يثير تنامي دور الجيش الجزائري في الشأن العام قلق القوى المدنية التي تتطلع إلى قيام دولة ديمقراطية، وبات هذا الحضور الذي يحظى بدعم من رئاسة الجمهورية يشمل مختلف الجوانب في الجزائر، ومنها الاقتصاد والسياسة.
لم يعد الدور المتنامي للمؤسسة العسكرية الجزائرية مجرد أمر واقع أفرزته توازنات مستجدة داخل هرم السلطة، بل تعداها إلى رؤية لا تأبه بما يتردد عن عسكرة الدولة والمؤسسات، بعدما صار للجيش شأن صريح في مختلف القطاعات والملفات، بما فيها الاقتصاد والمجتمع والسياسة والسلطة المدنية، وهي العقيدة الجديدة التي يجري التأسيس لها رغم التحفظ السياسي على المكاسب المحققة تباعا في المرحلة الأخيرة.
واحتفى الجيش الجزائري بيومه الوطني، وسط تحولات عميقة ومتسارعة، لم تستقر على تقديم تفسير لتعاظم دوره، وحول ما إذا كان الهدف تعزيز مؤسسات الدولة أمام التطورات الإقليمية والدولية، أم تقوية لنفوذه السياسي، خاصة وأن الإجماع على “قدسيته” لم يعد كما كان في السابق، فهناك من يشدد من القوى المدنية على ضرورة انسحابه من المشهد العام لإقامة ديمقراطية حقيقية في البلاد.
وتسعى القيادة العسكرية العائدة بقوة منذ العام 2018، إلى تعزيز مواطئ نفوذ المؤسسة في هيكل الدولة، تفاديا لأي سيناريو يزيحها من المشهد، كما حدث خلال العقدين الماضيين، لما استولى الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة على جميع الصلاحيات والقرارات، ليحول النفوذ من مركز “تاغارا” مبنى قيادة الجيش إلى قصر المرادية (رئاسة الجمهورية).
ويبدو أن استحداث يوم وطني لتلاحم الجيش والشعب في الرابع من أغسطس، هو خطوة لتسويق العقيدة الجديدة للمؤسسة العسكرية، رغم أن للبلاد أجندة كبيرة من الأعياد والأيام الوطنية التاريخية والمستحدثة، ولذلك يجري إضفاء الطابع الوطني والشعبي لتمرير خطة الجيش لتصدر المشهد العام للبلاد.
سعيد شنقريحة: نتطلع إلى تحقيق إنجازات مشهودة على كافة الأصعدة
وصرح في هذا الشأن الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الفريق أول سعيد شنقريحة، بأن “هذا اليوم الوطني ليس فقط عيدا للجيش الوطني الشعبي، بل هو عيد لكل الجزائريين الذين يحتفون بأبنائهم المنخرطين في صفوف المؤسسة العكسرية، وهو أيضا تكريم من الجزائر لرجالها، الذين خدموها بكل شرف وإخلاص وقدموا أعز ما يملكون من أجل أن تبقى بلادنا واقفة وشامخة”.
وأضاف شنقريحة “ما تحقق وسيتحقق بإذن الله وقوته، لم يكن ليتجسد لولا ذلك التلاحم الأبدي بين الشعب وجيشه عبر كافة مراحل تاريخنا الطويل، تلاحم لا يزال يشكل القوة الكامنة التي تحفظ بلادنا وتدفعها نحو مستقبل أفضل، وإن هذا اليوم الوطني مناسبة غالية للوقوف فيها إجلالا وإكبارا أمام كل التضحيات التي قدمها أبناء الجزائر الشرفاء في كل زمان ومكان، ولتجديد العهد وتأكيد العزم على السير على دربهم والحفاظ على أمانتهم الغالية، ببذل كل الجهود اللازمة حتى ندافع بالنفس والنفيس عن حياض بلادنا ووحدتها الترابية”.
ويبدو أن الرجل يبحث من خلال الإشادة بالعلاقة الرابطة بين جيش التحرير الوطني الذي حقق الاستقلال الوطني، وبين الجيش الوطني الشعبي، الذي يضطلع بمهام الحماية والدفاع عن سيادة وسلامة الوحدة الوطنية، عن شرعية تاريخية لما يستجد الآن في مؤسسته، خاصة وأن ما يعرف بـ”الشرعية الثورية” ظل يشكل غطاء لكل المؤسسات والسلطات المتعاقبة، على حساب الشرعية الشعبية التي تنادي بها المعارضة.
وقال شنقريحة “لقد واصل الجيش الوطني الشعبي العمل على تقوية وتطوير قدرات المنظومة الدفاعية الوطنية وجاهزيتها العملياتية، مع كل ما يتطلبه ذلك من تكوين للرجال وامتلاك لأحدث الأسلحة والمعدات والتقنيات، في إطار رؤية استشرافية، نرى اليوم نتائجها جلية في الميدان من خلال السكينة والأمن اللذين يطبعان الجو العام لبلادنا، بالرغم من السياقات الدولية غير المستقرة على مستوى فضائنا الإقليمي وحتى العالمي”.
وأعطى حفل التكريم الذي شمل ضباطا سامين متقاعدين منذ العقود الماضية، انطباعا بأن المؤسسة تريد رد الاعتبار لكل منتسبيها وربط الأواصر بين أجيال المؤسسة، لكن ذلك لم يغفل الرسالة المثيرة التي انطوى عليها تكريم أكبر رمزين عسكريين ارتبطا بالأزمة الجزائرية، ومتهمين بالمساهمة فيها، وهما الجنرالان محمد مدين وخالد نزار، اللذان يشار إليهما من طرف المعارضة الحالية على أنهما الحاكمان الفعليان للبلاد في الظرف الراهن رغم تقاعدهما، وأن التكريم برمته كان لأجل رد الاعتبار لهما مما تعرضا له من ملاحقات ومتاعب واتهامات من طرف القيادة السابقة للجيش.
القيادة العسكرية تسعى إلى تعزيز مواطئ نفوذ المؤسسة في هيكل الدولة، تفاديا لأي سيناريو يزيحها من المشهد
دور الجيش في الجزائر لم يعد كما كان في السابق، يقرر ويحسم في الخفاء، بل صار صريحا وشاملا لمختلف القطاعات، فالخطاب المتداول يستعرض كل الملفات، بما فيها الاقتصاد والسياسة والاجتماع والمؤسسات المدنية، وقد ظهرت بصمته تباعا في الاستحواذ على شركة المركبات الحكومية، وفي أداء دور الحماية المدنية (الدفاع المدني)، وفي دعم الاستحقاقات السياسية والانتخابية للسلطة، وحتى في الرياضة لما دفع بمنتسبيه للمشاركة في عدة منافسات محلية وإقليمية تحت غطاء الجمعيات والمنتخبات المدنية.
وهو ما يستشف من تصريح سعيد شنقريحة، في المناسبة المذكورة، “في الرابع من أوت في 1962، تقرر تحوير جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي، لتنطلق المسيرة الطويلة والمظفرة لجيشنا نحو تحقيق إنجازات مشهودة على كافة الأصعدة وفي كل المجالات، لاسيما منها المساهمة الفاعلة في بناء وتشييد أسس الدولة الجزائرية المستقلة والدفاع عن حرمتها وسلامة أراضيها ضد كل الأخطار والتهديدات، ثم مجابهة الإرهاب الهمجي واستئصاله من جذوره بكل ثقة وشجاعة”.
ولفت إلى أن “الخطوة جاءت تماشيا مع النظرة الاستشرافية لرئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، الرامية إلى جعل سنة 2022 سنة إقلاع اقتصادي بامتياز، وقد سعينا لتجسيد هذا التوجه بخلق التكامل المطلوب بين مختلف وحدات الجيش باستحداث فروع إنتاجية جديدة، تسهم في المجهود الصناعي للجيش والتمويل لمؤسساتنا الأخرى”.