عبد اللطيف ميراوي.. وزير التعليم العالي ..القطرة التي أفاضت كأس حكومة أخنوش
La rédaction
برز اسم عبد اللطيف ميراوي على رأس قائمة المهددين بمغادرة حكومة عزيز أخنوش في أول تعديل ستعرفه، والذي يُنتظر أن يتم حتى قبلأن تتم عامها الأول، الأمر الذي لا يبدو غريبا على من يتابعون المسار الوزاري القصير لوزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، الرجلالذي نال منصبه بجبة حزب الاصالة والمعاصرة، ليرتبط اسمه بالفضائح أكثر من ارتباطه بالإنجازات، والذي تعقدت في عهده ملفات كثيرةكان من المفروض أن تلقى حلا عاجلا.
وفي حال ما تأكدت المعطيات التي نقلتها صحيفة “جون أفريك” الفرنسية القريبة حاليا من مكان إقامة الملك محمد السادس الموجودفي باريس منذ نهاية يوليوز للبقاء قرب والدته المريضة، فإننا سنكون أمام إصرار شديد من العاهل المغربي على إبعاد مجموعة من الأسماءعن مواقع المسؤولية، وفي مقدمتهم ميراوي، لأن التقرير تحدث عن تكليف العاهل المغربي لمستشاره فؤاد عالي الهمة بمناقشة هذا الموضوعمع أخنوش، ثم باستدعائه إلى باريس لإطلاعه على التفاصيل.
وسيكون ميراوي قد جنى ثمار سوء تدبيره للعديد من الملفات، ففي عهده وقعت أزمة الطلبة المغاربة الذين كانوا يدرسون في أوكرانيا والذينأجبرتهم ظروف الحرب على مغادرة البلاد، وهو الملف الذي لم يجد له حلا إلى الآن، في الوقت الذي دخلت فيه الحكومة الأوكرانية على الخطمن أجل إيجاد بدائل لهؤلاء الطلبة داخل الجامعات الأوروبية، وهو أيضا المتهم بإقبار نظام “الباكالوريوس” بمجرد أن بدأ العمل به، ليضعمصير آلاف الطلبة على كف عفريت.
لكن أكبر فضائح الوزير المهدد بالإعفاء، هي التي افتُضح أمرها بالدلائل أوائل شهر يوليوز المنصرم، حين اتضح أن ميراوي، بصفته رئيسالجامعة القاضي عياض بمراكش، وقع اتفاقية مع جامعة التكنولوجيا Belfort Montélimar خدمة لمشاريع الفرانكفونية، مقابل تلقيتعويضات بقيمة تقارب 260 ألف أورو، انطلاقا من أن الجامعة الفرنسية ستتكفل بـ90 في المائة من كلفة الاتفاقية، نتيجة “محدوديةموارد” نظيرتها المغربية، الأمر الذي جعله يواجه اتهامات بتضارب المصالح.
في نفس السياق، وفي امتداد ل”عجرفته الاستثنائية” التي اكتشفها أطر القطاع والرأي العام الوطني ولسياسته “غير المفهومة” لطمسملامح برامج سلفه، طلب عبد اللطيف ميراوي، منذ أيامه الأولى على رأس الوزارة، من رؤساء الجامعات توقيف العمل بنظام الباشلور الذي،للمفارقة العجيبة، يعد محورا مهما في برنامج الحكومة التي ينتمي إليها وكأنه غير معني به، معتمدا، في قراره الذي صدم 24.000 طالبمسجل في مئات المسالك المعتمدة بمختلف الجامعات العمومية، على رأي “محاباة”، “قيم ما لم يتم إطلاقه بعده”، والذي، للإشارة، لم يدعوقط إلى تعليق العمل به، غير مكترث بعقبات قراره على مستقبل الطلبة وحتى على علاقة ثقة الشباب في مؤسسات الدولة.
يتساءل متابعو الشأن الجامعي بإلحاح، ونحن على بعد أيام معدودات عن الدخول الجامعي، عن البديل البيداغوجي الذي جاء به ميراوي،مقابل سياسته المبنية على الإلغاء والتعليق والتوقيف: أين هي جامعته “النظرية” 4.0 التي أقام الدنيا وأقعدها من أجل أن يسوق لهاكنموذج جامعي جديد والتي تثير، في عديد الأحيان، الاستخفاف وحتى الضحك من قبل الأطر البيداغوجية؟!! أين هي مهاراته الناعمةوالتي يفضل أن يسميها بغير الناعمة، أو Power Skills حسب تعبيره، لأجل فتح مجال وهمي للخيال بالنسبة للملقي والمتلقي وتقديمشخصه كفيلسوف زمانه؟!! كيف ينوي التصرف في الميزانية الضخمة التي طلبها لرئيس الحكومة والتي تتعدى ال14 مليار درهم، مع العلمأنه، كما أشار إلى ذلك لدى أطر الوزارة، ينوي إطلاق طلبات عروض من أجل تطوير منصات التعلم عن بعد، أو، بطريقة أوضح، إطلاق عملية“سمسرة” مع فاعلي القطاع الخاص على حساب أساتذة التعليم العالي؟!!
