تعمل الحكومة المغربية على تعزيز مبدأ التضامن الاجتماعي في المملكة وزيادة الإحاطة بالفئات المعوزة من خلال مقاربة جديدة تؤمن بشكل أفضل وصول المساعدات الحكومية إلى مستحقيها لتقطع بذلك مع عدة منظومات سابقة لم تؤت النتائج المرجوة منها رغم توفير الاعتمادات المالية اللازمة.
أقرت الحكومة المغربية الدعم المالي المباشر للفئات المعوزة في إطار مساعيها لتعزيز أسس الدولة الاجتماعية وفق مقاربة جديدة تقطع مع برامج الدعم السابقة والتي يقول محللون إنها كانت غير فعّالة وحدّت من التأثيرات المرغوبة.
وستعمل الحكومة المغربية خلال موازنة العام 2023 على تنزيل تعميم التعويضات العائلية، وفق برنامجها المحدد، والتي سيستفيد منها حوالي 7 ملايين طفل من العائلات الهشة والفقيرة على الخصوص، و3 ملايين أسرة بدون طفل في سن التمدرس.
وأكد هشام عميري الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط في تصريح لـه أن “توجهات الحكومة تحمل مجموعة من النقاط الإيجابية والتي من بينها انطلاق الدعم المباشر للأسر قصد النهوض بالأوضاع الاجتماعية لفئات كبيرة من المجتمع”، مشيرا إلى أن “الدعم المباشر للأسر يجب أن يعتمد على سياسة ذات أبعاد إجرائية حتى يصل هذا الدعم إلى مستحقيه وحتى لا يكون صورة طبقا للأصل لمجموعة من المشاريع السابقة أثبتت فشلها”.
ولأجل تجاوز النقائص، أكد عميري أنه يجب “إحداث لجان محلية قصد تتبع وتقييم مسار عملية الدعم المباشر الموجه إلى الأسر. فالإشكال هنا لا يتعلق بهذه المناشير أو غيرها من القوانين، وإنما يتعلق الأمر بمدى تجسيدها وتنزيلها على أرض الواقع”.
هشام عميري: توجهات الحكومة تحمل مجموعة من النقاط الإيجابية
وقامت الحكومة المغربية بتنفيذ عدد من البرامج الاجتماعية منها صندوق التماسك الاجتماعي الذي يساهم في تمويل النفقات المتعلقة بنظام المساعدة الطبية، وبدعم المعاقين وإدخال الأطفال إلى المدارس ومحاربة الهدر المدرسي والدعم المالي المباشر للأرامل، وكذلك برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وصندوق التكافل العائلي، والبرنامج الملكي لتقليص الفوارق الاجتماعية والترابية في البوادي.
وستعمل الحكومة المغربية أيضا على توفير الموارد الضرورية لضمان تنزيل هذا البرنامج واتخاذ ما يلزم من التدابير لضمان التوازن المالي لمختلف الأنظمة واستفادة المواطنين من مختلف خدمات التغطية الاجتماعية في أحسن الظروف.
وبعد ضمان تعويضات عائلية لكل الأسر للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة ودعم التمدرس في سن مبكرة، تسعى الحكومة لتوسيع الانخراط في أنظمة التقاعد لكافة النشيطين وتعميم التعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل بداية من سنة 2025.
وأوضح وزير المالية فوزي لقجع أن حوالي 50 في المئة من الشريحة المستهدفة سيتم تمويلها عن طريق الاشتراكات، والـ50 في المئة المتبقية عن طريق موازنة الدولة خاصة من خلال إعادة التوزيع التدريجي للموارد المخصصة حاليا لتمويل البرامج الاجتماعية القائمة مثل “راميد” الذي سيتم تحويله إلى تأمين إجباري عن المرض، وبرامج دعم التمدرس “تيسير”، ودعم الأرامل التي سيتم تجميعها في برنامج واحد يتعلق بالتعويضات العائلية.
ووفقا لتوجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس ستعمل الحكومة على إخراج السجل الاجتماعي الموحد باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم وضمان فعاليته.
وكان وزير الداخلية عبدالواحد لفتيت قد أكد أن السجل الوطني للسكان والرقم الوطني الموحد سيكونان مدخلا لتسجيل الأفراد والأسر في مختلف البرامج الاجتماعية من أجل ضمان فعالية الدعم المباشر لفائدة الطبقات الفقيرة والهشة، مشيرا إلى أن نجاح برنامج الدعم المباشر للفئات المعوزة رهين بتنفيذ إجراءات قبْلية من أهمها التشخيص الدقيق للحاجيات والفئات المستهدفة.
ولضمان فعاليّة وشفافية موضوع الدعم المالي، سيتم استخدام المُعرَّف الرقمي المدني والاجتماعي كسبيل لتحديد هوية طالبي الاستفادة من برامج الدعم أو الخدمات الاجتماعية، وسيقتصر على تحديد هوية الأفراد، ومنع إساءة استخدام الدعم أو الخدمات الاجتماعية، وتفادي الازدواجية، أو الحرمان من الخدمات الاجتماعية، أو وقوع أي تلاعب ممكن.
الدعم المالي المباشر يعتبر جزءا من البرامج والإجراءات الحكومية التي تستهدف الفقراء
ويؤكد عميري أن “السجل الاجتماعي الموحد الذي صادق عليه البرلمان ولا يزال في طور التجربة في بعض المدن، سيكون له دور محوري في إحصاء الأسر المعوزة حتى لا يتم التلاعب بهذا الدعم الموجه إليها، كما أن تفعيل الديمقراطية التشاركية سيساهم كذلك في طرح مجموعة من الأفكار بين مختلف الفاعلين والتي ستكون بمثابة خارطة طريق قصد تجاوز مجموعة من الاختلالات التي عرفها أو قد يعرفها الدعم الموجه إلى الأسر المعوزة”.
ويعتبر الدعم المالي المباشر جزءا من البرامج والإجراءات الحكومية التي تستهدف الفقراء، حيث تفيد إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية) بأن نصف جهات المغرب (محافظات) تسجل معدلا للفقر متعدد الأبعاد يتجاوز المتوسط الوطني البالغ 8.2 في المئة، وتأتي في الصدارة جهة بني ملال – خنيفرة بنسبة 13.4 في المئة.
وفي إطار مساعيها للنهوض الاجتماعي قررت الحكومة المغربية أيضا اعتماد دعم مباشر للأسر بدل النفقات الضريبية التي كانت تخصص لاقتناء مسكن، بعدما كانت الدولة تدعم اقتناء السكن بمنح تحفيزات للمطورين العقاريين من خلال إعفاءات ضريبية لطالما انتقدتها تقارير مؤسسات وطنية ودولية.
وطالب علي لطفي رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة في تصريح لـه الحكومة بنهج مقاربات جديدة علمية وإنجاح الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لمعالجة تنامي ظاهرة الفقر متعدد الأبعاد، وتكمن هذه الاختيارات السياسية في تنزيل المشروع المجتمعي المتمثل في تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المواطنين، وإعمال نظام توزيع عادل للثروة وثمرات النمو لتقليص فجوة الفوارق الاجتماعية.