مباركة بوعيدة سيدة أعمال جعلت من السياسة وسيلة للدفاع عن وحدة المملكة

ماموني

هي الآن رئيسة جهة كلميم – واد نون جنوب المغرب، ورئيسة جمعية جهات المغرب، وعضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، تعتبر نموذجا للمرأة الصحراوية التي خاضت في السياسة ومجال الأعمال بنَفس يجمع بين الكفاءة في التكوين والممارسة، وسلوك يجعل من القبلية طريقا لدعم وحدة الدولة واستقرارها، مع طموح جارف للتفوق في مهامها مع إحساس بالمسؤولية والجدية في التعامل مع الملفات الحساسة، كون الدبلوماسية عندها مجالا لتدبير الخلافات والتوترات.

ارتدت مباركة بوعيدة الملحفة، زي منطقتها ورمز هويتها الصحراوية، باعتبارها اللباس النسائي للمرأة حسبما تفرضه التقاليد الصحراوية، ولم تشكل عائقا لممارستها السياسة بهمومها وتحدياتها، وهي مؤمنة بضرورة تجاوز الخطاب الشعبوي السلبي الذي تعرفه الساحة السياسية منذ مدة، وما يحرك فيها حس القيادة هو أنها ستصبح أول امرأة رئيسة حكومة في المغرب.

بوعيدة تلتزم بعقيدة الدولة المغربية في ما يتعلق بالارتباط بأفريقيا، وضرورة التعاون جنوب – جنوب كأولوية وفقًا لرؤية العاهل المغربي

ترعرعت في وسط عائلي معني بقضية الصحراء والوحدة الترابية والدفاع عنها، عائلتها لديها ميول سياسية متجذرة، وتحديدا والدها الذي كان مناضلا وسياسيا، وساهمت منذ صغر سنها في الحملات الانتخابية، كما كانت لها تجربة لأول مرة مع الكتابة في الصحافة في جريدة “الميثاق” التابعة للتجمع الوطني للأحرار في ثمانينات القرن الماضي، اهتمامها هذا نتج عنه انخراطها في تجربة إعلامية فريدة اليوم في المغرب، وهي أول محطة إذاعية متخصصة في الرياضة هدفها تأطير الشباب.

بعد رجوعها الفعلي والنشيط إلى الحزب، وبالموازاة مع حياتها المهنية، خاضت الانتخابات التشريعية ضمن اللائحة الوطنية في العام 2007 كأصغر برلمانية، وحاولت قدر المستطاع أن تكون مفيدة داخل المؤسسة التشريعية، ليس فقط بالحضور الجسدي ولكن أيضا بالتفاعل والتعاطي مع المواضيع.

البرلمان كان بالنسبة إليها مدرسة تمثل جميع فئات المغاربة، ومن خلال العمل الحقيقي داخل اللجان البرلمانية، وخلال عامين ترأست لجنة الخارجية والدفاع الوطني، فسارت بخطوات واثقة نحو العمل الدبلوماسي والبرلماني من خلال التوقيع على وثيقة الوضع المتقدم مع أوروبا، وإنشاء هيئة برلمانية مشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي اشتغلت على عدد من الملفات هدفها تقارب وجهات النظر.

بوعيدة المنحدرة من لقصابي بجهة كلميم – واد نون استكملت دراستها العليا بالمدرسة العليا للتدبير بالدار البيضاء، قبل أن تتجه بعد وفاة والدها إلى مدينة تولوز لاستكمال الدراسة بالمدرسة العليا للتجارة، ثم دراسة السلك الثالث بإنجلترا، تحصيل أكاديمي جعلها تبرز كقيادية شابة ناجحة في عالم الأعمال والتسيير، فاستطاعت تحمل مسؤوليات هامة في شركة العائلة “بيتروم” لنقل وتوزيع الغاز التي تملكها بالشراكة مع عائلة الدرهم الصحراوية، ولكفاءتها في تدبير شؤونها تم اختيارها ضمن قائمة “القادة العالميين الشباب” للمنتدى الاقتصادي العالمي سنة 2012.

