يرى صموئيل ميكي، الباحث في مركز التحكم بالأسلحة ومنع انتشارها بمقال نشره موقع “ناشونال إنترست” أن الحلف الدفاعي الجوي بين إسرائيل والدول العربية سيضر بالشرق الأوسط. وأكد على أهمية تعامل الولايات المتحدة مع المنطقة من خلال الدبلوماسية.
وأشار بداية إلى الاجتماع السري الذي عقد تحضيرا لزيارة الرئيس جوي بايدن للشرق الأوسط بمنتجع شرم الشيخ المصري وشاركت فيه مصر والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن والسعودية وإسرائيل. وكان الهدف هو مناقشة إنشاء تحالف دفاعي وصفه الإسرائيليون بـ “التحالف الدفاعي الجوي للشرق الأوسط”/ “ميد”، وكانت الخطة تقوم على التشارك بالمعلومات حول الصواريخ الإيرانية والتهديدات الدفاعية الجوية للمنطقة، مثل الصواريخ الباليستية وكروز وكذا المسيرات وتقديم تغطية بصرية للكشف المبكر عن هذه التهديدات.
ويعتقد الكاتب أن نظام الدمج الدفاعي الصاروخي هو مجرد إسعاف أولي لجرح واسع يمكن أن يصبح خطيرا وقد يأتي على الحوار بين إيران وأعدائها لمعالجة المنطقة المصابة بالعدوى.
نظام الدمج الدفاعي الصاروخي هو مجرد إسعاف أولي لجرح واسع يمكن أن يصبح خطيرا وقد يأتي على الحوار بين إيران وأعدائها لمعالجة المنطقة المصابة بالعدوى
ويشير إلى المحادثات الثنائية التي تجريها السعودية والإمارات مع إيران لتخفيف التوتر، إلا أنها وبدون مبادرة دبلوماسية مكملة لتشجيع هذه المحادثات وتدفع للحوار الإقليمي فإن تحالفا دفاعيا صاروخيا قد يدفع نحو المواجهة. وإذا كانت الولايات المتحدة “لا تستطيع المشي ومضغ العلكة في نفس الوقت”، فهذا يعني أن الدبلوماسية غائبة عن السياسة الخارجية ولكن الخطة سينظر إليها على أنها مجرد تحالف ضد إيران، حذر أنطوني بلينكن دونالد ترامب من بنائه في عام 2017. وقال بلينكن الذي أصبح وزيرا لخارجية بايدن “تحالف مضاد للشيعة يتنكر بصورة التحالف الأمني في الشرق الأوسط سيؤدي لتغذية النيران الطائفية وينتج مزيدا من الإرهاب. ويدلا من دعم أطراف في النزاع، يجب أن تضغط واشنطن على الرياض وطهران للتوقف عن تغذيته”.
ويقول الكاتب إن مسارا غائبا عن محاولات أمريكا القائمة على إحياء اتفاقية العمل المشتركة الشاملة، وتعرف بالاتفاقية النووية، وهو دفع البحرين ومصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات وإيران للتواصل دبلوماسيا وتحمل مسؤولية أكبر عن المنطقة. ويقول إنه يجب أن يرفق البناء العسكري- العسكري بمسار دبلوماسي من أجل منع اندلاع الأزمة. ويذكر الكاتب بمحاولات الولايات المتحدة قبل ثلاثة عقود إنشاء منظومة دفاعية جوية/صاروخية بين دول مجلس التعاون الخليجي الست: البحرين وقطر وعمان والسعودية والكويت والإمارات، وفشلت نظرا للتحدي القديم وهو: غياب الثقة. فلم تكن أي دولة مستعدة للتعاون على حساب ضمانات الأمنية الثنائية من الولايات المتحدة، ولم تحاول الجهود السابقة خلق إطار تعاوني يشمل إسرائيل. وكانت المحاولة متناسبة مع أشكال سياسة الأمن بالشرق الأوسط. صحيح أن هناك شيئا يمكن اكتسابه من تطوير التعاون في مجالات الأمن، إلا أن المنفعة الهامشية من تنسيق الدفاعات الجوية ستكون صغيرة إلا في حالة ترافقت مع عملية دبلوماسية تعالج جذور العدوى.