لم يقف ميراوي عند هذا الحد، بل “استفز” بقراره القاضي بتعليق إحداث 34 مؤسسة للتعليم العالي بكل ربوع المملكة المنتخبين والسلطاتالترابية، من جهة، والطلبة وأولياء أمورهم، من جهة أخرى، في ضرب صارخ وغير مفهوم لمبدأ العدالة المجالية التي وجب تكريسها وللجهويةالمتقدمة التي وجب ترسيخها وفي تناف مع التزامات الدولة التي تم التوقيع عليها في اتفاقيات ملزمة وتم التأشير عليها من قبل المسؤولينالجهويين ومن قبل وزارتي الداخلية والمالية، وبالرغم من رصد الدولة، في ميزانيتها لسنة 2022، لأزيد من 600 مليون درهم لهذه الغاية،دون أن يقدم لا توضيح في هذا الشأن ولا بديل لقراره “الغريب”.
ما وجب التنبيه إليه هو أنه خلال السنة الجامعية المنقضية لم يتم تشييد أو إحداث ولا حتى إصلاح لا مؤسسة جامعية ولا مدرج ولا قاعة ولاحي جامعي ولا مطعم ولا …، مع العلم أن الميزانية المخصصة لذلك تم رصدها من لدن الدولة ومع العلم أيضا أن السنة الجامعية المشرفةعلى الافتتاح ستعرف التحاق أزيد من 250.000 طالب جديد!!
ومن تجليات شطط الوزير كذلك أنه دعا إلى إعادة النظر في حصص المنح المخصصة للأقاليم على أن يتم تفضيل ومحاباة أقاليم بعينهاليستفيد من ذلك سياسيا وحزبيا، كما قام ببرمجة تشييد حي جامعي بتارودانت، خارج اللائحة المبرمجة سلفا، وذلك حتى يلمع صورته علىالمستوى الداخلي للحزب الذي ينتمي إليه، خصوصا وأن تلك المدينة ينحدر منها ويرأس مجلس جماعتها الأمين العام لحزبه.
وتبعا لذات المنطق، عمد ميراوي إلى سحب القانون الأساسي للأساتذة ضدا على التوافقات التي تم تحقيقها خلال نهاية الولاية الحكوميةالسابقة مع نقابتي التعليم العالي وهو ما أدى إلى احتقان جامعي غير مسبوق ترجمته الإضرابات العامة التي شلت كل مؤسسات التعليمالعالي العمومية خلال شهر يونيو الماضي، مع العلم أن الدخول الجامعي المقبل لا يزال معلقا بحكم أن ممثلي الأساتذة يلوحون بمقاطعتهفي حال ما لم يلتزم الوزير بوعوده.
كما عمد، بالتوازي مع ذلك، إلى سحب مشروع القانون المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي الذي تم عرضه، في يونيو 2021، على الأمانةالعامة للحكومة من قبل الوزيرين السابقين، ليعيد النظر في ما جاء في مضامينه، مدرجا مبادئ دخيلة عن الجامعة الوطنية، وفي التوافقاتالتي تمت مع مختلف الفاعلين والخبراء الأكاديميين والاجتماعيين والتقنيين والقانونيين وذلك في إطار لجنة وطنية، يترأسها رئيس الحكومة،تضم كل القطاعات المعنية وأسند إلى الأمانة العامة للحكومة الإشراف على لجنتها القانونية، ليتم، على إثر ذلك، وبعد مصادقة وزارةالاقتصاد والمالية عليه، برمجته برقم خاص، قصد استصدار نص قانوني توافقي.
في مقابل كل ذلك، أطلق ميراوي “مناظرات جهوية”، ذات الأهداف المبهمة والمخرجات الغامضة، والتي قاطعتها النقابات، لتشخيصالمشخص، بالرغم من تقديمها، عكس الواقع، على أنها الأولى من نوعها في القطاع وأنها “تمرين جديد مبني على التشاور لم تعرفه الجامعةالمغربية من قبل”، حيث أنها، في الواقع، استنساخ طبق الأصل للجولات التشاورية والملتقيات الجهوية التي نظمها سلفيه في القطاع،أمزازي وأوعويشة. والحقيقة هو أن تنظيم هذه المناظرات الجهوية والذي من المفترض أن تتلوها مناظرات وطنية ما هي إلا محاولة منه فيالهروب إلى الأمام وربح مزيد من الوقت السياسي، في موضوع من المفترض أن لا يتم إقحام السياسة فيه.
وبالتالي، فإن ما يفتخر به ميراوي اليوم لا يعدو أن يكون إخراجا، في حلة جديدة وبمبالغ مالية ضخمة فرض على الجامعات أداؤهالصديقته الحميمة، حياة أكفلي، المالكة لوكالة خاصة للتواصل، لما تم الحسم فيه والتوافق عليه سابقا بإجماع كافة الفاعلين والشركاءالسياسيين والسوسيو–إقتصاديين والمؤسساتيين والمجتمعيين بمختلف جهات المملكة.
كما كلف صديقته نفسها بتطوير ما سمي ب”المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي” وفرضته، بإيعاز منه،على رؤساء الجامعات ومدراء القطاع وطلبت منهم اتباع مخططها، مع العلم أن “الصديقة” لا دخل لها لا من بعيد ولا من قريب بالقطاع،وتتلقى أموالا وتعويضات من الجامعات ومن مؤسسات عمومية، على غرار جمعية R&D Maroc وغيرها، مثلها مثل باقي مقربي الوزير،بطرق ملتوية وخارج القانون، بحيث لا تجمعها بالوزارة أية علاقة تعاقدية.
حصيلة السنة الأولى من ولاية ميراوي على رأس قطاع التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار شهدت تدبيرا عشوائيا للملفات المعروضة عليهبحيث فشل فشلا ذريعا في حلحلة الإشكال الذي لا يزال الطلبة المغاربة العائدون من أوكرانيا يواجهونه، في ظل التجاهل الذي لحقهم منطرف الوزارة، بالرغم من انقضاء سنة جامعية كاملة وإشراف أخرى على الافتتاح وبالرغم من الوقفات المتعددة التي نظموها أمام مقرالوزارة وبالرغم من المراسلات العديدة التي وجهوها للوزير قصد لقائهم، دون جدوى، وبالرغم من البلاغات العديدة التي نشرتها الوزارةومنصات جرد الطلبة التي أطلقتها هذه الأخيرة.
وعود ومقترحات عبد اللطيف ميراوي والتي أخذت أشكالا وتوجهات مختلفة، منذ اندلاع الأزمة الروسية–الأوكرانية، من إدماج مباشر للطلبةالمعنيين، كما أعلن على ذلك بتاريخ 4 مارس، إلى اجتياز مباريات الولوج، كما جاء في خطته لحل المشكل نهائيا (مباشرة بعد عيد الأضحىالماضي) والتي أعلن عنها يوم 21 يونيو بمجلس المستشارين، مرورا بخطط وصيغ لم ترقى الترحيب لا من طرف الطلبة المعنيين ولا من طرفالطلبة المنتسبين إلى كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة بالمغرب الذين قاموا بإنزال وطني أمام البرلمان للتنديد بقرارات ميراوي “غيرالمسؤولة”، لم تكن كافية لإيجاد حل للإشكال المطروح.
ولعل غياب الحماس لدى المسؤولين الجامعيين الذين لم تتم استشارتهم يوما في الموضوع ومعارضة الطلبة المسجلين بالمسالك الطبية بالمغربلخطوات الوزير نظرا لضعف الطاقة الإيوائية للمؤسسات الجامعية والمراكز الاستشفائية وآثارها على جودة التكوينات وكذا تشبت “طلبةأوكرانيا” بوعود ميراوي الأولية والتي تبقى غير قابلة للتطبيق نظرا لغياب الإطار القانوني لذلك، من جهة، وعدم انخراط القطاعات الحكوميةالأخرى المعنية في المبادرات “الأحادية” لميراوي التي أتى بها ديوانه دون الأخذ برأي حتى الإدارة ومسؤوليها، من جهة أخرى، تعد الأسبابالرئيسية لفشل وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في إيجاد وابتكار حل واقعي وموضوعي للإشكال المطروح.
في سياق متصل، عرفت مباريات ولوج كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة، في سابقة من نوعها، تسريب الامتحانات وحالات غش متفرقة،بينما اعتبر ميراوي أن :”الامتحانات مرت في ظروف جيدة، ووفق شروط الشفافية، رغم تسجيل بعض الحالات المحدودة جدا للغش”.
من جانب آخر، لعل سلسلة إعفاءات مسؤولي القطاع، من مدراء مركزيين ورؤساء جامعات ومؤسسات جامعية ومسؤولين إداريين والطريقةالمهينة التي اتبعها لإبعادهم لدليل عن شخصية الوزير “المضطربة” التي عنوانها الحقد والعداء.
وقد وظف لذلك صديق طفولته وابن بلدته، عبد الفتاح ولد النعناع، الذي عينه مفتشا عاما بالنيابة، من أجل إيجاد دلائل ولو تطلب ذلك نسجقصص خيالية لتلفيق التهم المجانية والمجازية لهم، ظلما وعدوانا، كما وظف رئيس ديوانه، سعيد مفتي، لقيادة حملة التشهير الإعلامي“الباطل” المبني على ما أتى به ولد النعناع، بالإضافة إلى صحفية قادمة من مواقع الإثارة، من أجل تشويه صورة من لحقهم الإعفاءالمجاني.
وفي مقابل ذلك، اختار الوزير سياسة “تبليص فضيعة” لأصدقاء فرنسا، كما شهدته رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس والوكالةالوطنية لتقييم جودة التعليم العالي والبحث العلمي وغيرهما بفرضه “شظايا” النظام الفرنسي على الجامعة المغربية والذين لم يعرفونها يوماوذلك باستخدام لجان “زور” يترأسها ويكونها فرنسيي الجنسية، على الخصوص نور الدين مؤدب، رئيس الجامعة الدولية للرباط (والذيأهداه ميراوي هذه السنة دعما استثنائيا قيمته 80 مليون درهم)، لتثبيت الفرنكوفونية التي جاء من أجلها ميراوي إلى المغرب، كما أفصحتعن ذلك وثائق تثبت تلقيه تعويضات بمئات الملايين للترويج لمشاريع فرنكوفونية بالمغرب في ما سمي بفضيحة “تضارب المصالح وتلقي أموالخارجية والتخابر لصالح دولة أجنبية”.
كما أبرزت تقارير صحفية وثائق ثبوتية لعلاقة ميراوي في ملف فساد يهم 20 صفقة عمومية قيمتها الإجمالية تعدت 14 مليار سنتيم خلالالأسبوعين الأخرين من ولايته الثانية على رأس جامعة القاضي عياض بمراكش والتي هي موضع الشكاية رقم 5543 التي أحالها، سنة2019، محمد عبد النبوي، رئيس النيابة العامة آنذاك، على الوكيل العام للملك بمدينة مراكش، بالإضافة إلى إدانته في شبهة التزويرواستعماله وتبديد وإتلاف وثائق رسمية واختلاس ونهب أموال عامة في قضية اقتطاع تجزئة من الوعاء العقاري للملك المسمى كلية اللغةالعربية وإحداث مشروع تشييد بناية فوقها بالتدليس والخلسة بكلفة إجمالية قيمتها 19.994.991,00 درهم ممولة من المال العام منميزانية الاستثمار لجامعة القاضي عياض، بالإضافة إلى عدم صرف إعانات الوزارة الوصية الاستثنائية المخصصة لفائدة كلية اللغة العربيةخلال تنفيذ ميزانيات سنوات 2015 و2016 و2017 والمحددة في مبلغ إجمالي قدره 1.980.750,00 درهم.
ولم تكد السنة الحكومية الأولى لميراوي على الانقضاء حتى تبين للملأ علاقة الرجل، الذي ادعى غير ما مرة الحداثة وأعلن عن عدائه لمنسماهم “الرجعيين”، مع جماعة العدل والإحسان المحظورة من أجل جمع الدعم ضد “مسؤولي القطاع” الذي لا يترك فرصة لتحميلهممسؤولية فشله في تسيير القطاع و”التطبيل والتزمير” لسياسته التي اكتشف الجميع معالمها وأهدافها، المعلنة منها والمبيتة.
سقطت ورقة التوت وانكشف المستور…
المظنون في رئيس الحكومة ليس فقط رفع ملتمس إعفائه بالنظر إلى الكوارث التي لحقت القطاع منذ مجيئه، بل تحريك المتابعة القضائيةضده في كل ملفات الفساد التي تلاحقه، بصفته الوزارية وكذلك بصفته رئيسا سابقا لجامعة القاضي عياض بمراكش، تخليقا للحياة العامةوللممارسة السياسية الفضلى وتكريسا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وردا للاعتبار للجامعة المغربية التي لحقتها أضرار بالجملة ستكونآثارها حتما سلبية، على الأقل خلال المدى القصير، حتى يتمكن من سيخلفه من تصويب المسار الذي أفسدته أنانيته “المرضية”.