يأتي تأييد بوليساريو دعوة الاتحاد الأفريقي إلى “إسكات البنادق في أفريقيا” نتيجة فشل الجبهة في مواجهة الرباط على كل الأصعدة، خاصة العسكرية، وسط حديث عن حالة انقسام تعصف بالجبهة الانفصالية.
تتجه جبهة بوليساريو الانفصالية نحو التخلي عن سياسة التصعيد ضد المغرب، وذلك بتأييد الدعوة إلى “إسكات البنادق في أفريقيا” التي أطلقها الاتحاد الأفريقي، ما يكشف فشل الجبهة الانفصالية في مواجهة الرباط ميدانيا ودبلوماسيا بشأن ملف الصحراء، وذلك بعد نحو سنتين من إعلانها إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار المعمول به منذ 30 عاما.
وعبرت “الأمانة الوطنية للبوليساريو” في بيان عن استعدادها للتعاون من أجل تنفيذ قرار قمة الاتحاد الإفريقي لإسكات البنادق، بعد أزيد من سنة ونصف من قمة الاتحاد في جنوب إفريقيا التي دعت إلى إسكات البنادق بالقارة السمراء، إلى جانب “استعدادها الكامل للتعاون مع جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي”.
كما عبرت الجبهة الانفصالية التي تعيش حالة من العزلة والارتباك عن “استعدادها الكامل للتعاون مع جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص”.
وقال محمد سالم عبدالفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لـه إن “البيان الصادر عن أمانة بوليساريو حول تأييد دعوة الاتحاد الأفريقي إلى ‘إسكات البنادق’ لا يعدو أن يكون محاولة لحفظ ماء وجه قيادة الجبهة الانفصالية ولتهيئ عناصرها القاعدية لقرار إنهاء تصعيدها السياسي والإعلامي، بعد افتضاح فشل مغامرتها غير محسوبة العواقب بالإعلان عن انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار وانكشاف زيف دعايتها الحربية”.
فشل توظيف جبهة بوليساريو الانفصالية ضمن لعبة الحرب بالوكالة ضد المغرب بعد الإنجازات التي حققتها الرباط
وبين أن هذه التطورات كشفت فشل توظيف بوليساريو ضمن لعبة الحرب بالوكالة ضد المغرب، خاصة إثر التطورات الميدانية التي صبت في صالح المغرب منذ النجاح التاريخي الذي حققه من خلال العملية التي شنتها القوات المسلحة الملكية لتأمين معبر الكركرات الإستراتيجي في 13 نوفمبر 2020، وما واكبها من مكاسب سياسية ودبلوماسية وميدانية، كان أبرزها الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء، والتأييد الإسباني لمبادرة الحكم الذاتي، فضلا عن العديد من مواقف الدول الوازنة المؤيدة للمغرب.
وسعت المنظمة للتغطية على فشلها والظهور كطرف قوي وندي للمغرب؛ حيث تحدث البيان الختامي لأشغال الدورة السابعة للأمانة العامة لجبهة بوليساريو عن “مفاوضات مباشرة لتحضير الظروف المناسبة لتنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي”، وأنه “لا حل للنزاع” في الصحراء المغربية إلا في إطار خطة التسوية الأممية – الأفريقية التي تم إقرارها سنة 1991، في تناس واضح لتجاوز الموقف الدولي لهذه النقطة بالذات.
وطرحت الأمم المتحدة سنة 1991 مخطط التسوية وأساسه تنظيم الاستفتاء وإرسال قوات “المينورسو” للسهر على سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
ولم تعد قرارات مجلس الأمن -آخرها القرار 2602 في أكتوبر الماضي- تتحدث عن الاستفتاء في الصحراء، بل اعتمدت على جل المعايير السياسية لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها المبادرة التي تحظى اليوم بالإجماع الأممي وبالمصداقية لطي هذا الملف.
ويرى مراقبون ان موقف بوليساريو المتراجع يعودإلى النجاحات التي حققها المغرب على مختلف الأصعدة، من بينها الصعيد العسكري حيث قررت الولايات المتحدة دعم المغرب بشبكات دفاع جوي متكاملة ضد هجمات الصواريخ والطائرات دون طيار.
وخصص الكونغرس الأميركي، في تصويته على مشروع قانون التخصيص للسنة المالية 2023، الأموال لتعزيز القدرات العسكرية لحلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يشمل المغرب، لمواجهة الهجمات الصاروخية وأنظمة الطائرات دون طيار.
وفي نوفمبر 2020 أعلنت الجبهة الانفصالية انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار مع المغرب لعام 1991 وما يترتب عليه من استئناف للعمل القتالي، مبررة ذلك بتدخل القوات المسلحة الملكية في المنطقة العازلة من الكركرات.
ولا تتوانى القوات المسلحة الملكية المغربية في استخدام قوتها النارية، ومنها طائرات الدرون، ضد تحركات عناصر بوليساريو التي تقترب من الجدار الأمني في الصحراء المغربية، وقد ذكرت مصادر إعلامية موالية لجبهة بوليساريو في نهاية الشهر الماضي أن “طائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة المغربية رصدت مركبة متحركة على مقربة من الجدار الرملي كانت تحمل على متنها قائد الناحية العسكرية الرابعة خطري ولد سعيد ولد برة، حيث تم قصفها بشكل مباشر ما أدى إلى وفاته في الحين”.
واعتبر محمد سالم عبدالفتاح أن قرار العودة إلى ما تسميه بوليساريو “الكفاح المسلح” في 14 نوفمبر2020 لم يتم التحضير له بشكل جيد، فبوليساريو لم تكن جاهزة لخوض “حربها المزعومة”، لكون جناحها العسكري ظل مهملا طيلة عقود من الزمن، فيما تنظيمها السياسي يعاني من حالة تفكك وترهل كبيرين، أما جهازها الأمني فقد بات مخترقا على أعلى المستويات، فضلا عن هيمنة عصابات الجريمة المنظمة واكتساح الجماعات المسلحة المتطرفة لمخيمات تيندوف.
وتعيش بوليساريو وضعا اجتماعيا وأمنيا مشحونا داخل المخيمات بعد الاحتجاجات ذات الطابع القبلي التي قادها القيادي في بوليساريو محمد لمين ولد البوهالي، من أجل الاعتراض على سجن ابنه بتهمة حيازة كمية من المخدرات، حيث تطورت إلى صدامات عنيفة مع العناصر الأمنية التابعة للجبهة الانفصالية.
وعلق محمد سالم عبدالفتاح في تصريح لـه على حالة الارتباك داخل بوليساريو قائلا إنها ”تأتي في ظل أزمة شغور في زعامة الجبهة، مع احتراق صورة غالي كزعيم سياسي بعد افتضاح تهريبه إلى إسبانيا والمتابعات القضائية التي صار موضوعا لها بتهم ثقيلة في المحاكم الإسبانية من قبيل الاختطاف والتعذيب والقتل خارج إطار القانون والاغتصاب، ما يؤجج الصراع داخل قيادة بوليساريو على خلافته، خاصة أن ذلك تزامن مع اقتراب موعد مؤتمرها العام“.