ويذكر الكاتب بأنه تحت مظلة إدارة بيل كلينتون جرى التسويق لمبادرة التعاون الدفاعي “حزام التعاون” والتي حاولت دمج معلومات الدفاع الجوي التي تجمعها دول مجلس التعاون الخليجي كخطوة نحو التشارك في بيانات الدفاع الصاروخي. إلا أن المبادرة فشلت لأن دول مجلس التعاون الخليجي لم تكن راغبة في المشاركة بالمعلومات حول مجالها الجوي مع الأخرى. وبنفس السياق حاولت إدارة بوش وعبر الحوار الأمني الخليجي تشجيع التشغيل العسكري البيني ودفع دول مجلس التعاون الخليجي لشراء أنظمة الدفاع الصاروخية. واقترحت إدارة باراك أوباما إنشاء منبر التعاون الإستراتيجي الأمريكي ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 2011، وبدأ في عام 2012 لمعالجة الموضوعات الأمنية والسياسية الخليجية والاقتصادية.
وفي حوار المنامة عام 2013 أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل عن إطار حكومي أمريكي- مجلس التعاون الخليجي كان سيضم إطارا دفاعيا صاروخيا لمجلس التعاون الخليجي ومبيعات أنظمة أسلحة لكتلة مجلس التعاون الخليجي. واستمرت هذه الجهود في ظل إدارة ترامب الذي فكر بتوسيع ضمانات الأمن للناتو لتشمل الشرق الأوسط وأنشأ بشكل منفصل التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط (ميسا) ليضم دول مجلس التعاون الخليجي إضافة للأردن ومصر. إلا أنه نظر لميسا على أنه من أجل خدمة المصالح الأمريكية- السعودية لمواجهة إيران. وفي الوقت الذي رغبت فيه السعودية والبحرين والإمارات بمواجهة إيران إلا أن دولا مثل مصر والأردن والكويت وعمان وقطر ترددت بالمشاركة في إطار معاد لإيران.
ورفضت مصر المضي وراء الرياض لأن المبادرة حملت مخاطر زيادة التوتر مع إيران مما أدى لانهيار المعمار الأمني الإقليمي المقترح. ولو نظر إلى التحالف على أنه تحالف معاد للشيعة، فهناك مخاطر لتغذية نزاع طائفي ولن يحظى بدعم واسع في المنطقة.
ولا أحد يشك بأن الهجمات الصاروخية الباليستية وكروز والمسيرات التي تشنها إيران أو جماعاتها الوكيلة تهدد السعودية والإمارات وسوق الطاقة العالمي. وقال المبعوث الأمريكي الخاص تيموتي ليندركينغ إن المتمردين الحوثيين أطلقوا خلال عام 2021، 375 صاروخا عبر الحدود اليمنية باتجاه السعودية. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، فإن هجوما على منشأة للنفط في الخليج سيترك أثره على كل زاوية في العالم. كما أن اعتماد روسيا في حربها ضد أوكرانيا على الهجمات الصاروخية يقدم مثالا مثيرا للخوف للدول التي تواجه أعداء يملكون برامج صاروخية خاصة بهم. ومن الواضح أن التهديدات الصاروخية والمسيرات هي تحد خطير لكن تحالف الدفاع الصاروخي هو في أحسن حالاته بديل مؤقت عن حل الأزمة دبلوماسيا، ويعاني من عيوب على مجالات عدة.
أولا، الكلفة، ففي مجال الاعتراض، يمنح السجل إيران تفوقا في مجال سباق الدفاع- الدفاع. ويقوم سلاح الجو الملكي السعودي بإطلاق صاروخين من بطاريات باتريوت ضد الهدف بكلفة 3 ملايين دولار للواحد. أما الصاروخ القادم فكلفته لا تتعدى 20.000 دولار وربما ألف دولار. ويواكب السعوديون الوضع من خلال خزينة ضخمة، غير متوفرة للدول الأخرى، ويدافعون عن أهداف معينة لو ضربت لكانت الخسائر بالملايين. وهناك مشكلة أخرى في تجديد المخزون من الصواريخ المعترضة نظرا للنقاش في الكونغرس بشأن سجل السعودية الصارخ في حقوق الإنسان.
أما العيب الثاني، فهو القدرة على التشبع، فلربما كان من الجيد إدخال تحسينات على التغطية الجوية، ولكنها لن تغير من قواعد اللعبة لأن إيران تحتفظ بقدرة للتغلب على الدفاعات من خلال غمر مناطق الأهداف بالصواريخ القادمة. وتقول المخابرات الأمريكية إن إيران تستطيع إطلاق حوالي 70 صاروخا مرة واحدة وإن تحريكها لمنصات إطلاق الصواريخ يعقد من عملية مراقبة الغارات المضادة. وأكثر من هذا فاستراتيجية البداية القوية تقترح أن إيران ستواصل تطوير مخزونها وبناء أسلحة متقدمة قادرة على غمر الدفاعات المصطفة ضدها. وربما كان الحلف المقترح قادرا على تفعيل الدفاعات الجوية وخلق نوع من الردع، لكنه لن يعمل الكثير لتغيير الحسابات. وفي أحسن الحالات قد تخلق الخطة مساحة تفاوض والحوار حول الأمن الإقليمي. وبالتزاوج مع الأسئلة حول حيوية الدفاع الجوي الصاروخي وكونه بديلا عن الدبلوماسية، فإنه سيكون مناقضا لمصالح الدول العربية، لأنها ستجر إلى حرب الظل القائمة بين إيران وإسرائيل.
مع أن الهجمات الإيرانية وجماعاتها الوكيلة ضد الدول العربية، وبخاصة السعودية والإمارات تحمل علامات نزاع دول إلا أن حكومات الخليج ستكون حذرة من استفزاز لإيران
ومع أن الهجمات الإيرانية وجماعاتها الوكيلة ضد الدول العربية، وبخاصة السعودية والإمارات تحمل علامات نزاع دول إلا أن حكومات الخليج ستكون حذرة من استفزاز لإيران، كما أظهرت مرة وبعد الأخرى. ولم تعد حرب الظل بين إيران وإسرائيل تجري في الظل، فعمليات الاغتيال الإسرائيلية لمسؤولين إيرانيين مستمرة وطلب من إسرائيليين البقاء في غرف الفنادق بتركيا خشية تعرضهم للاختطاف. لكن مواجهة إيران بدون دعم أمريكي أمر ليس مطروحا على الطاولة لدول الخليج.
وقامت الرياض وأبو ظبي بمحاولات تقارب دبلوماسية، وحتى بعد الهجمات على السعودية والتي أوقفت نسبة 5% من الإمدادات العالمية للنفط، ترددت السعودية بلوم إيران وتحولت الكويت لمحاور وسيط. وفضلت دول الخليج الحوار وخفض التوتر مع إيران لا المواجهة. ولعبت عمان دور القناة الخلفية للمحادثات بين جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الحالي، عام 2011 والإيرانيين والتي قادت إلى المعاهدة النووية. وبعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، سافر أمير قطر إلى طهران بطلب من الولايات المتحدة لنزع فتيل التوتر. ومن الواضح أن دول الخليج لم تعرب عن دعمها للمواجهة ضد إيران بدون دعم أمريكي. ومن مصلحة الدول العربية تجنب الحرب مع إيران، وبناء التعاون الدفاعي وسيلة مفيدة لهذه الغاية. لكنها ليست الوسيلة الوحيدة الموجودة بالجعبة ولو تم الاعتماد عليها بشكل حصري فستؤدي إلى نتائج عكسية. ويجب على الولايات المتحدة ألا تعتمد فقط على الإجراءات العسكرية، مثل تحسين الدفاع الجوي، بل وتبني المحادثات بين إيران والإمارات والسعودية وإيران كوسيلة لبناء معمار أمني.
واكتشفت السعودية أن وقف إطلاق النار في اليمن قدم لها منافع أكثر من أي نظام دفاع صاروخي. وبهذه المثابة يجب أن تركز الولايات المتحدة في تعاملها مع الشرق الأوسط على الدبلوماسية أولا. وتحالف دفاع جوي إسرائيلي – عربي سيضر بالشرق الأوسط.