جنوب – جنوب

تحصيلها العلمي في فرنسا وبريطانيا جعلها تبرز كقيادية شابة في شركة العائلة بيتروم للغاز

لا تفوت أي فرصة لتطوير مداركها وممارستها للسياسة في مجالات مختلفة، وتطبيق ما راكمته لسنوات، وقد كافحت لتكون رئيسة لجمعية جهات المغرب التي تم تأسيسها سنة 2007 من طرف رؤساء المجالس الجهوية للمملكة، ورغم مرور عام واحد فقط على انتخابها، فإنها تحمل إرادة صلبة للترافع لفائدة الجهات مع السلطات العمومية في إطار المشروع الملكي لتنزيل الجهوية المتقدمة والتنمية المستدامة وإرساء الديمقراطية المحلية.

عملها كنائب لرئيس منتدى البرلمانيين الدوليين من أجل الديمقراطية، وعضو بمركز شمال – جنوب لمجلس أوروبا، وبتحالف الحضارات للأمم المتحدة، وبرابطة ميونخ للشباب وذلك خلال المؤتمر الدولي لميونخ حول الأمن، كان مساعدا في موقعها الوزاري للتعاطي مع الملفات العالقة مع الاتحاد الأوروبي والقضية الوطنية والبرلمان الأفريقي، وكانت قضية الصحراء ملفها الأساسي فضلا عن الوضع المتقدم للمغرب في علاقته بالاتحاد الأوروبي، والعلاقات مع الدول الآسيوية وغيرها.

◙ البرلمان بالنسبة إليها مدرسة تمثل جميع فئات المغاربة، حيث ترأست بوعيدة لجنة الخارجية والدفاع الوطني، فسارت بخطوات واثقة نحو العمل الدبلوماسي

وترى بوعيدة أن التجربة السياسية أفادتها في الاشتغال على قضية الصحراء المغربية، التي هي أم القضايا، فمصداقية الدفاع عن القضية الوطنية مبنية على مصداقية المغرب وجديته وحقه في الدفاع عن هذه القضية وصموده أمام جميع المشاكل وبما يقدمه للعالم من خدمات إنسانية وسياسية وتعاون مع جميع الشركاء على المستوى الدولي، وبشكل خاص داخل الفضاء الأفريقي، فإتقانها لأربع لغات سهل مهمتها الدبلوماسية في الدفاع عن أطروحتها لما كانت وزيرة منتدبة في الشؤون الخارجية والتعاون.

كانت أوّل امرأة صحراوية في حكومة مغربية تتبوأ منصب وزيرة منتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون 2013، وهي الصحراوية التي لا تزال مؤمنة بأن الجهوية المتقدمة ستخدم قضية الوحدة الترابية للمملكة، وهي من الأولويات الدبلوماسية التي اشتغلت عليها في كل محطاتها المليئة بالمسؤوليات، مع التوجه أكثر فأكثر نحو أفريقيا.

بوعيدة واعية بعقيدة الدولة المغربية في ما يتعلق بالارتباط بأفريقيا، ومدركة لضرورة التعاون جنوب – جنوب كأولوية للمملكة وفق رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس، وقد استثمرت موقعها كرئيسة جمعية جهات المغرب للدفاع عن هذه العقيدة وارتباطها أساسا بما يقدمه الصندوق الأفريقي لدعم التعاون اللامركزي للبلديات ووقعها على السكان المحليين الأفارقة.

