عطل في أنبوب “ميدغاز” يطرح تساؤلات بشأن قدرة الجزائر على الإيفاء بتعهداتها

حنان الفاتحي

العطل في أنبوب يزود إسبانيا بالغاز الجزائري يطرح تساؤلات بشأن مدى وفاء البنية التحتية للأنبوب الحالي بالطلب وبالتالي التعويل على الجزائر في خضم حاجة أوروبا الماسة إلى الطاقة بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية.

تضاربت الروايات حول عودة عملية ضخ الغاز الجزائري الموجه إلى إسبانيا عبر أنبوب “ميدغاز”، وذلك بعد الانقطاع المسجل منتصف نهار الأحد وهو ما يطرح تساؤلات بشأن مدى وفاء البنية التحتية للأنبوب الحالي بالطلب وبالتالي قدرة الجزائر على الإيفاء بتعهداتها في مجال الطاقة.

ورغم أن بعض المصادر تحدثت عن عودة الضخ بعد إصلاح العطل، تحفظت وسائل إعلام حكومية عن إعلان الخبر، في حين التزمت إدارة الشركة الصمت ولم ترد على اتصالات الصحافيين.

وخيم الغموض على الوضعية الميدانية لأنبوب “ميدغاز” الرابط بين الجزائر وإسبانيا مرورا بحوض المتوسط، حيث اكتفت إدارة شركة سوناطراك الحكومية بإعلان مقتضب كشفت فيه عن وقف ضخ الغاز الجزائري إلى إسبانيا بسبب عطل وقع في الناحية الإسبانية من الأنبوب.

الجزائر لن تفي بالتزاماتها لإسبانيا بعد وقف الضخ عبر الأنبوب الأورومتوسطي ولم تفصح سوناطراك عن طبيعة العطل ولا حجمه ولا أضراره ولا المدة التي تتطلبها عملية الإصلاح، مما زاد من حدة التأويلات لدى الدوائر الطاقوية حول وضعية السوق الإسبانية، خاصة وأنه تزامن مع أزمة دبلوماسية حادة تخيم على البلدين منذ عدة أشهر، ومع حديث عن تراجع التدفقات الجزائرية خلال الأشهر الأخيرة.

ويطرح هذا الإشكال الصعوبات التي تعاني منها الجزائر في مجال البنية التحتية الخاصة بالطاقة إذ يظهر أن عمليات الصيانة للأنبوب لا تتم بالمستوى المطلوب في بلد أغلب موارده من الغاز والنفط.

ولئن ساد الاعتقاد لدى دوائر مقربة من الحكومة في الجزائر، حول احتواء العطب في ظرف قياسي، فإن تلافي وسائل إعلام حكومية إعلان الخبر أضفى شكوكا حول قدرة المصالح التقنية في إسبانيا والجزائر على إصلاح الخلل في ظرف قياسي وإعادة الضخ خلال ساعات.

وكان تقرير مختص في شؤون الطاقة قد كشف خلال الأسابيع الأخيرة، عن تراجع التدفقات الجزائرية إلى إسبانيا، مما سمح للغاز الروسي باحتلال الرتبة الثانية في سلم مموّني إسبانيا بالغاز، رغم الأزمة التي يعيشها العالم وأوروبا تحديدا بسبب الحرب القائمة على أوكرانيا.

ولم تستبعد تقارير إعلامية إسبانية، أن يكون تقلص الإمدادات الجزائرية ناجما عن مشاكل تقنية، وهو ما يكون قد تأكد نهار الأحد بعد الإعلان عن العطب في أنبوب ميدغاز، بينما تبقى التجاذبات الدبلوماسية ورادة في القبضة الحديدية القائمة بين البلدين، وقد يكون الغاز أحد أسلحتها، رغم التطمينات التي قدمتها السلطات الجزائرية لنظيرتها الإسبانية.

وتبلغ طاقة أنبوب ميدغاز ثمانية مليارات متر مكعب سنويا، وشرعت الجزائر في توسعته إلى أكثر من عشرة مليارات متر مكعب، بعد إعلانها في شهر نوفمبر الماضي وقف الضخ عبر الأنبوب الأورومتوسطي المار عبر المغرب، كما تعهدت حينها للحكومة الإسبانية بتعبئة ناقلات نفط لتوفير الطلب المتفق عليه، غير أن الأزمة المركبة في المنطقة بين الجزائر والمغرب وبين الجزائر وإسبانيا ألقت بظلالها على الشأن الطاقوي.

وكانت الجزائر قد أعلنت في يونيو الماضي تعليقا فوريا لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمتها في أكتوبر 2002 مع إسبانيا وذلك ردا على الموقف الإسباني التاريخي الداعم لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية وهو المقترح الذي يلاقي أيضا تأييدا من العديد من دول العالم كحلّ واقعي ومنطقي قابل للتطبيق لحلّ نزاع الصحراء.

