عين الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون سليمة مصراتي على رأس السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، في خطوة للتخلص من التركة التي خلفها نظام سلفه، رغم أن التعيين لن يؤدي إلى نتائج في ظل استمرار نفس المنظومة.
عين الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مسؤولة جديدة على رأس هيئة مستجدة تعنى بالشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، في خطوة للتخلص من التركة التي خلفها نظام سلفه.
ويتعلق التعيين بسليمة مصراتي التي تولت رئاسة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، رفقة عدد من المساعدين والمستشارين، في خطوة تعكس نية السلطة التخلص من تركة النظام السابق، حتى على صعيد الوجوه وتركيبة الهيئات الرسمية.
ورغم التعيين تظل التساؤلات قائمة حول الجدوى من تغيير الأشخاص والهيئات مقابل استمرار نفس المنظومة في إدارة الشأن العام، حتى لو شهدت الظاهرة تراجعا في السنوات الأخيرة.
والتساؤل مشروع في ظل جهود التغيير الحقيقي الذي طالب به الجزائريون في انتفاضة الحراك الشعبي عام 2019، فقد سبق للسلط المتعاقبة أن استحدثت هيئات ونصبت مسؤولين كبارا للحد من الظاهرة، لكن الفساد ظل متواصلا ونخر جسد الدولة.
◙ في ظل غياب أرقام وبيانات حقيقية حول حجم الفساد المالي والسياسي في الجزائر، تواصل الظاهرة في الإساءة لصورة البلاد
ومنذ ثمانينات القرن الماضي أدانت هيئة محاربة الفساد الرئيس السابق بالاستيلاء على أموال تابعة لحسابات وزارة الخارجية، ولما اعتلى السلطة في 1999 قام بتغيير تركيبة ومهام الهيئة لمسح تاريخها، والآن بنفس الطريقة يجري الرئيس تبون تعديلا على التركيبة والهوية أملا في تقليص حجم الظاهرة.
وأشرف رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن على مراسم تنصيب سليمة مصراتي رئيسةً للسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته وأعضائها، وذكر بيان الوزارة الأولى أنه “باسم رئيس الجمهورية، السيد عبدالمجيد تبون، أشرف الوزير الأول، السيد أيمن بن عبدالرحمن، الثلاثاء بقصر الحكومة على تنصيب رئيسة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، السيدة سليمة مصراتي، وكذا السيدات والسادة أعضاء مجلس السلطة. وقد جرت مراسم التنصيب بحضور مستشار رئيس الجمهورية السيد بوعلام بوعلام، وعدد من أعضاء الحكومة”.
وأضاف البيان “أكد الوزير الأول، السيد أيمن بن عبدالرحمن، أن تنصيب السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، التي أتت بها التعديلات الجوهرية لدستور 2020، هي بمثابة المحطة الأخيرة في استكمال بناء الصرح المؤسساتي للدولة”.
وأوضح أنه “تم إصدار القانون رقم 22 – 08 بتاريخ 5 مايو 2022 الذي يحدد تنظيم هذه السلطة العليا، والتي صنفها الدستور ضمن المؤسسات الرقابية وزودها بصلاحيات واسعة، تتولى بموجبها وضع استراتيجية وطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والسهر على تنفيذها ومتابعتها، والمساهمة في أخلقة الحياة العامة وتعزيز مبادئ الشفافية والحكم الراشد”.
◙ محاربة الفساد أحد أهم التعهدات التي أطلقها تبون خلال حملته الانتخابية للرئاسيات ووعد باستعادة الأموال المنهوبة
وأشار إلى أن “القانون حرص على توسيع تشكيلة مجلس السلطة العليا، لتشمل إلى جانب قضاة وشخصيات وطنية ممثلين عن المجتمع المدني، إيمانا تاما بالدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني كشريك أساسي ورئيسي في مكافحة الفساد والوقاية منه والتبليغ عنه”.
وتعتبر محاربة الفساد أحد أهم التعهدات التي أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون خلال حملته الانتخابية للرئاسيات، ووعد أنصاره والشارع الجزائري بمحاربة الفساد واستعادة الأموال العمومية المنهوبة، لكن لا شيء تحقق بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على انتخابه، خاصة فيما يتعلق بالأموال التي هُرّبت إلى الخارج.
ويسود التباس لدى الشارع الجزائري بين محاربة الفساد من جهة وبين تصفية الحسابات السياسية بين أجنحة السلطة من جهة أخرى، حيث يقبع العشرات من المسؤولين السياسيين والوزراء ورؤساء الحكومات والمدراء وضباط المؤسسة العسكرية ورجال الأعمال المحسوبين على نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة خلف القضبان منذ عام 2018، خاصة إثر تصاعد دعوات في الآونة الأخيرة تطالب بإرساء قاعدة “المال مقابل الحرية” بين هؤلاء المساجين للتنازل عن ثرواتهم وأموالهم للخزينة العمومية مقابل مغادرتهم السجون.
وفي ظل غياب أرقام وبيانات حقيقية حول حجم الفساد المالي والسياسي في الجزائر، تواصل الظاهرةُ الإساءةَ إلى صورة البلاد والتأثير عليها في تقارير الهيئات والمنظمات الدولية التي تعنى بمجال الشفافية والحوكمة الرشيدة، حيث غالبا ما يتم تصنيفها إلى جانب بلدان تعيش على وقع أزمات سياسية وأمنية دامية على غرار اليمن والعراق وسوريا، وهو ما جعل البلاد وجهة غير مفضلة لرؤوس الأموال العالمية، رغم ما تبذله الحكومات المتعاقبة من جهود لإقناع أصحاب رؤوس الأموال باستعادة زمام المبادرة والفصل بين المرحلتين السياسيتين.