تحت غطاء الترتيبات

بوعيدة ترى أن قضية الصحراء المغربية هي أم القضايا، مصداقية الدفاع عنها مبنية على مصداقية المغرب

المعقدة والفعالة، وكمنتخبة متمرسة تصر بوعيدة على دعم برنامج تحسين أداء البلديات محليا وأفريقيا، فالتجربة المغربية بخصوص تعزيز التنمية المحلية التشاركية والشاملة مسألة قابلة للتطبيق كنموذج، نظرا إلى مؤهلات المملكة المغربية في ميدان التنمية المستدامة والتنمية الحضرية، وهذا أيضا ضمن إستراتيجية متكاملة للدفاع والترافع على وحدة التراب المغربي في المنتديات الأفريقية.

◙ بوعيدة تؤمن بضرورة تجاوز الخطاب الشعبوي السلبي الذي تعرفه الساحة السياسية منذ مدة، وما يحرك فيها حس القيادة هو أنها ستصبح أول امرأة رئيسة حكومة في المغرب

بعبارة أخرى، تتفق هذه السيدة الصحراوية مع الكثير من القادة الأفارقة على ضرورة إعطاء أهمية كبرى للمدن المتوسطة، نظرا إلى الدور الذي تلعبه في احترام التزامات الدول الأفريقية لـ2063، والالتزامات المتعلقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة، ومن هذا المنطلق دعت إلى هذا التعاون الذي يمكن من تعزيز ثقافة انتمائنا إلى أفريقيا، وهذه فلسفة الملك محمد السادس في التأكيد على التعاون جنوب – جنوب، والأهمية التي نوليها لأشقائنا الأفارقة، فالمملكة كما هي بوعيدة، كانت دائما حاضرة كرائد على المستوى القاري على العديد من الأصعدة وهي حريصة على تقاسم تجاربها، كما هو الشأن بالنسبة إلى الجهوية المتقدمة.

هذا التقليد الذي أرادت بوعيدة نقله إلى القادة الأفارقة كصحراوية مغربية، هو أنه في كل مجتمع هناك رغبة دائمة للعيش في ظل سلسلة من الممارسات والمؤسسات والمثل العليا المتنوعة مثل الحرية والديمقراطية والثقة والتعاون والأخوة والعدالة ووحدة التراب والإنسان، وبقيت على هذا المنوال حتى بعدما انتقلت من الواجهة الدبلوماسية إلى الواجهة البحرية، عندما تم تعيينها كاتبة دولة لدى وزير الزراعة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات مكلفة بالصيد البحري في العام 2017 ضمن حكومة سعدالدين العثماني.

العمق الأفريقي للمملكة المغربية جزء أساسي من ثوابت بوعيدة، وهي لا تزال تدافع عن إمكانية ابتكار آليات بالشراكة مع الأشقاء الأفارقة، من قبيل شبكة للجهات الأفريقية تقوم بضمان النهوض بالجهوية المتقدمة، وتشكل أرضية جيدة للتبادل والتفكير حول مشاريع مشتركة. ومن خبرتها في الإدارة المالية وكامرأة تعنى بالأعمال، ترى أن المغرب بذل جهودا كبيرة في مجال تمويل روح الشركات الصغرى والمتوسطة، والتي لم تعد تشكل مشكلة، خاصة بفضل الترتيبات المالية التي تسهل توفير الأموال.

مواجهة حتمية

صحراوية لا تزال مؤمنة بأن الجهوية المتقدمة ستخدم قضية الوحدة الترابية للمملكة

كسياسية ورثت هذه المهمة عن عائلتها تعرف بشكل جيد أن المجال محفوف بالمخاطر والفخاخ التي لا تنتهي، والتحدي كبير، فكونها رئيسة جهة كلميم – واد نون الهامة والحساسة، حري بها الإنصات بشكل جيد إلى هموم المواطن الذي يعاني من البطالة والهشاشة الاجتماعية، وكسب ثقته بمشاريع تنموية تعود عليه بالنفع، ولكن كأي مشتغل في عالم السياسة وتدبير الشأن العام، هناك من يكيل لها الاتهامات بأنها جاءت لخدمة مصالح شخصية وﻹيصال أبناء عمومتها بسياستهم القبلية إلى مراكز المسؤولية.

