تشكل قمة الأعمال الأميركية – الأفريقية، التي انطلقت الأربعاء وتستمر إلى غاية الثاني والعشرين من يوليو بمدينة مراكش المغربية، لبنة أساسية في تحقيق شراكات أعمال ثلاثية بين الولايات المتحدة والمغرب وأفريقيا، وفرصة لتعزيز التموقع الاستراتيجي للمغرب، البلد الأفريقي الوحيد الذي أبرم اتفاقية للتبادل الحر مع الولايات المتحدة.
وأكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن تنظيم قمة الأعمال الأميركية – الأفريقية يعد تكريسا لدور المملكة الطبيعي كبوابة لأفريقيا، وحلقة وصل مع شركائها العالميين، كأوروبا والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية.
وأوضح بوريطة في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لهذه القمة المنظمة تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، بشراكة مع “مجلس الشركات المعني بأفريقيا”، تحت شعار “لنبن المستقبل معا”، أن انعقاد القمة على أرض المملكة المغربية يكتسي دلالات متعددة، “فهو تجسيد لالتزام المغرب الكامل تحت قيادة الملك محمد السادس بانتمائه الطبيعي لأفريقيا، وحرصه على مواكبة استقرارها وتنميتها الاقتصادية المستدامة”.
وستتميز القمة بتنظيم حوارات رفيعة المستوى وجلسات عامة وحلقات نقاش وموائد مستديرة وأنشطة أخرى حول أولويات القارة في مجالات الأمن الغذائي والصحة والفلاحة والانتقال الطاقي والتكنولوجيات الجديدة، والبنيات التحتية واندماج المنظومات الصناعية.
ناصر بوريطة: انعقاد القمة تجسيد لالتزام المغرب الكامل بانتمائه لأفريقيا
وطور المغرب خلال السنوات الماضية، وخاصة على امتداد العشرية الأخيرة، علاقاته مع القارة الأفريقية، وهو ما ترجمه التعاون الاقتصادي الكبير الذي يعد من أهمه العمل على إنشاء خط للغاز مع نجيريا، بالإضافة إلى انتصارات دبلوماسية تمثلت في إعلان عدد من الدول الأفريقية الاعتراف بمغربية الصحراء وافتتاح قنصليات في مدينة الداخلة، كان آخرها جمهورية الطوغو التي افتتحت قنصليتها الخميس.
ويشارك في قمة الأعمال الأميركية – الأفريقية الرابعة عشرة، وفد حكومي أميركي هام، ووزراء أفارقة وصناع قرار يمثلون أكبر الشركات الأميركية متعددة الجنسيات وأوساط الأعمال الأفريقية.
ويرى محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، في تصريح لـه أن القمة الأميركية – الأفريقية المنعقدة حاليا في مراكش ما هي إلا تأكيد للعلاقات التاريخية والمتينة بين البلدين، وتمسك بالمشاريع التنموية والاقتصادية التي أعلنتها الولايات المتحدة الأميركية في الأقاليم الجنوبية المغربية، حيث افتتحت قنصلية.
وأضاف لكريني أن هذه القمة امتداد لمسيرة من التعاون الثنائي بين البلدين، كان آخرها مناورات الأسد الأفريقي التي نظمت في شهر يونيو الماضي 2022، بهدف مواجهة مختلف الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء التي أضحت مرتعا للإرهابيين.
وأكدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في كلمة مسجلة بثت في افتتاح الدورة الرابعة عشرة لقمة الأعمال الأميركية – الأفريقية، أن “الإدارة الحالية تدرك الأهمية الحاسمة لتعزيز علاقاتنا مع البلدان في جميع أنحاء أفريقيا، كما ستظهر هذه القمة التزام أميركا الدائم تجاه شركائنا الأفارقة، وستستند إلى مبادئ الاحترام المتبادل والمصالح والقيم المشتركة. كما سيكون جزء مهم من هذه القمة تعزيز علاقاتنا الاقتصادية”.
ويؤكد خبراء في العلاقات الدولية أن التجارة والاستثمار رافدان مهمان في فرض الأمن والاستقرار وترسيخهما في القارة الأفريقية.
وقال ناصر بوريطة إن المغرب جعل من التعاون الثلاثي في صميم العمل المشترك مع الولايات المتحدة وأفريقيا، إيمانا من الملك محمد السادس بأن روابط الثقة والتعاون التي تجمع المغرب بكل منهما لابد أن تستثمر في دينامية خلاقة للتنمية، على أساس من التكامل وتضافر الإمكانيات والجهود.
المنافسة من طرف القوى العالمية الأخرى تتطلب أفكارا أميركية جديدة ومنهجا جديدا للعديد من القضايا الهامة التي يتقاطع فيها الاقتصادي والأمني والاستثماري
وأكد وزير الخارجية أن العلاقات المغربية – الأميركية تتميز بقوتها وغناها وريادتها على المستوى الأفريقي، مبرزا أن “المغرب هو الدولة الأفريقية الأولى والوحيدة التي لها اتفاق للتبادل الحر مع الولايات المتحدة، كما أنه من الدول التي تمتلك شراكة استراتيجية متينة ومتعددة الأبعاد مع هذا البلد الصديق، شراكة تسمح اليوم بأن يمتد التعاون، وبكل ثقة وثبات، ليشمل القارة الأفريقية برمتها”.
ويرى لكريني أن الولايات المتحدة تحاول تعزيز تواجدها في المنطقة الأفريقية على عدة مستويات، في ظل التنافس القوي بين القوى الإقليمية والدولية على هذه القارة الأفريقية التي تزخر بموارد طبيعية مهمة.
وتابع قائلا “عموما هذه القمة الأميركية – الأفريقية ستبحث المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية والدول الأفريقية في إطار علاقات رابح – رابح”.
ورغم الجهود التي تبذلها واشنطن لترسيخ نفوذها في أفريقيا مثل سن قانون النمو والفرص في أفريقيا “AGOA”، ومبادرة الرئيس لمكافحة الملاريا، وخطة الرئيس للطوارئ للإغاثة من الإيدز، ومؤسسة تحدي الألفية، ومراكز التجارة والاستثمار الأميركية – الأفريقية، وتوليد فرص شغل للملايين من الأفارقة، لكن مراقبين يرون أن المنافسة من طرف القوى العالمية الأخرى تتطلب أفكارا جديدة ومنهجا جديدا للعديد من القضايا الهامة، التي يتقاطع فيها الاقتصادي والأمني والاستثماري.
وفي سياق التكامل الإقليمي السريع ومناطق التجارة الحرة القارية الأفريقية مع فرص نمو كبيرة، لفتت كامالا هاريس إلى أن هدف إدارتنا على نطاق واسع هو تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، وكذلك التنمية في جميع أنحاء القارة، من أجل توسيع تدفقات رأس المال وتعزيز الروح الحيوية لريادة الأعمال والابتكار في جميع أنحاء أفريقيا، مع التزامنا بجلب جميع الأدوات المتاحة لنا، بما في ذلك تمويل التنمية والمنح والمساعدات الفنية، وكذلك دعم الإصلاحات القانونية والتنظيمية، وكل ذلك لمساعدة شركائنا الأفارقة على الازدهار.