قررت الحكومة الإسبانية تطبيق إجراءات جديدة على كل منتوج يمر منها إلى الجزائر، كرد فعل على الإجراءات المماثلة المتخذة من طرف الحكومة الجزائرية، لتكون بذلك العقوبات الاقتصادية سلاح الأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين؛ ففي ظل غياب مؤشرات احتواء الأزمة يسير الوضع إلى المزيد من التصعيد.
واتخذت الجمارك الإسبانية إجراءات جديدة ضد البضائع والصادرات الموجهة إلى السوق الجزائرية، مشددة على فرض رسوم باهظة على السلع، سواء كانت إسبانية المنشأ أو سلعا عابرة، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعارها في السوق الجزائرية، لتكون بذلك أحد أوجه القبضة الحديدية القائمة بين الطرفين، لاسيما وأن الأزمة الدبلوماسية اتخذت بعدا اقتصاديا وتجاريا منذ بدايتها.
وتعتبر هذه الخطوة الأولى من نوعها من الجانب الإسباني، بينما بادرت قبلها الجزائر منذ إعلانها تجميد اتفاق الصداقة والتعاون وحسن الجوار، حيث أمرت الحكومة جميع البنوك والمصارف بوقف عمليات التوطين البنكي للمستوردين، الأمر الذي خلق حالة من الارتباك لدى المتعاملين المحليين.
ولتدارك الوضع استدركت الحكومة قرارها بالتأكيد لدى جمعية البنوك والمصارف على أن جميع العمليات المسجلة قبل إعلان تجميد الاتفاق المصادف للتاسع من يونيو الماضي لا تخضع للإجراءات المعلن عنها، وأنها ستسمح لجميع المتعاملين باستكمال معاملاتهم وصفقاتهم المبرمة قبل التاريخ المذكور.
الجزائر لن تتراجع عن قرار حظر المعاملات الاقتصادية والتجارية مع الإسبان رغم الحديث عن جهود لتخفيف التوتر غير أن الأمر الجديد أزاح كل لبس متعلق بإمكانية تراجع الحكومة الجزائرية عن قرار حظر المعاملات الاقتصادية والتجارية مع الإسبان، بعدما تردد أن إقالة وزير المالية السابق عبدالرحمن راوية خطوة للتطبيع مع مدريد، وتحميل المسؤولية للوزير الذي يكون قد اتخذ القرار دون العودة إلى الحكومة.
وتذكر بيانات رسمية أن حجم المعاملات التجارية بين البلدين يقدر بثمانية مليارات دولار، منها خمسة تتعلق بعائدات النفط والغاز الجزائري المورد إلى إسبانيا، والثلاثة الأخرى تتمثل في صادرات إسبانية متنوعة إلى السوق الجزائرية، والتي تضررت بسبب قرار الحظر المتخذ من طرف الجزائر.
ورفعت الكثير من الجمعيات المهنية والناشطين في مختلف القطاعات انشغالاتهم العميقة إلى الحكومة الإسبانية جراء تضرر نشاطهم من القرار الجزائري، بينما بدأت أولى تأثيرات وقف المنتوجات الإسبانية على الجزائر تظهر في سوق الدواجن حيث يعتمد المربون الجزائريون بشكل كلي على المنتوج الإسباني، كما تكون المادة الأولية لصناعة البطاقات البيومترية قد نفدت بسبب القرار المذكور، مما اضطر الحكومة إلى إعلان العودة إلى الوثائق الورقية.
واتخذت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين أبعادا اقتصادية وتجارية منذ أيامها الأولى، وهو ما دفع إسبانيا إلى الاستنجاد بالاتحاد الأوروبي للنظر في إخلال الجزائر بتعاونها مع مدريد باعتبارها أحد أعضاء الاتحاد، فضلا عن أن الأخير تربطه أيضا اتفاقية شراكة اقتصادية مع الجزائر أبرمت عام 2005.
8 مليارات دولار حجم المعاملات التجارية بين البلدين بحسب البيانات الرسمية وأعربت الجزائر عن انزعاجها من استقواء إسبانيا بالاتحاد الأوروبي، وشددت بعثتها الدبلوماسية في بروكسل على أن “الخلاف ثنائي بين البلدين ولا صلة له بعلاقة الجزائر مع الاتحاد الأوروبي”، رغم أن مسؤولين كبارا في الدولة منذ حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عبروا عن امتعاضهم مما أسموه بـ”الاتفاق غير المتوازن”، وقصدوا به اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وتحاول الجزائر في الآونة الأخيرة توطيد علاقاتها مع عدة عواصم أوروبية، بغية التأكيد لمدريد أنها تملك “البدائل وهامش المناورة”، حيث تم الاتفاق مع شركة “طوطال” الفرنسية على أسعار جديدة للغاز، كما تم إبرام 12 اتفاقية مع إيطاليا، أبرزها زيادة إمداداتها من الغاز إلى إيطاليا بأربعة مليارات متر مكعب إضافية بداية من شهر نوفمبر المقبل.
وما زالت الروايات تتضارب بشأن العطب الذي أصاب أنبوب “ميدغاز” منذ منتصف نهار الأحد الماضي، بين القائل بإصلاح الخلل وعودة التدفق وبين القائل باستمرار أشغال الإصلاح، لكن تقارير إسبانية لم تستبعد فرضية ما قام به الروس تجاه أوروبا بدعوى صيانة أنبوب “نورد ستريم 1”، والقول بأن “الجزائر تستغل فرصة العطب لخفض تدفق الغاز عقابا لمدريد على انقلابها على موقفها التاريخي تجاه قضية الصحراء المغربية”.
ولا يستبعد متابعون للملف أن تتخذ الأزمة الجزائرية – الإسبانية طابعا إقليميا، في ظل دخول محتمل للاتحاد الأوروبي على الخط، وهو الذي كان قد أعرب عن قلقه من الإجراءات المتخذة من طرف الجزائر تجاه إسبانيا، وعن متابعته للتطورات، كما ألمح إلى إمكانية التضامن مع مدريد، وهو ما سيجعل الأزمة مرشحة لتطورات معقدة.
وتعتمد الجزائر بشكل شبه كلي على عائدات النفط والغاز لتمويل حاجياتها المختلفة، حيث ظلت هذه العائدات إلى غاية السنوات الأخيرة تمثل ما مقداره 98 في المئة من مداخيل البلاد من العملة الصعبة، بينما تطمح إلى بلوغ سبعة مليارات دولار من صادراتها الأخرى غير المحروقات على المدى القريب، ولذلك تعالت الأصوات المنادية بضرورة تحييد الشأن الاقتصادي، خاصة قطاع الطاقة، عن التجاذبات السياسية والدبلوماسية.