أعلنت الجزائر عن تعديل جديد في قيادة مديريات جهاز الاستخبارات، بتعيين اللواء جمال كحال (مجدوب) على رأس الأمن الداخلي، خلفا للواء عبدالغني راشدي الذي ينتظر إعلانه قائدا لمديرية الأمن الخارجي، وهي عملية تكرس عدم الاستقرار في مفاصل المؤسسة العسكرية والأمنية، رغم أنها تتجه إلى الهدوء في المدة الأخيرة مقارنة بالمرحلة التي كان فيها الفريق الراحل أحمد قايد صالح على رأسها إلى نهاية العام 2019.
وتقول أوساط مقربة من جهات الاستخبارات إن أسلوب التغييرات المستمرة يقطع الطريق على استقرار الإدارات الأمنية التي تقوم على تراكم الخبرة بالملفات.
ويعتبر اللواء الجديد، المستقدم إلى مديرية الأمن الداخلي، واحدا من الكوادر الاستخباراتية المتمرسة والتي تدرجت في مختلف المسؤوليات داخل جهاز الاستخبارات، ولذلك يراهن عليه لإضفاء حالة الاستقرار والانضباط بعد ملاحظة عدم تنسيق بين بعض المصالح وحتى تضارب في إدارة ملفات الأمن الداخلي، خاصة تلك المتعلقة بالمعارضين السياسيين والناشطين والمدونين.
ونقل التلفزيون الحكومي مراسم تنصيب اللواء جمال كحال التي أشرف عليها قائد أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، الذي ذكر في كلمة مقتضبة بأن “تعيين كحال جاء وفقا للمرسوم الرئاسي ليوم الثامن عشر من يوليو 2022 خلفا للواء عبدالغني راشدي”.
أسلوب التغييرات المستمرة يقطع الطريق على استقرار الإدارات الأمنية التي تقوم على تراكم الخبرة بالملفات
وعادة ما ينسب قرار التعيين أو التنحية إلى الرئيس عبدالمجيد تبون، وفق ما يخوله الدستور، خاصة وأنه يشغل منصبي وزير الدفاع الوطني والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بينما الفاعل الأساسي في رسم التوازنات داخل أقوى المؤسسات في البلاد هو قيادة الجيش التي توسع نفوذها بشكل لافت منذ وصول تبون إلى السلطة.
ويتكون جهاز الاستخبارات من ثلاث مديريات الأولى للأمن الداخلي والثانية للأمن الخارجي والثالثة لأمن الجيش، إلى جانب دائرة أخرى تشتغل على الأمن الإلكتروني من المرجح أن تستقل بنفسها كباقي المديريات الأخرى.
ومنذ تنحية المدير السابق لجهاز الاستخبارات الجنرال محمد مدين (توفيق) عام 2014، من طرف الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، في إطار الصراع القائم حينها بين الجهاز والرئاسة، لم تعرف الاستخبارات الجزائرية استقرارا بسبب الصراعات الداخلية التي أخرت بلورة رؤية جديدة لتسييره.
وحاول حينها الرجل القوي في السلطة سعيد بوتفليقة، الموجود في السجن حاليا، إنهاء هيمنة قطب الجنرال توفيق على الجهاز، وتعيين منسق عام له يشتغل تحت وصاية رئاسة الجمهورية وتعلق الأمر بالجنرال بشير طرطاق، الموجود بدوره في السجن حاليا، غير أن انتهاء فورة الشارع الجزائري في 2019 إلى الإطاحة بالرئيس بوتفليقة، وقدوم قيادة جديدة للمؤسسة العسكرية يديرها قايد صالح، نزعا وصاية جهاز الاستخبارات من مؤسسة الرئاسة وجعلاها تحت وصاية قيادة الأركان.
