تواجه الحكومة المغربية ضغوطا من السلطات النقدية من أجل النظر بسرعة في كيفية ضبط قواعد الشفافية والحوكمة المتعلقة بالنظام الضريبي حتى تضع البلاد قدما خارج لائحة الملاذات الضريبية، وفي الوقت ذاته إعطاء مناخ الأعمال جرعة تنشيط أكبر لجذب المزيد من رؤوس الأموال الخارجية.
ربط البنك المركزي المغربي مساعي إخراج البلاد من القائمة الرمادية للملاذات الضريبية بتسريع وتيرة الإصلاحات التشريعية والتنظيمية.
وتأتي هذه الإشارة على الرغم من أن المغرب أحد البلدان التي التزمت بجعل أنظمتها الضريبية تتماشى مع معايير الحوكمة، في إطار تحسين الشفافية الضريبية على المستوى العالمي.
وأكد عبداللطيف الجواهري محافظ المركزي في تقرير حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية لعام 2021 الذي قدمه للملك محمد السادس السبت الماضي، على ضرورة أن تظل التعبئة قائمة من أجل التنفيذ التام لخطة العمل المسرعة.
وهذه الخطة متفق عليها مع مجموعة العمل المالي الدولية وذلك من أجل تعزيز حظوظ المغرب في الخروج من القائمة الرمادية.
عبداللطيف الجواهري: يجب أن تظل التعبئة قائمة لتنفيذ خطة العمل المسرعة
وشدد الجواهري على أنه وإن كانت الجهود المبذولة من قبل المغرب خلال السنوات الأخيرة بغية تحسين مناخ الأعمال قد مكنت من إحراز تقدم ملموس، غير أنه في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، لم ترتق إلى المستوى المطلوب.
وصنفت مجموعة العمل المالي الدولية (غافي) المغرب في فبراير العام الماضي من بين الدول التي تعاني منظومتها في هذا الميدان من نواقص استراتيجية.
وأشار الجواهري إلى أن هذا التصنيف يأتي بعد أن خضع المغرب لمراقبة مشددة منذ شهر أبريل 2019.
وأكد يونس بلفلاح أستاذ الاقتصاد السياسي، في تصريح لـ”العرب”، أن موضوع الملاذات الضريبية قد تكون له تداعيات أخرى ليست في الحالة المغربية.
وأشار إلى أنه مرتبط بغسيل الأموال واستعمال الأموال القذرة في قطاعات استثمارية. وقال إن “ما ينقص في الحالة المغربية هو جزء قانوني مرتبط بالإصلاحات التشريعية التي فيها جزء يحتاج إلى عملية تحيين للقوانين أو عملية مواكبة لكل الإصلاحات الأخيرة”.
ويرى بلفلاح أن الإصلاح القانوني لا يجب أن يخص فقط القضية الضريبية بل يجب أن يتزامن مع إصلاحات أخرى.
ولفت في هذا الاتجاه إلى قانون الحق في المعلومة والشفافية ومسألة حوكمة الشركات العامة والخاصة.
ويعتبر بلفلاح هذه المحاور من بين أهم أسس إصلاح الإدارة والالتزام بكل المقتضيات المرتبطة بموضوع الإصلاح الإداري عامة لأن مسألة الضريبة مرتبطة بقضايا أخرى يجب أن تكون فيها رؤية متطورة للمغرب.
وأكد مسؤولو صندوق النقد الدولي أن المغرب يستجيب للعديد من المعايير غير أن التقييم النهائي لم يحن وقته بعد في انتظار التدقيق في بعض الجوانب، و منها ما يتعلق باللائحة الرمادية للملاذات الضريبية.
وتتمثل الإصلاحات التي قام بها المغرب لتفادي تصنيفه ضمن اللائحة الرمادية للملاذات الضريبية للاتحاد الأوروبي، تنزيل توصيات المناظرة الوطنية للضرائب، وإعادة تنظيم المركز المالي للدار البيضاء.
مسؤولو صندوق النقد الدولي أكد أن المغرب يستجيب للعديد من المعايير غير أن التقييم النهائي لم يحن وقته بعد في انتظار التدقيق في بعض الجوانب
وإلى جانب ذلك تطوير الإطار التشريعي الخاص به وتعزيز شفافية ومضمون الأنشطة المزاولة به، فضلا عن إصلاحات المقتضيات التشريعية والقانونية للمناطق الصناعية الحرة.
ونجا المغرب من دخول القائمة السوداء الأوروبية للملاذات الضريبية التي تضم خمس عشرة دولة.
وتلتزم المؤسسات الرسمية للدولة بإصلاح قوانينها الضريبية وبذل مجهود أكبر لمكافحة التهرب الضريبي والشفافية في المعاملات المالية من أجل إزالة مخاوف الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة العام الماضي أن المغرب لم يعد مدرجا في القائمة الرمادية للاتحاد الأوروبي بخصوص البلدان التي تعتبر ملاذات وجنات ضريبية.
فيما أكدت مديرية الضرائب بوزارة المالية أن حوالي 60 في المئة من الشركات الخاصة لا تدفع ما عليها من الضرائب، مكبدة ميزانية الدولة خسائر مالية تقدر بنحو 30 مليار درهم سنويا (2.9 مليار دولار)، أي ما يعادل 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
يونس بلفلاح: الإصلاح لا يجب أن يمس نظام الضرائب فقط بل كل شيء
ويقول المسؤولون الحكوميون إن منظومة الضرائب للمغرب تتواءم مع معايير الحوكمة المعمول بها في الاتحاد الأوروبي وترتقي إلى مستوى الشفافية على المستوى العالمي، وهو ما سيعزز عدد الاستثمارات الأجنبية في اتجاه السوق المحلية مستقبلا.
ويعتقد بلفلاح أن الحديث عن الاستثمار سيكون له الوقع إيجابي جدا على الاقتصاد من خلال توفير المزيد من فرص العمل للشباب في هذه الظرفية الاستثنائية على المستوى العالمي.
وقال إن “هذا هو ما يحتاجه المغرب اليوم لتقوية الإيرادات والتماسك الاجتماعي”.
واستدرك “لذلك لا يجب الاستهانة بهذا الصنف من الإصلاحات التشريعية التي يجب أن ترافقها إصلاحات على المستوى الإداري والمحاسباتي لتوفير بيئة ملائمة للخروج بشكل رسمي وواضح من أي قائمة للملاذات الضريبية المتعددة”.
وكشف آخر تقرير لمنظمة النزاهة المالية العالمية، ومقرها واشنطن، أن بعض المستوردين والمصدرين عمدوا إلى تزوير القيمة المعلنة للبضائع في الفواتير التي تقدمها إلى السلطات الجمركية بطريقة غير مشروعة.
وأشار معدو التقرير إلى أن ذلك كان بهدف التهرب الضريبي والتحايل على الرقابة على الأرباح وإخفاء الأموال في حسابات مصرفية في الخارج.
ويهتم المغرب بسمعته كوجهة مفتوحة للاستثمار جعلته يشرع في سن القوانين للتعامل مع التهرب الضريبي.
ولهذا يلح البنك المركزي على تجاوز أي تأخر في الإصلاحات التي يعي تأثيراتها السلبية على جاذبية ونسبة النمو الاقتصادي، رغم امتلاك المغرب نظاما ماليا متينا يتم تدبيره بمهنية رغم وجود بعض المشاكل.
ويؤكد مسؤولو وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن الإصلاحات التي يقوم بها المغرب على المستوى الضريبي تتماشى مع شروط الاتحاد الأوروبي والمعايير الدولية، كما يشهد على التعاون الإيجابي بين السلطات المغربية والأوروبية في هذا الموضوع.
ويقول بلفلاح إن استراتيجية الحكومة ستسهم في تحسين معدل النمو الاقتصادي بفعل الإصلاحات التشريعية والتنظيمية التي قدمها البنك المركزي لأن عملية الشفافية والإصلاح القانوني دائما ما تكون محفزة على الإنتاجية.
كما أنها سترفع من تنافسية الاقتصاد المغربي باعتباره دولة محورية في شمال وغرب أفريقيا وله ارتباطات اقتصادية قوية مع الاتحاد الأوروبي، لذا فتحسين أدائه سيكون دافعا مهما لجذب استثمارات أجنبية مباشرة.