الأكيد أن المعارضة تحصي على بوعيدة أنفاسها، وسيكون تدبير الميزانيات وتوقيع الاتفاقيات مع الشركات الموضع المثالي لتلك المعارضة لكي تحاصرها، فقد وصفت جهات في المعارضة بعض مصاريف التسيير والتجهيز بـ”الأرقام الفلكية” كعنوان لفقدان البوصلة والعشوائية في التسيير والإدارة، ما يعكس وجود إشكال في منهجية الاشتغال وعدم اعتماد المقاربة التشاركية.

◙ تجربة بوعيدة المبكرة مع الصحافة في جريدة “الميثاق” نتج عنها انخراطها في مغامرة إعلامية فريدة اليوم في المغرب، وهي أول محطة إذاعية متخصصة في الرياضة

ركز خصومها السياسيون على أن تخصيص مبالغ من هذا الحجم سيشكل إحراجا كبيرا لمصالح الجهة في حال أرادت الترافع على المشاريع أمام المؤسسات المركزية، وهو إشكال من شأنه فرملة الجهة، فاعتمدت بوعيدة على كفاءتها وخبرتها التواصلية لترد على اتهامها بتبذير مبلغ 1.3 مليون دولار المخصص لإعداد برنامج تنمية الجهة، والذي استفاد منه أحد قادة حزبها، وقالت إنه تشويش وإن الصفقة عقدت مع مكتب دراسات في إطار بلورة المخطط الجهوي التنموي، ويجب قراءتها ضمن نتائجها الاقتصادية بعدما تم إنجاح 37 مشروعا جاءت في بنود عقد البرنامج.

وما يسود حول هذه المناقشة هو إثارة الشكوك والفجوات حول منطق اشتغال هذه المرأة التي استطاعت أن تثبت نفسها وتستمر في تحمل المسؤوليات المختلفة إلى الآن، وهي تجادل بأن هذه العقلية المشككة في النوايا تمنعنا من التفكير بشكل أكثر وضوحًا في رؤية أوسع للمجتمع والتعامل مع قضاياه، لأنه، حسب اقتناعها، مهما وصلنا في سلالم النجاح، تبقى لنا رغبة دفينة في تقديم المساعدة، كل من موقعه، للأرض التي أنجبتنا.

وتردد بوعيدة أن الجهة التي تترأسها مقبلة على مشاريع كبرى سواء على مستوى تقوية البنية التحتية أو على مستوى التعامل مع الهشاشة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع المغربي وداخل جهة كلميم – واد نون، وهو ما يدخل ضمن مسار البناء والإصلاح في المغرب الذي لا يزال طويلا، ولهذا دعت كل شاب من مكانه إلى المساهمة في التغيير بقدر المستطاع، بالانخراط في العمل السياسي والمدني، فالأحزاب السياسية تلعب دوراً مهما في ما يعيشه المغرب اليوم من أوراش وأحداث اجتماعية، والاختيار الديمقراطي للمغرب راسخ ومتجذر، لكن بانخراط الشباب يمكن تعزيزه وتجويده.

بخبرتها في تدبير الخلاف تركز على أن الخطاب السياسي السلبي لا بد من تجاوزه والاهتمام بالجهة القوية بمؤهلاتها ويتم البناء للمستقبل حيث هناك مشاريع كبرى ستغير صورة الجهة من أجل ضمان موقع على المستوى الوطني والدولي، ورغم المشاكل التي وقعت، فإن هذه الجهة واحدة من أربع جهات وقعت على عقد البرنامج، كما أن بعض المؤسسات الدولية وضعت ثقتها في هذه الجهة، وهذا يقع ضمن الوعود التي أعطاها حزبها للمواطنين على المستوى الوطني والجهوي والمحلي، والموجودة في البرنامج الحكومي، وهي تؤمن بأنه سيتم الوفاء بها رغم الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يعرفها العالم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: