الانشقاقات تتزايد داخل أكبر أحزاب المعارضة في المغرب

ماموني

قرر تيار “ولاد الشعب” الانشقاق عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أحد أكبر أحزاب المعارضة في المغرب، وتأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم “الاختيار والانتصار”، بعد أن وصلت العلاقة بين قيادات التيار ورئيس الحزب إدريس لشكر إلى نقطة اللاعودة.

ويتهم تيار “ولاد الشعب” لشكر بضرب الديمقراطية داخل الحزب اليساري المعارض، وباستغلال أعضاء مكتبه السياسي وبعض أعضاء الحزب خدمة لأغراضه الشخصية، وتكريس هيمنته على كافة مفاصل الحزب، وتفصيله للهياكل على مقاسه.

ويستعد عبدالمجيد مومر الزيراوي، مؤسس تيار “ولاد الشعب”، لإعلان حزبه الجديد بناء على أرضية تقوم على “المصلحة الثقافية والسياسية الوطنية العليا، وتحترم التخصصات المعرفية والروافد الفكرية والسياسية، مع الابتعاد عن الصراع العقيم الذي يؤدي إلى إقصاء الأفكار الوطنية التي تتوفر فيها معايير التمرس والخبرة والتجرد مع القدرة على التناغم مع نبض المجتمع وانتظاراته الملحة”.

ويؤكد التيار المنشق أن المرحلة الراهنة التي يعيشها المغرب تستوجب تقديم مشروع حزبي قادر على استعادة صفات الواقعية والمصداقية، لتأمين تنزيل العقد الاجتماعي الذي يفترض استيعاب أحداث اللحظة وفهم مغزاها عبر الدفع بإستراتيجية حزبية تنطلق من عمق المجتمع قصد تنوير الحاضنة الشعبية للاختيار الديمقراطي التنموي، عوض التيهان في ثنايا أجوبة الماضي.

رشيد لزرق: إدريس لشكر لا يعترف بوجود بديل غيره لقيادة الحزب اليساري

ويرى رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن قرار تيار “ولاد الشعب” الانشقاق عن الحزب الاشتراكي له مبررات قوية، بعد أن حاد الأخير عن أهداف الحزب العليا وتحول إلى واجهة لتنفيذ أجندات شخصية.

وأوضح لزرق في تصريحات لـه أن “إدريس لشكر لا يتمسك فقط بالقيادة لأجل أن يظل في الواجهة، خاصة مع تقدمه في السن، بل الأخطر سعيه الحثيث لتحقيق نزوات العائلة وأن يورث الحزب لبناته وبنيه، وهو يفاوض ويعقد التوافقات من وراء الستار، من أجل توزيع تركة حزب القوات الشعبية بين أفراد أسرته، عوض المحافظة على لحمة الكفاءات الداخلية وإن كانت تعبر عن آراء مختلفة عن القيادة، وذلك تعبيرا عن تطلعات القوات الشعبية”.

وأكد الأستاذ في العلوم السياسية والقانون الدستوري أن “الانشقاق وتأسيس حزب جديد وإن لم يكتب له النجاح، تحصيل حاصل؛ لكون المؤسسات التي كان يفترض أنها المرجع الأعلى لمحاسبة القيادة على قراراتها، ولإعادة رسم السياسات الكبرى للحزب والحرص على وحدته، صارت مؤسسات هامشية تبارك مخططات لشكر”، مشيرا إلى أن “أعضاء المكتب السياسي لا يجتهدون سوى في محاربة الخبرات والأفكار العملية التي يحتاجها العمل الاتحادي، والعقول التي تدعو إلى التغيير من أجل استعادة وضع الحزب ووهجه”.

وقالت مصادر من داخل المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، إن “القيادة الحالية تُراهن على وحدة واستقرار الحزب، وهذا الانشقاق لن يؤثر على مسار وتاريخ الاتحاد الذي يجمع على مركزية إدريس لشكر في قيادة الحزب لما يملكه من خصال ومميزات القيادة، وهذا ما لا يرتضيه معارضوه منذ أن تولّى زمام القيادة عام 2012”.

وكان لشكر دعا منافسيه داخل الحزب إلى طي صفحة الخلافات، وإلى ما سماه “الاستباقية” في دفع الحزب إلى مقدمة معركة التحديث والتطوير، وجعله سبّاقا في التعاطي مع تحديات المراحل المقبلة لكسب الرهانات التنموية بالتوجه إلى المستقبل ونسيان المنافسة على المسؤوليات.

ولم يكن إدريس لشكر وتيار “ولاد الشعب” على وفاق في العديد من المحطات، كان آخرها الانتخابات التشريعية في الخريف الماضي، حيث اتهم عبدالمجيد مومر القيادة السياسية للاتحاد الاشتراكي باستبعاده وإقصائه من لائحة المُتَقدمين بترشيحاتهم الانتخابية، والرهان على أشخاص يقول إنهم دخلاء على الحزب تم استقدامهم في اللحظة الأخيرة لخوض الانتخابات.

التيار المنشق يؤكد أن المرحلة الراهنة التي يعيشها المغرب تستوجب تقديم مشروع حزبي قادر على استعادة صفات الواقعية والمصداقية

وقال مراقبون إن الصراعات داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليست جديدة بل تتناسل، وتفرز في كل مرة تيارات تدعي الإصلاح ثم تقوم بانشقاقات وتعلن عن ميلاد أحزاب جديدة، منها تيار “الديمقراطية والانفتاح” الذي أسس حزب “البديل الديمقراطي” لكنه فشل في الاستمرار.

وأشار المراقبون إلى أن المجموعات التي انشقت لم تثبت جدارتها في المنافسة أو استقطاب فئات عريضة من المواطنين تعزز بها سياستها، وانتهى المطاف بأغلبها إلى العودة للاتحاد أو الاضمحلال.

وكان إدريس لشكر أمضى ولايتين على رأس الحزب من 2012 إلى 2017 ومن 2017 إلى 2021، وتم تعديل النظام الأساسي لولاية ثالثة منذ بداية 2022، بعدما حسم المؤتمر الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هذه النقطة، رغم اعتراض طيف واسع من قيادات وقواعد الحزب ومنهم تيار “ولاد الشعب”.

واعتبر متابعون للشأن الحزبي أن قرار تمديد لشكر رئاسته لولاية ثالثة على رأس الحزب كان بغرض استكمال مسكه هياكل الحزب بقبضة من حديد.

وقال رشيد لزرق إن “الأمين العام للاتحاد الاشتراكي لا يقر بوجود بديل غيره ينافسه على رأس الحزب اليساري، ما جعله يعيش في تناقض سياسي فاضح، حيث أكد سابقا أنه لن يترشح للمنصب مرة أخرى، وحاليا يدفع مناصريه إلى دعمه حتى لا يفقد المنصب كونه استطاع الحصول على امتيازات كثيرة وقام بطرد المخالفين له”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: