أثارت دعوة عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، العلنية لأصدقائه الذي جاورهم بفرنسا، حاملي الجنسيتين المغربية والفرنسية، لتقلد مناصب المسؤولية، مستهترا تارة بالقوانين الجاري بها العمل ومستخفا تارة أخرى بالطاقات التي تزخر بها الجامعة الوطنية، (أثارت) حفيظة عدد من أساتذة التعليم العالي وأطر ومسؤولي الجامعة الوطنية الذين يستنكرون التبخيس الممنهج الذي صاروا ضحية له خلال الفترة الأخيرة.
بعد مسار مهني وأكاديمي متميز، ومسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات على رأس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس توجت باحتلال هاته المؤسسة للصدارة لأربع سنوات متتالية على رأس الجامعات المغربية حسب التصنيف الدولي (T.H.E) للجامعات أقل من خمسين سنة، وتحسين ترتيبها دوليا بين الجامعات، كان الجميع يتوقع معها ضمان رئيس هاته الجامعة، المنتهية ولايته، لمكان في النتائج النهائية بين المرتبين الثلاثة الآوائل، سيتفاجأ الرأي العام الوطني ومتتبعو شأن التعليم العالي من التواطئ المفضوح للجنة التقييم التي شكلها وزير التعليم العالي والبحث العلمي والإبتكار على المقاس لمناقشة مشاريع المرشحين للسباق نحو رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله، التي تعمدت إقصاء رئيسها السابق، رضوان مرابط، المرشح لولاية ثانية، عبر تعيين (ن.م)، رئيس لجامعة دولية خاصة بالرباط، لم يسبق له أن كان وزيرا أو مسؤولا ساميا أو أكاديميا متميزا قد تجعله شخصية خارقة للعادة جديرة بهذا التعيين- اللهم أنه صديق حميم للوزير – من أن يتولى رئاسة لجنة التقييم.
إنه العبث في أبشع تجلياته، والخشونة المقصودة في وزير للتعليم العالي، جيء به من فرنسا، ليتبجح في تصريحاته هنا وهناك بأنه يدعم الكفاءات ويجازي المثابرين ويكافئ الناجحين ويحارب الزبونية والمنطق العشائري في التعيين في مناصب المسؤولية، على رأس الجامعات العمومية، فيتبين بالملموس بأن مايصرح به أمام وسائل الإعلام موجه للإستهلاك الداخلي ولدغدغة مشاعر المواطنين، عبر رسم صورة براقة لوزير مكافح، ابن الشعب البسيط، الذي يمقت الزبونية والمحسوبية، وبأن الحقيقة هي ما يكرسه على أرض الواقع من جلب وتبليط لأصدقائه المقيمين بفرنسا ولأحبابه وأصحابه من أبناء بلدته، بعيدا عن منطق الكفاءة والإستحقاق.
كيف لأستاذ بفرنسا (خ.خ.إد) مرشح لرئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله أن يتبوأ المرتبة الأولى في اللائحة النهائية، مع العلم أنه سبق له وترشح لمرات عديدة لنيل نفس المنصب بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس وغيرها ولم يسبق أن احتفظ به من طرف لجان التقييم التي ترأسها وزراء ومسؤولون من الطراز الرفيع على المستوى الوطني والدولي؟ فما الذي استجد لتنقلب الموازين؟ وأي سبق علمي وإنجاز أكاديمي حصل عليه صاحبنا؟ وأي منشطات عجيبة تناولها هذا المتسابق المحظوظ لتقويه، فجأة دونا عن غيره، فجعلته يقفز الحواجز من فرنسا ليصل أولا لخط نهاية السباق نحو رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله، مراوغا متنافسين من العيار الثقيل، مشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنتائج الملموسة؟
كيف لأستاذ مقيم بفرنسا، ويحمل الجنسيتين المغربية والفرنسية أن يكون عضوا للجنة تقييم مشروع تطوير جامعة عمومية عريقة بالمغرب هي جامعة سيدي محمد بن عبد الله؟ هل انقرض الأساتذة المغاربة وانعدمت الكفاءات المقيمة بالمملكة؟ أم هل تحولت الصداقة مع وزير التعليم العالي القادم من فرنسا، والإقامة والتدريس بالإكزاكون إلى جواز مرور ميسر للعسير ومدعم للعضوية في لجان تقييم مشاريع رؤساء الجامعات العمومية لضمان مرور سلس للمرشحين من ذوي القربى والمحظوظين وإقصاء متعمد لذوي الكفاءات من غير المطبلين وغير المبايعين؟
وهنا يطرح السؤال: هل جيء بالميراوي على رأس وزارة التعليم العالي لتطوير الجامعة العمومية المغربية والدفع بها نحو الأمام؟ أم ياترى سيستغلها فرصة، لاستقدام أصدقائه الأساتذة من فرنسا وتنصيبهم في مواقع المسؤولية ضدا على الكفاءة والخبرة والتجربة لغاية في نفس عبد اللطيف؟
إن ما حدث أثناء مناقشة مشاريع المتنافسين حول منصب رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله يندى له الجبين. ويستدعي إلغاء نتائج هاته المهزلة وتشكيل لجنة تقييم محايدة يرأسها وزير سابق أو مسؤول سامي أو أكاديمي يشهد له القاصي والداني بالنزاهة والحياد.
فمنذ متى كان رئيس جامعة دولية خاصة بنتائج متواضعة يقيم رئيس جامعة عمومية احتلت في عهده المرتبة الأولى وطنيا لأربع مرات متتابعة؟ وكيف يعقل فيمن ضمن استقرار الجامعة طيلة مدة ولايته، التي عرفت سلما اجتماعيا صفق له الجميع، فلم يكن هناك احتقان ولا تدخل أمني، وكانت حصيلته أكثر من متميزة أن لا يضمن اسمه من بين الثلاثة الأوائل؟
سيقول قائل: على العكس فلقد تم اختيار اسمين من فاس وهذا شيء (إيجابي)، هنا مربط الفرس والخطة المحبوكة. فإذا فشلت خطة تعيين صديق الوزير المقيم بفرنسا، المرشح الأول (خ.خ.إد) ، فالخطة باء موجودة. فهناك مرشح جاهز، يكفي أن نعرف بأنه ابن بلدة الوزير لنفهم السيناريو… واللي عندو باب واحد الله يسدها عليه.
وإذا تصادف واستعصى تعيين مرشحنا الثاني، لسبب من الأسباب، فالثالث قريب من انهاء ولايته الثانية وهو قد بلغ سن التقاعد. المهم أن يتم قطع الطريق نهائيا أمام من كان سببا في توهج جامعة سيدي محمد بن عبد الله طيلة مدة ولايته.
إنها إرادة الوزير ميراوي، الذي منذ تحمله المسؤولية أشعل الحرائق هنا وهناك. فزاد من منسوب الإحتقان في صفوف الجميع، وفتح جبهات متعددة، وحاول فرض أصدقائه الفرنكفونيين على رأس الجامعات المغربية ضدا على منطق الكفاءة والإستحقاق.
نعم للتباري النزيه وتكافئ الفرص أمام الجميع، دون تفصيل لجنة تقييم على المقاس لإقصاء كفة هذا وترجيح مفضوح لكفة صديق الوزير أو ابن بلدته، ودون محاولة إلصاق انتماء الرئيس المنتهية ولايته لحزب العدالة والتنمية.
لقد آن الأوان بأن يتدخل العاقلون لفرملة تهور من يقود سفينة التعليم العالي نحو الصخور. فلسنا في ضيعة خاصة، لنعين في مواقع مسؤولة واستراتيجية أصدقاءنا وأبناء الحومة والجيران.
سنصفق للوزير إذا أجاد وأصاب؛ وسننبهه إذا بغى وزاغ. فلسنا مع اسم دونا عن غيره. لكننا مع المساواة والنزاهة وتكافئ الفرص أمام الجميع، وعدم استغفال المغاربة وعدم احترام ذكاء المتتبعين.
وفي الختام، على رئيس الحكومة ان يتدارك الامر كما فعل حينما تدخل لتهدئة التمثيليات النقابية في علاقة بالملف المطلبي بتصحيح المسار عبر إلغاء المباراة واعادة المسطرة بلجنة بشخصيات مرموقة كما هو منصوص عليه في النص التنظيمي المؤطر لشروط تأليف اللجنة المكلفة بدراسة ترشيحات شغل منصب رؤساء الجامعات، نتيجتها ستكون لا محالة مقبولة لدى المهتمين والمتابعين، لنتنبأ من الآن بأنها لن تكون في صالح مرشح الوزير الفرنسي.