وتم حل منصب المنسق العام مع الإبقاء على مديرين فقط يؤدون عملهم مع الرجل الأول في المؤسسة العسكرية، كما أعاد إلى أفراده مهام وصلاحيات نزعت منهم في السابق، وهي الضبطية القضائية والتحقيق في مختلف قضايا الفساد والأمن والإرهاب.
وإذ استعادت القيادة العسكرية الهدوء في الحركة الداخلية لضباط وكوادر المؤسسة بعد موجة التغييرات التي فتحت منذ العام 2018 ولم تتوقف إلا برحيل الجنرال قايد صالح، حيث جمعت كل الترقيات والتعيينات والإحالات على التقاعد في التقليد السنوي المتمثل في ذكرى الاستقلال الوطني المصادف للخامس من يوليو من كل عام، فإن عدم مداومة الرجلين على رأس المديريتين يوحي بأن الجهاز لا زال بعيدا عن الاستقرار المنشود.
وكان اللواء جمال كحال عيّن في مديرية الأمن الخارجي في شهر مايو الماضي فقط، خلفا للجنرال محمد بوالزيت الموجود حاليا في السجن العسكري بتهمة العمالة للخارج، بينما قاد عبدالغني راشدي الأمن الداخلي منذ أبريل 2020.
استقدام كحال خطوة باتجاه تثبيت مشروع لمّ الشمل الذي لم يحظ بتأييد القيادة السابقة للمديرية
وتعتبر مديرية الأمن الداخلي الدائرة الأكثر أهمية وثقلا في جهاز الاستخبارات خاصة خلال السنوات الأخيرة، لاسيما مرحلة ما بعد الحراك الشعبي، حيث أوكلت لها العديد من المهام والصلاحيات للتعاطي مع الاحتجاجات الشعبية وإفراغها من محتواها السياسي وملاحقة الناشطين والمعارضين، خاصة فيما يتصل بنشاط حركتي “ماك” الانفصالية و”رشاد” الإسلامية، اللتين صنفتا ضمن التنظيمات الإرهابية التي تطبق عليها نصوص مشددة عدّلت مؤخرا.
وتذكر مصادر متابعة أن استقدام جمال كحال من الأمن الخارجي إلى الأمن الداخلي، جاء لخصائص شخصية للرجل فهو ضابط متمرس وصاحب كاريزما قوية، رأت فيه قيادة الجيش الرجل المناسب لفرض الانسجام والانضباط داخل المديرية بعد ظهور عدم تنسيق بين بعض المصالح في التعاطي مع مختلف الملفات الأمنية والاستخباراتية.
ولا يستبعد أن يكون استقدام الرجل خطوة من طرف السلطة لتثبيت مشروع لمّ الشمل الذي لم يحظ بتأييد القيادة السابقة للمديرية، حيث تتحدث تقارير عن عرقلتها للمشروع وهي ترى أن الخطوات المتخذة فيه إلى حد الآن غير مقنعة للشارع وللمعارضة.
وقد سبق لقيادة الأمن الخارجي، حين كان على رأسها جمال كحال، أن فتحت قنوات اتصال مع شخصيات وناشطين معارضين في الخارج، خاصة المنتسبين إلى قدماء جبهة الإنقاذ الإسلامية لإقناعهم بالانخراط في المشروع، غير أن ممارسات مديرية الأمن الداخلي بقيادة اللواء السابق عبدالغني راشدي عرقلت المسعى باستمرارها في استهداف معارضي السلطة.
وما زال مصير قيادة الجهاز وصلاحيته مبهمين، بين العودة إلى خيار المدير العام كما كان معمولا به قبل العام 2015، أو العمل بنمط المنسق العام خلال السنوات الأخيرة لحكم بوتفليقة، أو الإبقاء على المديرين الفرعيين كما كان أثناء حقبة الجنرال قايد صالح، خاصة في ظل الصراع الخفي بين رموزه لاسيما بعد عودة صقوره القدماء إلى بعض المناصب المهمة، حيث تحاول كل جهة الاستحواذ على قيادته.