بعض القنوات الفضائية العربية ركّزت على لعب الأطفال في ذكرى عاشوراء، وغضّت الطرف عن لعب الكبار، لأنها وجدت في النوع الأول من اللعب إلهاء وشغلا للناس عن قضاياهم اليومية، مثلما تفعل مع سفاسف الأمور.
في المقابل، شكّل اللعب «غير البريء» للكبار على الدوام مادة دسمة لدى قنوات مستقلة تتخذ من أوروبا ولندن تحديدا مقرا لها.
صالح الأزرق في برنامج «الرأي الحر» على قناة «الحوار» يشفي غليل البعض، ويثير حفيظة البعض الآخر: المبتهجون يجعلون من نقاشاته فرصة لأخذ القَصاص من جلّ الحكومات والأنظمة العربية؛ وأما الغاضبون فإنهم يلومون صاحب البرنامج على أحكام القيمة التي يصدرها وعلى مواقفه الجاهزة، عوض أن يكون طرفا محايدا، يدير الحوار ويحتفظ برأيه الشخصي لنفسه.
أما هو فإن هذا الرأي الشخصي ذاته، بالنسبة له، يُعَدّ وسيلة لـ»صبّ الخلّ في الزيت»؛ على غرار ما كانت تفعل «ربابة ربّة البيت» في الحكاية الشعرية الشهيرة لبشار بن برد؛ فهو حين يتطرق إلى المغرب لا يرى فيه سوى تطبيع وخيانة، وحتى إذا تحدثت متحدثة في إحدى حلقات برنامجه التلفزيوني، فإن كلامها يُدرجه ضمن الموقف الرسمي للرباط، دون أن يقيم الفصل الضروري بين موقف الشعب وموقف الحكومة؛ وهما مختلفان بطبيعة الحال في السياق المغربي، لدرجة أن طائفة كبيرة من المواطنين أصبحت هذه الأيام ترفع شعار «ارحل» في وجه رئيس الحكومة!
وحين يتحدث عن الجزائر، لا يجد فيها من موضوع يستحق الأخذ والرد، غير تكريم الرئيس تبون «للعصابة»، قاصدًا بهم عددا من الجنرالات السابقين الذين كانوا متّهمين بالتآمر، قبل تبرئتهم. لكنهم لم يحضروا حفل تسلم شهادات التكريم، فكان ذلك مدعاة لسخرية الأزرق!
أما حين يعرّج على تونس فإنه يركّز على الجانب الديني في أحداث هامشية، بهدف استمالة جمهور بلاده، من قبيل إلصاق حادث صورة الرئيس سعيّد على مئذنة مسجد، كما لا ينسى تهويل موضوع إقامة نصب تذكاري لليساري الراحل شكري بلعيد.
المهم في كل هذا، هو العزف على الأوتار وإثارة المشاعر من أجل استقطاب المتّصلين هاتفيا أو إلكترونيا، والإكثار من متابعي البرنامج سواء فضائيا أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ومن ثم، جاز تسمية البرنامج بـ»الرأي الحر… كما يريده صالح الأزرق»!
تهويل إعلامي!
وفي المغرب، وجدت الحكومة أن أفضل طريقة لشغل الناس عن معيشهم اليومي الذي تضرر نتيجة الزيادات المهولة في أثمان المواد الاستهلاكية، هي اتّباع أسلوب «التهويل» الإعلامي الذي نجحت فيه قرابة عامين، من خلال تضخيم جائحة «كورونا».
هذه المرة، اختارت حكومة عزيز أخنوش المعروفة بطابعها الليبرالي المتوحش أن تقيم الدنيا ولا تقعدها، بسبب موضوع الماء الذي صار مهيمنا على نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية. فما إن قلّت التساقطات المطرية هذا العام، حتى عادت أسطوانة الجفاف وشحّ المياه تتكرر بشكل مشروخ، وأخذ التركيز في الخطاب الإعلامي على الحلقة الأضعف، أي المواطن الذي يُلام بكونه يسرف في استعمال الماء، مع تجاهل مقصود لكميات الماء الهائلة التي تضيع في زراعة فواكه استوائية جرى جلبها إلى المغرب، وكذا في سقي عشب ملاعب «الغولف» وحقول الطبقة الأرستقراطية التي تصدّر مُنتجاتها نحو خارج البلاد!
السياحة والجشع!
انتعشت السياحة في المغرب، بعد فترة عصيبة جراء تداعيات الفيروس اللعين، ومع انتعاشتها «عادت حليمة إلى عادتها القديمة»: غلاء في أسعار الفنادق والإقامات السياحية، وجشع أصحاب «البازارات» والمطاعم والمنتجات التقليدية… «إلا من رحم ربك».
الكثير من الفاعلين في السياحة والدائرين في حقلها ينظرون إلى الزبون/ المستهلك نظرة جشعة، كأنهم يريدون أن يثأروا منه لمرحلة الركود، بل والجمود التام، وأن يسترجعوا منه الأموال التي فاتتهم خلال الفترة السابقة، مع العلم بأن الدولة قدّمت لهم مساعدات مادية.
تصرفات سلبية عديدة يشتكي منه الزبون المحلي قبل السياح الوافدين، لكنها لا تجد صداها في التقارير التلفزيونية التي تكتفي باستعراض نماذج من الاكتظاظ على المنشآت السياحية في مدن المغرب خلال هذه الأيام بمناسبة الصيف وموسم الإجازات.
هناك وجه قاتم لهذه الصورة الوردية، يتعين على السلطات المحلية الانتباه إليه، بالمزيد من المراقبة والدقة والضرب بقوة القانون على أيدي المخالفين الجشعين، خدمة للسياحة المحلية ولصورة البلد كأرض للضيافة والكرم.
معركة الغاز!
المغرب يقول إن هناك مشروعا لتصدير الغاز النيجيري عبر حدوده نحو أوربا… وهو مُحقٌّ في ذلك.
والجزائر تقول هي أيضا إن نيجيريا ستمدّ أنابيب الغاز عبر أراضيها، لتعبر البحر الأبيض المتوسط نحو القارة العجوز… وهي أيضا محقة في ذلك.
إذن، أين المشكلة؟
لا مجال للمنافسة أو التسرع، ففي الجارين المغاربيين ما زال الأمر مقتصرا على «مذكرة تفاهم أولية» مع دولة نيجيريا. وهذه الأخيرة تلعب بورقتي ضغط، مستغلّة الصراع الظاهر بين الجزائر والرباط، وعينها على أوربا التي تنتظر منها دعما ماديا مجزيا من أجل نجاح المشروع في إحدى الوجهتين، إما خط الأنابيب الذي سيمر من نيجريا إلى الجزائر عبر النيجر، وإما الخط الذي سينطلق من نيجيريا ليمر عبر 12 بلدا في غرب إفريقيا قبل أن يصل إلى المغرب. وكلا المشروعين سوف يتجهان نحو أوربا، نظريا على الأقل.
كما تستغل نيجيريا الأزمة بين موسكو وكييف لتطرح بديلا محتملا عن الغاز الروسي. لكن المفارقة ـ وهنا مكمن الغرابة ـ أن روسيا هي نفسها تمد عينها نحو الغاز النيجيري، في محاولة لمزاحمة الدول الأوربية. المسألة، إذن، أشبه ما تكون باللعب ضمن رقعة شطرنج.
ومثلما أوضح الإعلامي معتز مطر بالحجة والبرهان، فما زال الأمر يتعلق باتفاق مبدئي مع كل بلد على حدة: الجزائر من جهة، والمغرب من جهة أخرى. ويحلو لنيجيريا، وهي تخاطب مسؤولي البلدين، أن تتحدث عن «مشروع عملاق» يتطلب ملايير الدولارات. والبلدان المغاربيان الجاران يمنّيان النفس بالاستفادة من المشروع/ الحلم وباحتلال موقع أقوى في القارة الإفريقية. لكن الأكيد ـ كما قال الصحافي المشاكس ـ أن «أوروبا في أمس الاحتياج، وروسيا في أشد التربص، من أجل أن تبتلع هذا المشروع لتصبح لها الكلمة العليا. وما بين هذا وذاك، تدور رحى معركة تمهيدا لشتاء سيكون عصيبا في القارة العجوز إذا هي تخلت عن الغاز الروسي»!