المغرب: الهجرة ليست مجرد ملف أمني فقط

ماموني

إستراتيجية مراقبة الحدود الأمنية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي ويتم تنفيذها في بلدان أخرى، غالبًا ما تنعكس على حجم المساعدات المخصصة لدعم المبادرات الإنسانية في دول العبور كما في المغرب، حيث قام الاتحاد الأوروبي بتمويل مبادرات مختلفة لمساعدة المهاجرين الأكثر ضعفا.

والملاحظ أن سياسات التقشف التي تتبعها الدول الأوروبية بسبب الأزمة الأوكرانية والتبعات الناجمة عن جائحة كورونا، لم تؤثر سلبا على الميزانيات المخصصة لمواجهة الهجرة السرية، بما فيها المنحة الأوروبية المخصصة لدعم المغرب للفترة الممتدة إلى غاية 2027، لحماية الحدود وتوفير الموارد الضرورية لدعم وتقوية قدرات القوات الأمنية ومكافحة شبكات التهجير السري.

جهود المغرب لا تقتصر على مكافحة الهجرة السرية، ولا تنقص من دوره الكبير في الدفاع عن حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء. وقد برز ذلك جليا في الدور القيادي الذي لعبته المملكة في مفاوضات الميثاق العالمي للهجرة الذي تم تبنيه في مراكش عام 2018.

وفي ضوء الجهود المبذولة من قبل المغرب يصبح مفهوما قرار الاتحاد الأوروبي تخصيص 500 مليون يورو لفائدة المملكة، بعد أن اتخذ قرار برفع الميزانية المخصصة بنسبة 50 في المئة، من أجل مساعدة الرباط على التصدي لظاهرة الهجرة السرية.

ليس المغرب فقط المستفيد من التنسيق والدعم الأوروبي، بل من شأن إصلاح نظام الهجرة أن يعزز النمو الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي، ويرفع متوسط إنتاجية العمال

وكان قد سبق للاتحاد الأوروبي، قبل اتخاذ قرار زيادة المخصصات، أن قدم عام 2018 مقترحات لإقامة مراكز إنزال إقليمية على سواحل جنوب المتوسط، قوبلت بانتقادات شديدة من قبل دول شمال أفريقيا. حيث أبدى المغرب حرصه على ألاّ يلعب دور الدركي لأوروبا، بل دور الشريك في الحوار الجاري والتعاون بما يخص الهجرة على نطاق أوسع (الهجرة القانونية والتنقل، منع الهجرة غير النظامية وتدابير مواجهتها، الهجرة والتنمية، الحماية الدولية)، وتحديد الأولويات المشتركة من أجل تطوير تعاون مثمر.

لم تأت هذه الخطوة من دوائر صنع القرار في بروكسل اعتباطا، بل كانت تفاعلا موضوعيا مع إصرار المغرب على أن تكون سياسة الهجرة المتبعة إنسانية وشاملة. ويكفي أن نعرف أن المملكة هي البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي أجرى إصلاحات كبيرة في مجال الهجرة واللجوء، بصفته دولة للعبور تقع في قلب تدفقات الهجرة بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.

ويمول الاتحاد الأوروبي من خلال أدوات التعاون الإنمائي وصندوق التنمية الأوروبي والجوار الأوروبي، عددًا مهمًا من الإجراءات المتعلقة بالهجرة على المستويين الثنائي والإقليمي التي تدعم تنفيذ مختلف الالتزامات التي تم التعهد بها في إطار عملية الرباط.

واستمرار التمويل في إطار صندوق التنمية الأوروبي، هو جزء من تصور الاتحاد الأوروبي لخطة عمل إقليمية لمنطقة الساحل والصحراء، يعزز من خلالها الاتحاد العلاقة بين التنمية والهجرة وتعميم الإجراءات الجماعية التي يتخذها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بناء على القوانين العالمية للهجرة والتنقل.

ولقد أصبح واضحا للجميع أن رؤية المغرب تلتقي مع رؤية دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا وبولندا، حول قضايا تهم التعاون الأمني وجهود مكافحة الإرهاب وتحسين تنظيم الهجرة غير النظامية، وهي قضايا تعتبر أولويات رئيسية، كما تعكس الأهمية المتزايدة للدور الذي تلعبه المملكة في إستراتيجية الهجرة والأمن بمنطقة البحر الأبيض المتوسط.

فالأعباء التي تتحملها الدول الأعضاء الواقعة على حدود البحر الأبيض المتوسط المتعلقة بتقديم الدعم لمن هم في حاجة إلى حماية دولية غير متناسبة، وذلك على النقيض من مسؤولية اعتراض وإعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين ليس لديهم الحق في دخول الاتحاد الأوروبي، حيث يقوم الجميع بتحمل مسؤولياته.

التعامل مع قضايا الهجرة السرية وما تحمله من تحديات أمنية واجتماعية وسياسية، يجب أن يتم بطريقة حازمة وعادلة تتيح للمغرب الالتزام بتعهداته الدولية. لذلك رغم الأزمة المالية ومخاطرها على الاقتصاد العالمي والأوروبي الذي لا زال يئن تحت وطأة تداعيات جائحة كورونا، فرضت الهواجس الأمنية التي تشكل مصدر قلق مشترك على دول الاتحاد مضاعفة حجم المساعدات المخصصة للمغرب.

جهود المغرب لا تقتصر على مكافحة الهجرة السرية، ولا تنقص من دوره الكبير في الدفاع عن حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء. وقد برز ذلك جليا في الدور القيادي الذي لعبته المملكة في مفاوضات الميثاق العالمي للهجرة

فالأحداث التي شهدتها الحدود الإسبانية المغربية في سبتة ومليلية أواخر يونيو  الماضي لم تكن استثناء، فقد سبق أن واجهت مالطا وجزيرة لامبيدوزا الإيطالية مشاكل خطيرة في الأشهر الأخيرة، لتؤكد للمسؤولين في الاتحاد الأوروبي أن هذه الأحداث ما هي إلّا أعراض لمشاكل أوسع تتطلب حلاً طويل الأمد ودعما ماليا مباشرا.

وما حققه الاتحاد الأوروبي من تقدم في تبني معايير دنيا مشتركة تتعلق بتشريعات اللجوء والهجرة والعمل معا بعمليات حدودية مشتركة في إطار وكالة الحدود الأوروبية الجديدة “فرونتكس” لم يكن كافيا. والمطلوب من تلك الدول الاستجابة للهجرة النظامية والعمل بشكل فعال مع دول خارج الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها المغرب.

لا غرابة أن تهيمن قضية الهجرة غير الشرعية على مناقشات إصلاح نظام الهجرة في دول الاتحاد الأوروبي، فهي جزء من تحدّ أكبر متمثل في إصلاح نظام الهجرة والدخول القانوني للاتحاد تلبية لاحتياجات اقتصاد القرن الحادي والعشرين، خشية أن يفشل النظام المعمول به حاليا  في توفير فرص كافية للمهاجرين المتعلمين وذوي المهارات العالية للانضمام إلى القوة العاملة الأوروبية لتحفيز الابتكار والإنتاج والتنمية وخلق المزيد من فرص العمل.

في المحصلة، ليس المغرب فقط المستفيد من التنسيق والدعم الأوروبي، بل من شأن إصلاح نظام الهجرة أن يعزز النمو الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي، ويرفع متوسط إنتاجية العمال ويخلق المزيد من فرص العمل للمولودين في أوروبا، ويوسع قطاعات التكنولوجيا العالية، ويزيد من صافي الإيرادات، ويوسع بالتالي قدرة برامج التقاعد على الوفاء بالالتزامات المالية.

وباعتبارها جزءا من الاتحاد الأوروبي، لا تستطيع إسبانيا مواجهة أزمة الهجرة بشكل منفرد، بل هي معنية  بالاتصال اليومي بالمغرب للتنسيق بخصوص العمليات الأمنية المشتركة، ورغم أن الرباط تتوفر على الإرادة والإمكانيات اللازمة لمساعدة إسبانيا والاتحاد الأوروبي، إلا أن دول الاتحاد مطلوب منها التحلي بنظرة واقعية وموضوعية لدعم جهود المغرب ومقارباته لمواجهة الهجرة غير النظامية وأيضا شبكات الاتجار بالبشر.

ولم يتعامل رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز بالكثير من الجدية مع الاتهامات التي أطلقها العديد من الأطراف السياسية في إسبانيا ضد المغرب مؤخرا، بعد تزايد محاولات الهجرة غير النظامية نحو إسبانيا، خاصة إلى جزر الكناري، بل أكد في لقاء له الثلاثاء الماضي مع رئيس الحكومة المحلية في الجزر أنخيل فيكتور توريس أن تدفقات الهجرة غير النظامية على إسبانيا تُسجل منحى تراجعيا مقارنة بالسنوات الماضية بسبب التعاون مع المغرب في هذا الصدد مشددا على ضرورة دعم المملكة لوجيستيا وماديا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: