خصص العاهل المغربي الملك محمد السادس حيزا كبيرا من خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، للحديث عن الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مشيرا إلى أن المغرب يحتاج اليوم إلى كل أبنائه وإلى كل الكفاءات والخبرات المقيمة بالخارج، سواء بالعمل والاستقرار بالمغرب، أو عبر مختلف أنواع الشراكة، والمساهمة انطلاقا من بلدان الإقامة، داعيا إلى إحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها، وتذييل جميع العراقيل لتعطي أفضل ما لديها لصالح بناء الحياة العامة والاقتصادية والسوسيوسياسية للمملكة.
وأشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب يملك جالية تقدر بحوالي خمسة ملايين، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة في كل أنحاء العالم، معتبرا أن إشراك الجالية في مسار التنمية “يحظى بكامل اهتمامنا”.
وشدد العاهل المغربي على أن الجالية المغربية معروفة بكفاءات عالمية في مختلف المجالات، وأنه “حان الوقت لتمكينها من المواكبة الضرورية، والظروف والإمكانات، لتعطي أفضل ما لديها لصالح البلاد وتنميتها. لذا، نشدد على ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة، مع الكفاءات المغربية بالخارج، بما في ذلك المغاربة اليهود”.
وتفاعلا مع التصريحات، أوضح مجلس الجالية المغربية بالخارج أن الخطاب الملكي يعكس الاهتمام الذي يوليه العاهل المغربي لأفراد الجالية المغربية، ويبرز، مرة أخرى، حرص الملك محمد السادس على مصالحهم وحقوقهم وتفاعله المتواصل مع مطالبهم وهمومهم، والسهر على إشراكهم في تنمية وطنهم المغرب.
واعتبر الأمين العام للمجلس عبدالله بوصوف في تصريح لـه أن الجالية المغربية بالخارج شركاء في مسار التنمية، خاصة وأنها خزان قوي لكفاءات عالمية مشهود بها في مختلف الاختصاصات العلمية والاقتصادية والسياسية و الثقافية والرياضية وغيرها، وهو ما يوجب توفير الظروف والإمكانات من أجل تمكينها من سُـبل الإبداع وتنمية المغرب.
ويشكل المغاربة الذين يعيشون في خارج البلد، والذين يطلق عليهم غالبا “مغاربة العالم”، جزءا مهما من المناقشات في السياسة المحلية، حيث تتميز اليوم بتنوّع مناطق تمركزها في شتى بقاع العالم، ولا يزالون يحتفظون بصلات وثيقة مع بلدهم الأصلي.
وأوضح عبدالله بوصوف أن من أجل مغرب جديد لابد من التعامل الجدي والفعال مع تطلعات جديدة ومتجددة لمغاربة العالم، الذين بصموا على حضورهم القوي والإيجابي في كل الملفات المفصلية للوطن، سواء في الشق الاجتماعي التضامني أو الاقتصادي والإنمائي أو في الدفاع عن المقدسات الوطنية والترابية، وهو ما يعني ضرورة تأهيل الفاعل المؤسساتي وتحديث الإطار المؤسساتي الخاص بالجالية من جهة، وإعادة النظر في نموذج الحكامة الخاص بكل المؤسسات في إطار الرفع من فعاليتها وضمان تكاملها من جهة أخرى.
هشام معتضد: المغرب يرسم خارطة طريق تشارك فيها الجالية
وأكد هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية، أن تطرق الخطاب الملكي إلى دور الجالية المغربية بالخارج، يأتي في سياقات اجتماعية واقتصادية وثقافية جد دقيقة، تستدعي إشراك هذه الفئة في التحديات التي يواجهها المغرب.
وأشار معتضد إلى أن المغرب حاليا يعمل على هندسة خارطة طريق جديدة، تستوعب الأدوار الإستراتيجية التي يمكن أن تلعبها الجالية المغربية على جميع المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمساهمة في إنجاح المقاربة التنموية.
وسيقوم المغرب بإحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها، ويعتبر الملك محمد السادس أن ذلك سيمكن من التعرف عليها، والتواصل معها باستمرار، وتعريفها بمؤهلات وطنها، بما في ذلك دينامية التنمية والاستثمار، مجددا الدعوة للشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، إلى الاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد.
وقال العاهل المغربي إن المؤسسات العمومية، وقطاع المال والأعمال الوطني، مطالبان بالانفتاح على المستثمرين من أبناء الجالية، وذلك باعتماد آليات فعالة من الاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع.
وقد أثارت هذه الفئة من المجتمع المغربي اهتمام الدولة المغربية وجعلتها تضع إستراتيجيات وأطرا مؤسسية متنوّعة، الهدف منها تعبئة موارد ومهارات هؤلاء، للمساهمة في تعزيز مشاركتهم الفعالة في تنمية بلدهم الأصلي والنهوض به.
وعلّق الحسن بلعربي، الأستاذ بجامعة ألميرية بإسبانيا، بأن الاستثمار في الكفاءات المغربية المتواجدة خارج الوطن الأم، على غرار دول كثيرة خاضت التجربة بنجاح، كل واحدة حسب إمكانياتها، يمكّن من المزج بين كل البدائل والعمل بها بحجم متفاوت حسب الإمكانيات، سواء بالعودة النهائية لهذه الفئات إلى بلدها الأم وإدماجها التام، أو عبر تنقل هؤلاء إلى المغرب لفترات محدودة للعمل في مشروع ما دون أن يؤثر ذلك على حياتهم العملية أو العائلية في بلد الإقامة، أو إشراكهم عن بعد، عبر إنشاء شبكات موضوعاتية وجغرافية مكونة من كفاءات مغاربة العالم.
وأكد الحسن بلعربي، المقيم بإسبانيا، أن لبلوغ النتائج المنشودة، يجب تحديد الخصاص والحاجيات من هذه الكفاءات في المغرب سواء في القطاع العام أو الخاص، مع تحديد الإمكانيات الذهنية التي نتوفر عليها خارج الحدود، أي مغاربة العالم ذوي الكفاءات العالية، وإيجاد آليات الربط بين الحاجيات والقدرات المتاحة.
ويتمتع أفراد الجالية المغربية بالخارج بمهارات وكفاءات عالية في مختلف المجالات، فضلا عن مساهمتهم المالية المعتبرة في الاقتصاد المغربي، بمتوسط سنوي قدره 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بما يجعلهم يتبوؤن المرتبة الأولى في جدول الإيرادات، التي تفوق حتى المساعدات العمومية الخاصة بالتنمية والاستثمار الأجنبي المباشر.
وبهذه المناسبة، جددت الجالية المغربية بالخارج، دعوتها إلى كافة الفاعلين المؤسساتيين من أجل التفاعل الإيجابي في ما يتعلق بالإطار التشريعي وإعداد سياسات عمومية شاملة ومندمجة موجهة إلى الجالية المغربية بالخارج، تتماشى مع خصوصيات هذه الفئة من المواطنين المغاربة وتستجيب لتطلعاتها وانتظاراتها، سواء المتعلقة بتحسين الخدمات الإدارية الموجهة إليها، أو تقديم تحفيزات إضافية لها في ما يخص الاستثمار، أو تقوية تأطيرها الديني والثقافي والتربوي، أو خلق الظروف الموضوعية لإشراك كفاءاتها في مختلف الأوراش التنموية التي تعرفها المملكة.
وسجل الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج عبدالله بوصوف “عدم الانسجام بين ما دعت إليه الخطابات الملكية وما ورد في الدستور المغربي حول موضوع الجالية المغربية، وبين السياسات الحكومية المنتهجة، وهو ما يتمثل في عدم وضع سياسة عمومية منسجمة وشاملة موجهة لأفراد الجالية المغربية بالخارج، حيث اقتصر المنجز الحكومي على مجموعة من التدابير الإدارية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يفسر تعذر تنزيل المضامين الدستورية المتعلقة بالجالية المغربية في صيغة سياسات عمومية وتشريعات وقوانين”.