تنظم وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، بالتعاون مع جمعية تايمات لفنون الأطلس، بشراكة مع مجلس جهة فاس – مكناس، خلال الفترة الممتدة من الخامس إلى السابع من أغسطس الدورة الحادية والعشرين للمهرجان الوطني لفن أحيدوس، بعين اللوح التابعة لإقليم إفران.
ويندرج هذا الحدث الثقافي في إطار استراتيجية الوزارة لصيانة فن أحيدوس، والحفاظ عليه، والتعريف به، وضمان استمراريته، ونقله إلى الأجيال القادمة، ودعم الفرق العاملة على إحيائه، وحاملي رسالته من شعراء ومبدعين وفنانين، كونه يجسد عنصرا أساسيا من الهوية الثقافية المغربية.
وتروم هذه التظاهرة الثقافية والفنية التي أضحت محطة أساسية ضمن المهرجانات التراثية التي دأبت وزارة الثقافة على تنظيمها بعدة جهات الاحتفاء بهذا اللون الفني وضمان استمراريته عبر تقريبه من عشاق هذا الفن وتحبيبه إلى الأجيال الصاعدة، باعتباره يشكل مكونا أساسيا ضمن مكونات الثقافة الأمازيغية إلى جانب الاهتمام بالفرق والمجموعات والجمعيات المهتمة بهذا الفن وتشجيعها وتحفيزها على العطاء والاستمرارية.
كما يشكل هذا الحدث الثقافي الذي يعرف توافد العديد من الزوار على مدينة عين اللوح فرصة لصيانة التراث الغنائي الأمازيغي ومناسبة لخلق التواصل المستمر بين شعراء وفناني أحيدوس والباحثين وذلك من أجل التعريف بهذا النمط الغنائي التراثي الذي يربط الماضي بالحاضر في ملاحم تجسد الثقافة المغربية بمختلف تعبيراتها وأشكالها.
وتجمع دورة هذه السنة، التي تنظم بتعاون مع عمالة إقليم إفران وجماعة عين اللوح والمجلس الإقليمي لإفران، بين الجانب الاستعراضي والاحتفالي لفن أحيدوس، من خلال العروض التي ستقدمها ست وأربعون فرقة، تمثل مختلف ألوان وتعبيرات هذا الفن التراثي الأصيل المنتمية إلى مختلف الأقاليم والعمالات الحاضنة له.
وتتضمن فقرات المهرجان كذلك، لحظة للوفاء والاعتراف من خلال تكريم ثلة من أعلام فن أحيدوس وفنانيه، تقديرا لمسيرتهم الفنية المميزة ولعطائهم المشهود له، ولما بذلوه من مجهود وافر في الحفاظ عليه، وصونه، وضمان استمراريته، والتعريف به وبنبل رسائله الفنية والإنسانية. كما يتضمن برنامج هذه الدورة تنظيم ندوة علمية، في إطار الأنشطة الموازية، حول موضوع “فن أحيدوس الذاكرة الفنية والمشهدية”، بمشاركة ثلة من الباحثين والمختصين في المجال.
ويبين الكاتب أحمد علوة أن أحيدوس كلمة أمازيغية تعني الرقصة الجماعية المتميزة بخفة الحركة والسرعة وتمتد هذه الرقصة الجماعية الفلكلورية من الجنوب الشرقي للمغرب إلى الشمال الغربي له، وتنتشر أساسا في جبال الأطلس المتوسط حيث الطبيعة الغناء وحيث تكتمل العناصر الأساسية لرقصة أحيدوس، وهي الشعر والغناء والرقص والإيقاع.
وقد ارتبط فن أحيدوس بوسطه الطبيعي والجغرافي لإنسان الأطلس المشبع بالمياه والأعراس والجبال والمنتجعات الغنية بالخضرة والمنابع، وحافظ هذا الفن الذي ظهر منذ قرون على طريقته وإيقاعاته وشكله الدائري والذي قوامه النساء والرجال على حد سواء تعبيرا عن الفرحة الجماعية التي تواكب إحياء الإنسان لحياته الجبلية والزراعية في سهول وتخوم المتوسط.
ويوضح علوة أن آلة “البندير” الإيقاعية أو الدف هي الآلة أو الأداة الموسيقية الوحيدة المستعملة في الإيقاع وترافقه بالضرب على الأيدي فرق نسائية ورجالية في شكل دائري متماسك قوامه الأكتاف وتارة الأيدي، ويصمم الرقصات رئيس الفرقة (المقدم) في لوحات متناسقة موسيقيا وحركيا بالقدر الذي يمكّنه من التحكم في حركات وصرخات أزيد من خمسين فردا من رجال ونساء تستثنى منهن وبصفة خاصة النساء المتزوجات.
أما بخصوص مقامات أحيدوس فيذكر علوة أنه يمكن أن نصادف أنغاما تستمد تركيبتها من مقامات شرقية كالصبا والبياتي لكن استعمالها في الموسيقى الأمازيغية يعطيها طابعا محليا خاصا.
أما الباحث في فن أحيدوس الحسين الدمامي فيوضح أنه لا يمكن الحديث عن أحيدوس بنمط واحد، مشيرا إلى أن هذا الفن يختلف من قبيلة إلى أخرى وداخل نفس القبيلة يتم التمييز بين عدة أنواع من أحيدوس، معتبرا أن محور دوران رقصة أحيدوس هو نفس محور دوران الكرة الأرضية أي من جهة الشرق حيث تنبعث الشمس لا من موطن غروبها. مضيفا أن الدليل الميداني على ذلك هو أن رقصة أحيدوس تتم ليلا وتنتهي مع بزوغ الفجر حيث نجمة الصباح تؤذن بعودة الشمس من رحلة الغروب من جديد وذلك ما يضفي طابعا رمزيا على مسار الرقصة التي تتحرك من جهة اليمين جهة اليمن والعطاء.
ورقصة أحيدوس هي أيضا مجال للتنافس الشعري بين “نُظّام” الكلام الذين يعكسون العلاقات الاجتماعية المحكومة بالتوتر والمنافسة، بمعنى أن الرقصة مجال لتمرير التنافس حيث تصبح الكلمة أداة لفرض الهيبة أو تحصيل الجاه. ويوفر المهرجان مساحة هامة لإحياء هذا الفن العريق والإضاءة على أهم عناصره، إذ يرافق العروض عدد من الجلسات التي ترصد في كل مرة قضية متعلقة بهذا الفن.