جاء خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة مرور 23 سنة على جلوسه على العرش ليؤكد الإصرار على التمسك بسياسة اليد الممدودة نحو الجزائر التي اتخذت مؤخرا جملة من التحركات ضد الرباط ومصالحها، وكان آخرها إيقاف خط الغاز المغاربي – الأوروبي الذي كان يمر عبر المغرب.
وجدد الملك محمد السادس في الخطاب الدعوة إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع الجارة الجزائر، معربا عن تطلعه إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية “لإقامة علاقات طبيعية”، ومؤكدا الرغبة “في الخروج من هذا الوضع”.
وقال العاهل المغربي “إننا نتطلع إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك”.
وأضاف “أشدد مرة أخرى بأن الحدود التي تفرق بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري لن تكون أبدا حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما، بل نريدها أن تكون جسورا تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر”.
ويقول مراقبون إن خطاب الملك وجه إلى الجزائر رسالة واضحة مفادها أن المغرب غير معني بالتصعيد أو الرد على الاستفزازات بالمثل.
وسبق للملك محمد السادس، ضمن الخطاب الذي ألقاه بالمناسبة نفسها في العام الماضي، أن دعا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى “تغليب منطق الحكمة” والعمل في أقرب وقت ممكن على تطوير العلاقات بين الجارين، وهو ما ردت عليه الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية.
وأعلنت الجزائر في أغسطس الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط متهمة إياها بارتكاب أعمال عدائية، دون أن تقدّم أي دليل على ذلك، وهو القرار الذي أعرب المغرب عن أسفه إزاءه، ورفض “مبرراته الزائفة”.
كما اعتبرت الجزائر أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، برعاية أميركية، موجه ضدها. وهو التطبيع الذي تضمن أيضا اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على الصحراء المغربية، أواخر عام 2020.
خطاب الملك وجه إلى الجزائر رسالة واضحة مفادها أن المغرب غير معني بالتصعيد أو الرد على الاستفزازات بالمثل
وذكر الملك محمد السادس في خطابه السبت أن “ما يقال عن العلاقات المغربية – الجزائرية غير معقول ويحزّ في النفس”.
وأكّد أنه بالنسبة إلى الشعب المغربي “نحن حريصون على الخروج من هذا الوضع، وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين”.
وسبق للعاهل المغربي أيضا أن اقترح أواخر عام 2018 تشكيل “آليّة سياسيّة مشتركة للحوار” من أجل “تجاوز الخلافات” القائمة بين الجارين، داعيا إلى فتح الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994. لكن الاقتراح لم يلق استجابة.
ويحرج الخطاب المغربي الرصين السلطات الجزائرية التي لا تتوقف عن تصوير المغرب كعدو يجب التصدي له، وذلك لتبرير تصرفاتها العدائية تجاهه.
ويرى محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، “أن الخطاب الملكي خاطب العقل في الدولة الجزائرية وتمسك بمبدأ الأخوّة بين الشعبيْن المغربي والجزائري، في تأكيد ملكي على أهمية الحوار ودوره في حل الخلافات”.
وأضاف في تصريح لـه ، في سياق عالمي وإقليمي معقد وتزايد التوترات الجيوسياسية، قررت المملكة المغربية برؤية ملكية حكيمة أن تتحمل المسؤولية وتساهم بدور إيجابي في المحيط الإقليمي”.
ويشير خطاب الملك محمد السادس إلى أن المغرب يسعى للحفاظ على ما حققه من إنجازات في ملف الصحراء وأنه يتجنب الانجرار وراء استفزازات النظام الجزائري وخسارة ما راكمه في السنتين الأخيرتين من مكاسب إيجابية.
ومن بين أهم تلك المكاسب الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء وفتح قنصليات وتمثيليات دولية في الأقاليم الجنوبية المغربية، بالإضافة إلى اعتراف ألمانيا بالحكم الذاتي كمقترح واقعي يحظى بالمصداقية ضمن الجهود الرامية إلى إيجاد حل لمشكلة الصحراء، فضلا عن الموقف غير المسبوق والإيجابي الذي سجلته إسبانيا إزاء الوحدة الترابية المغربية وتأييدها لخطة الحكم الذاتي المغربية كمبادرة قوية من شأنها أن تمنح سكان الصحراء إمكانية تسيير شؤونهم بأنفسهم، ومدهم بالموارد والاختصاصات اللازمة، وهو ما أدخل مدريد في أزمة مع الجزائر التي تدعم جبهة بوليساريو الانفصالية.
وبالإضافة إلى العلاقات مع الجزائر ركز العاهل المغربي في خطابه على متطلبات المرحلة التي تتميز بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية الدقيقة.
وقال الملك محمد السادس إن مرحلة الانتعاش الاقتصادي والتعافي من جائحة كورونا لم تدم طويلا، على الرغم من تضافر جهود الدولة والقطاعين العام والخاص لدعم الاقتصاد الوطني من أجل الصمود، مشددا على أن الدولة بذلت مجهودات جبارة، وتحملت تكاليف باهظة، لمواجهة آثار هذا الوباء، حيث قامت بتقديم مساعدات مادية مباشرة للأسر المحتاجة، وبدعم القطاعات المتضررة، داعيا إلى الإسراع في إخراج السجل الاجتماعي الموحد.
والسجل الاجتماعي الموحد نظام رقمي يستعمل كنقطة ولوج موحدة لمختلف برامج الدعم الاجتماعي، بناء على طلب يقدمه الشخص المصرح باسم الأسرة.
ويتضمن السجل معطيات إحصائية حول الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأسر؛ كنوع السكن، والتكاليف السنوية المتعلقة بالماء والكهرباء والهاتف والغاز، والمستوى الدراسي. ويتم تجميع هذه المعطيات من أجل الاستفادة من برامج الدعم.
وأكد نبيل أندلوسي، الباحث في العلاقات الدولية، أن “الملك محمد السادس كان واضحا في دعوته الحكومة إلى الإسراع في إخراج السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره توجهًا ملكيّا لبناء الدولة الاجتماعية التي يتبناها العاهل المغربي”.