العاهل المغربي يكرس الرافد العبري كمكوّن للثقافة المغربية

اردان ماجدة

أعلنت الرباط أنّ العاهل المغربي الملك محمد السادس أقرّ الأربعاء تشكيل هيئات تنظيمية للطائفة اليهودية المغربية تهدف إلى “تدبير شؤون الطائفة” و”الاعتناء بتراثها اللامادي” بصفته “مكوّناً” لثقافة المملكة وتعزيز “ارتباط اليهود المغاربة المقيمين في الخارج ببلدهم الأصلي”.

وتأتي هذه الخطوة لتؤكد الاستمرار في المسار الذي اعتمده العاهل المغربي في تدعيم الخصوصيات الثقافية والدينية للمكونات المختلفة للشعب المغربي ضمن سياق أشمل يقوي صلتها ببلادها ويؤسس للتسامح في مواجهة موجات التشدد التي شهدتها المنطقة.

وقال الديوان الملكي في بيان أوردته وكالة الأنباء الرسمية إنّه في ختام أعمال مجلس الوزراء الذي انعقد استثنائياً برئاسة الملك محمد السادس في قصره بالرباط، عرض وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت “التدابير التي تمّ إعدادها تنفيذاً للتعليمات الملكية السامية بشأن تنظيم الطائفة اليهودية المغربية”.

وأضاف البيان أنّ “هذه التدابير تستمدّ روحها من الأمانة العظمى، التي يتولاها جلالة الملك، أمير المؤمنين، الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية لكلّ المغاربة على اختلاف عقائدهم الدينية، وتكريساً للرافد العبري كمكوّن للثقافة المغربية الغنيّة بتعدّد روافدها”.

التنظيم الجديد للطائفة أُعدّ بعد مشاورات موسّعة مع ممثّلي الطائفة اليهودية وشخصيات منتسبة إليها

ويبقى المغرب حالة نادرة في العالم العربي، إذ أن “هذا البلد لم يمح أبدا الذاكرة اليهودية” على ما تفيد زهور ريحيحيل أمينة المتحف اليهودي المغربي في الدار البيضاء الفريد من نوعه في المنطقة.

ويقدّر عدد أبناء الطائفة اليهودية المغربية المقيمين حالياً في المملكة بحوالي ثلاثة آلاف شخص، وهم بذلك أكبر طائفة يهودية في شمال أفريقيا على الرّغم من الهجرة الكبيرة لليهود المغاربة إلى إسرائيل في أعقاب قيام الدولة العبرية في 1948.

وجذور اليهود ضاربة في المغرب وقد زادت أعدادهم بقوة في هذا البلد في القرن الخامس عشر بعدما هربوا إليه إثر طردهم من جارته الأندلس (إسبانيا حاليّا) بالتزامن مع سقوط حكم المسلمين.

وفي نهاية أربعينات القرن الماضي ناهز عدد اليهود المغاربة المقيمين في المملكة الـ250 ألف شخص.

وبحسب بيان الديوان الملكي فإنّ التنظيم الجديد للطائفة أُعدّ “بعد مشاورات موسّعة مع ممثّلي الطائفة اليهودية وشخصيات منتسبة إليها”.

وينصّ التنظيم الجديد على تشكيل ثلاث هيئات، أُولاها “المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية” ومهمّته “السهر على تدبير شؤون الطائفة والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية الأصيلة”. وستنبثق عن هذا المجلس “لجان جهوية تقوم بتدبير القضايا والشؤون اليومية لأفراد الطائفة”.

والهيئة الثانية التي ستُشكّل بموجب التنظيم الجديد هي “لجنة اليهود المغاربة بالخارج” ومهمّتها “العمل على تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة”. وفي إسرائيل حالياً حوالي 700 ألف يهودي من أصول مغربية، وغالباً ما يحافظ هؤلاء على علاقات قوية مع بلدهم الأمّ.

Thumbnail

أمّا الهيئة الثالثة التي تَقرّر استحداثها بموجب التنظيم الجديد فهي “مؤسسة الديانة اليهودية المغربية” ودورها هو “السهر على النهوض والاعتناء بالتراث اللامادي اليهودي المغربي والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته”.

وأشاد مجلس الجالية المغربية بالخارج بالتدابير الملكية بشأن تنظيم الطائفة اليهودية المغربية، معتبرا أنها “خطوة أخرى على درب تعزيز مشاركة اليهود المغاربة بالخارج في الارتباط المكين بالهوية المغربية الغنية بكل روافدها الدستورية”. ورأى المجلس أن هذه المبادرة “آلية من شأنها تمكين اليهود المغاربة بالخارج من خدمة قضايا وطنهم الأم والدفاع عن مصالحه العليا”.

وسبق أن قام المغرب بخطوات أخرى لفائدة الطائفة اليهودية بالتزامن مع احتفاء المملكة بالهوية الإسلامية ضمن مقاربة نادرة في الشرق الأوسط تقوم على تدعيم الخصوصيات والاحتفاء بها كمكونات أساسية للهوية المغربية.

وسبق أن أدرجت وزارة التعليم المغربية منذ سنتين تاريخ اليهود المغاربة وثقافتهم في كتب المرحلة الابتدائية للمستويين الخامس والسادس حتى قبل إعلان أيّ تقارب مع إسرائيل، ما يؤكد أن الأمر ليس استثمارا لوضع سياسي وإنما هو جزء من رؤية وطنية مغربية جامعة.

وقال فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية والتعليم إنّ “إدراج الثقافة العبرية في المقررات الدراسية المغربية كان مقررا قبل استئناف العلاقات مع إسرائيل”.

وأضاف قائلا “الهدف هو أن يعرف التلميذ أن هذا الرافد العبري جزء من روافد الشعب المغربي.. وأن يُرفع اللبس من أدمغة التلاميذ بين اليهود المغاربة والسياسة أو الصراع العربي – الإسرائيلي”.

ووصف الأمين العام للجالية اليهودية في المغرب هذه الخطوة “الأولى في العالم العربي بأنها بمثابة تسونامي”. ورحبت جمعيتان يهوديتان مقرهما في الولايات المتحدة هما اتحاد السفرديم الأميركي ومؤتمر الرؤساء بهذا المسار.

Thumbnail
Thumbnail

وشددت المنظمتان في بيان نشرتاه حينها عبر تويتر على أن “السماح للتلاميذ في المغرب بمعرفة كامل تاريخهم على صعيد التسامح هو لقاح ضد التطرف”. وبعيد ذلك وقع وزير التربية المغربي مع جمعيتين يهوديتين مغربيتين اتفاق شراكة “لتعزيز مفاهيم التسامح والتنوع والتعايش في المؤسسات المدرسية والجامعية”.

وفي بادرة رمزية وقع الاتفاق في بيت الذاكرة في الصويرة، وهو متحف مكرس للتعايش بين اليهود والمسلمين، بحضور مستشار العاهل المغربي أندري أزولاي وهو يهودي كرس حياته للترويج للتسامح الديني.

ويظهر “الرافد اليهودي” للثقافة المغربية في فنون العمارة والطبخ والموسيقى وبات موجودا في المناهج الجديدة للتربية المدنية في المرحلة الابتدائية ضمن فصل مكرس للسلطان سيدي محمد بن عبدالله الملقب بمحمد الثالث (القرن الثامن عشر).

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: