشهدها منذ عقود.
ويشير هؤلاء إلى أن ماكرون سيجد نفسه مضطرا إلى البحث عن دعم ضمن كتل سياسية أخرى لتمرير مشاريع القوانين التي يقترحها، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان السياسي في وقت يعارض فيه اليسار أجندات ماكرون الإصلاحية ويسعى لإفشالها، خاصة في ما يتعلق بإصلاح نظام التقاعد وملف الضرائب والهجرة.
وحلت الغالبية الحالية “ائتلاف الرئيس” في المرتبة الأولى مع حصولها على 26 في المئة من الأصوات، مسجلة نتيجة متقاربة جدا مع تحالف اليسار “نوبس” بقيادة جان لوك ميلانشون.
ونجح الأخير في رهانه على جمع شمل الاشتراكيين والمدافعين عن البيئة والشيوعيين وحركته “فرنسا الأبية” التي تنتمي إلى اليسار الراديكالي.
كتلة اليسار الفرنسي تعارض أي خطوة من شأنها أن تمس بمبادئ الجمهورية الفرنسية
ويسعى اليسار الموحد للمرة الأولى منذ عقود لفرض “مساكنة” على رئيس الدولة، إذ أنه بات يشكل أكبر تكتل معارض في الجمعية الوطنية، علما بأن هذا الدور كان يضطلع به اليمين.
وفاز ماكرون بولاية ثانية في أبريل الماضي، وهو يريد رفع سن التقاعد ومواصلة أجندته المؤيدة للأعمال التجارية وتعزيز الاندماج في الاتحاد الأوروبي.
وعرضت رئيسة وزراء فرنسا إليزابيت بورن مؤخرا أمام البرلمان برنامج حكومتها السياسي في ما يعد اختبارًا تترقبه الأوساط السياسية بعد الضربة التي تلقاها معسكر الرئيس في الانتخابات التشريعية.
وعرضت رئيسة الوزراء أمام مجلسي النواب والشيوخ أسلوب حكمها وبرنامج حكومتها الذي يتضمن مشروع القانون المرتقب حول القدرة الشرائية في مواجهة تضخم بلغ في يونيو 5.8 في المئة، وهو معدل غير مسبوق منذ حوالي أربعين سنة في فرنسا.
وقد يعطي هذا مؤشرات حول قدرة معسكر ماكرون على تمرير إصلاحاته خلال السنوات الخمس المقبلة.
وستكون أمام الحكومة مهمة تمرير إصلاحاتها من دون أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية وفي مواجهة معارضة غاضبة.
وكانت مواقف المعارضة فاترة حيال الحكومة الجديدة المؤلفة من 41 عضوا بينهم 20 امرأة، فحركة فرنسا الأبية اليسارية الراديكالية اعتبرت أنها ليست “حدثا مهما”، في حين رأت مارين لوبان زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي حقق نتائج غير مسبوقة في الانتخابات التشريعية أن ماكرون “يتجاهل مرة جديدة قرار صناديق الاقتراع وإرادة الفرنسيين برؤية سياسية جديدة”.