كما اتهمت الحكومة الإسبانية الجزائر بوقف التبادلات التجارية الثنائية بشكل شبه كامل، باستثناء الغاز في خضم الأزمة بين البلدين لكن يبدو أن تدهور العلاقات بات يشمل قطاع الغاز كذلك.

ويرى مختصون أن اعتماد إسبانيا على الغاز الجزائري قد تراجع بشكل كبير منذ وقف خط أنابيب غاز المغرب العربي – أوروبا، لكن ما يقارب ربع الغاز الذي تستورده إسبانيا كان لا يزال يأتي من الجزائر في الربع الأول مقارنة بأكثر من 40 في المئة في عام 2021، وفقًا للشركة المشغلة لشبكة الغاز الإسبانية.

وافادت بيانات مختصة بأن “الواردات الإسبانية من روسيا بلغت 8752 جيغاوات/ساعة في يونيو الماضي، أي أكثر من الضعف بالمقارنة بشهر مايو، وبما يعادل 24 في المئة من إجمالي طلب إسبانيا، في حين تراجعت التدفقات من الجزائر إلى 7763 جيغاوات/ساعة مقابل 9094 جيغاوات/ساعة في مايو، وهي نحو نصف الكميات المسجلة في يونيو 2021 ، بما يمثل 22 في المئة من الطلب، فيما تظل الولايات المتحدة أكبر ممون بحصة 30 في المئة”.

وقف الضخ كان لأسباب لوجستية أم سياسية

وشرعت إدارة سوناطراك في الآونة الأخيرة في مراجعة بنود توريد الغاز، لاسيما فيما يتعلق بالأسعار، حيث توصلت إلى اتفاق نهائي مع شركة توتال الفرنسية حول جدول أسعار جديد، بينما تستمر المفاوضات مع الإيطاليين والإسبان.

وشكك الوزير السابق للطاقة والخبير في شؤون الطاقة عبدالمجيد عطار، في أن تستطيع الجزائر الوفاء بالتزاماتها تجاه الطلب الإسباني بعد وقف الضخ عبر الأنبوب الأورومتوسطي، قياسا بحجم أنبوب ميدغاز والإشكالات التقنية المحتملة.

غير أن الوزير والخبير الذي يحمل رؤية مغايرة لخيارات السلطة الحالية تمت إقالته من الحكومة في العام 2020، ويسود اعتقاد لدى الدوائر الرسمية في البلاد، بأن الاكتشافات التي وصفت بـ “الضخمة” المعلن عنها مؤخرا، والاستثمارات الهائلة التي ترصدها شركة سوناطراك مع شركاء دوليين، بإمكانها تطوير القطاع والتحكم في تفصيلاته التقنية، من أجل الوفاء بالطلبات الدولية المتزايدة على الغاز الجزائري.

لكن الانقطاع الأخير يثبت بأن الجزائر فشلت إلى حد الآن في استغلال أزمة الطاقة والغاز التي يعاني منها العالم وخاصة أوروبا بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا وذلك بالإعلان عن مشاريع حقيقية لتطوير البنية التحتية.

العطل يطرح الصعوبات التي تعاني منها الجزائر في مجال البنية التحتية الخاصة بالطاقة بسبب تعثر جهود الصيانة

وربما ستثير المشاكل التقنية مخاوف دول أوروبية تسعى إلى الاستغناء عن الغاز الروسي بالتعويل على الغاز الجزائري خاصة إيطاليا التي تسعى إلى تطوير استثماراتها في مجال الغاز مع الجزائر.

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قد أعلن الأسبوع الماضي خلال ندوة صحافية مشتركة مع رئيس مجلس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، بمقر الرئاسة الجزائرية أنه سيتم التوقيع على اتفاق بقيمة 4 مليارات دولار، ما سيسمح بتزويد إيطاليا بكميات كبيرة جدا من الغاز الطبيعي.

والشركات التي تحدث عنها الرئيس الجزائري تتمثل في شركات “أوكسيدونتال” و”إيني”، و”توتال”.

لكن الانقطاع الأخير لأسباب تقنية متعلقة بالصيانة سيجعل السلطات الإيطالية تفكر مليا في قرارات الاستثمار والتعاون مع الجزائر لتعويض الغاز الروسي.

وكانت شركة سوناطراك، قد أعلنت في بيان مقتضب بثته وكالة الأنباء الرسمية، عن حدوث عطل في أنبوب ميدغاز، الذي يزود إسبانيا بالغاز الطبيعي، مسببا توقفا مؤقتا في الإمدادات.

وذكر البيان بأن، “حادثا وقع صباح الأحد على الجانب الإسباني من خط أنابيب الغاز ميدغاز، الذي يربط الجزائر بإسبانيا، تسبب في انقطاع مؤقت لإمدادات الغاز، وأن فرقا فنية إسبانية تعمل على إجراء الإصلاحات اللازمة، وإعادة إمدادات الغاز إلى إسبانيا في أسرع وقت ممكن”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: