لم تعد مدوّنة الأسرة التي تم اعتمادها في العام 2004 بصيغتها الحالية تستجيب للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تشهدها المملكة المغربية، ولا للدور المحوري الذي أصبحت تلعبه النساء في تدبير الأسر وإعالتها، ما يدعو إلى مراجعتها وتعديلها. وقد جاء خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس واضحا، حيث دعا إلى تعديلها وذلك بمشاركة المتدخلين من فقهاء وقانونيين ومعنيين بقضايا المرأة.
شكلت مدوّنة الأسرة (قانون الأسرة) قفزة نوعية في النهوض بوضعية المرأة المغربية، وبعد ما يقارب عقدين من إصدارها دعا الخطاب الملكي لعيد العرش إلى تجاوز بعض فصولها ما يعني أن مدوّنة الأسرة في المغرب تحتاج إلى مراجعة.
وأكد العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب العرش أنه حرص منذ اعتلائه العرش “على النهوض بوضعية المرأة وإعطائها المكانة المستحقة”، مشيرا إلى إصدار مدوّنة الأسرة واعتماد المساواة في دستور 2011 والمناصفة كهدف للدولة، موضحا أن الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية بل بمنحها المكانة التي تستحقها.
واعتبر الملك محمد السادس أنه “إذا كانت مدونة الأسرة شكلت قفزة إلى الأمام فإنها أصبحت غير كافية لأن التجربة كشفت وجود عدة عوائق أمام استكمال هذه المسيرة وتخوف دون تحقيقها ومن بينها عدم تطبيقها بشكل صحيح لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من المواطنين يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء فيما هي تخص الأسرة كلها”.
كما ثمنت فتيحة سداس عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والمدافعة عن حقوق النساء، تركيز الملك محمد السادس على قضية المرأة، وهو ما يعني أن قضايا النساء لا تزال تحتاج إلى كثير من المعالجات القانونية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية بما يضمن للمجتمع المغربي أن يسير حثيثا لتحقيق المواطنة الكاملة والتنمية المستدامة.
بعد 18 سنة من إقرارها بالمغرب أصبح من الضروري إنجاز تقييم شامل لمقتضيات المدوّنة ونصوصها
وقالت في تصريح لها إن “مطالبة العاهل المغربي للحكومة بإخراج المؤسسات الدستورية المتعلقة بالمساواة ومكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء والأخرى المتعلقة بالأسرة، يقر بالاهتمام الملكي الحازم بحقوق المرأة، وبدعوته إلى فتح نقاش واسع حول مدونة الأسرة، وتفاعله مع مطالب الأحزاب والجمعيات النسوية لإضفاء المزيد من الحداثة على المدونة مع اعتماد الاعتدال والحوار”.
وأكد نبيل أندلوسي الباحث في العلاقات الدولية أن الخطاب الملكي أكد على مركزية المرأة والأسرة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي اعترافا بدور المرأة وأهمية الأسرة اللذين لا ينفصلان.
وقال إن “المرأة عماد وأساس الأسرة، والأسرة أساس المجتمع، كما أن الملك محمد السادس في خطابه ذكر بمركزية إمارة المؤمنين في حماية الحقوق وضمان المساواة بين الرجال والنساء، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات الشعب المغربي”.
وتفاعلا مع ما جاء في الخطاب الملكي في هذه النقطة، أكد المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي أن الإشارات الملكية الداعية إلى تعديل مدونة الأسرة وتحيين بنودها، ستجعلها قادرة على تجاوز العديد من الاختلالات التي بينتها التجربة، وهي عوائق سوسيولوجية أساسا مرتبطة بمقاومات ذهنية لمسار التحديث والعقلنة والانفتاح.
ويشاطر وزير العدل عبداللطيف وهبي هذا الرأي بتأكيده أنه “أصبح من الضروري إنجاز تقييم شامل لمقتضيات مدونة الأسرة”، مشيرا إلى أنه “بعد 18 سنة من إقرارها بالمغرب، أصبح من الضروري إنجاز تقييم شامل لمقتضيات المدونة، وملاءمة نصوصها للمتغيرات الجديدة”، مسجلا أن وزارة العدل منخرطة في ورش تقويم وتقييم المدونة تفعيلا للتعليمات الملكية من منطلق مسؤولياتها في تنزيل مقتضيات مدونة الأسرة، وتوفير المناخ الملائم والشروط الضرورية لإصلاحها، معلنة على الآليات والطرق التي ستعتمدها.
ويرى الأكاديمي محمد بودن رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية في تصريح لـه، أن الملك محمد السادس ركز على المرأة والأسرة كمكونين أساسيين في المعادلة المغربية بالتطرق إلى مدونة الأسرة، إذ من المؤكد أن الرؤية تقوم على بناء شروط مغرب الكرامة والتقدم وترسيخ الهوية المغربية والقيم الوطنية في الضمير الجماعي، كما أن الأمر يتعلق برسوخ الالتزام المغربي بتنفيذ خطة مستقبلية لتكافؤ الفرص والقضاء على مختلف الفجوات السوسيولوجية والقانونية وغيرها بين المرأة والرجل والأجيال الصاعدة.
واعتبرت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان آمنة بوعياش أن تأكيد الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش لتفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، يشكل مرحلة جديدة في تعزيز المساواة بين المغاربة، رجالا ونساء، موضحة أن الخطاب الملكي جاء حاملا لرسالة ترسخ المساواة، مؤكدة أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ممتن لدعوة العاهل المغربي إلى تحيين المقتضيات والتشريعات الوطنية الموجهة للنهوض بهذه الحقوق.
وسبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن دعا إلى مراجعة مدونة الأسرة من خلال التسريع بإطلاق نقاش عمومي مفتوح وتعددي ومسؤول ودينامية تفكير جماعي، مطالبا باعتماد ترسانة قانونية تضمن الأمن القانوني للمواطنات والمواطنين، لاسيما النساء، وتحميهم من جميع أشكال التمييز أو العنف.
وأوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي في بيان أصدره تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة، أن هذا النقاش ينبغي أن يستند إلى رأي الهيئات المؤهلة حول جميع القضايا المتعلقة بالزواج والطلاق والتركة والبنوّة وحضانة الأطفال والاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة، مشددا على أنه “يتعين أن ينصب هذا النقاش أيضا، وبدون تحفظ، على القضايا المتعلقة بالحقوق الفردية وصحة ورفاه النساء”.
وشكل صدور مدونة الأسرة سنة 2004 حدثا تشريعيا ومجتمعيا وحقوقيا وسياسيا وثقافيا بارزا، وكان أقوى تعبير عن الاستجابة للرغبة في تحديث المجتمع والنهوض بأوضاع الأسرة وتحقيق توازنها وحماية حقوق المرأة والأطفال، وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل وإعادة الاعتبار لمؤسسة الزواج ولمسؤولية طرفيها معا ما يجعل مراجعتها ضرورة حتمية.
ووفق مبادرة الملك محمد السادس، ستخضع مدونة الأسرة لتغييرات مهمة بإشراك جميع المتدخلين من فقهاء وقانونيين ومعنيين بقضايا المرأة وفق اجتهاد إسلامي يراعي تطور المجتمع المغربي ودون القفز عن الثوابت الدينية للمملكة التي يؤتمن عليها العاهل المغربي بصفته أميرا للمؤمنين.
وشدّد اتحاد العمل النسائي في مذكرته الترافعية على أن “مدونة الأسرة التي تم اعتمادها في العام 2004 بصيغتها الحالية لم تعد تستجيب لا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا للدور المحوري الذي أصبحت تلعبه النساء في تدبير الأسر وإعالتها، ولا للسياق السياسي والدستوري، ولا للالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب”.
وبخصوص النقاش المفتوح حول تعديل المدونة، أكدت بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن “الأمر مرتبط بمدى نضج الفاعلين في جعل لحظات النقاش العمومي تمرينا ديمقراطيا حقيقيا يساعد على البحث عن مصلحة المجتمع ككل بكافة مكوناته وليست لحظة انتصار طرف على طرف، لأنها ليست معركة، بل الأمر يتعلق بإشكالات يعرفها المجتمع، وينبغي أن نبحث لها عن الحلول والمقاربات الأسلم والأقرب إلى الصواب في ظل مجتمع له خصوصياته التاريخية والثقافية والحضارية”.