صوّت أعضاء مجلس الأمّة الجزائري (الغرفة الثانية في البرلمان) بالغالبية لصالح مشروع قانون يحدد لأول مرة شروط استدعاء جنود احتياط لدعم الجيش في حال دعت الضرورة إلى ذلك، في محاولة من النظام الجزائري يبدو أنها تهدف إلى إشاعة أجواء الحرب.
وخلال جلسة علنية عقدها المجلس الأربعاء، خُصّصت لمناقشة القانون الذي قدمته وزارة الدفاع قبل أيام والتصويت عليه، تم التصويت بغالبية مريحة على القانون الذي يهدف إلى تسوية وضعية جنود الاحتياط.
وجاءت تزكية القانون بعد أيام من التصويت عليه بالغالبية في الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني).
وبعد تصويت غرفتَي البرلمان على هذا القانون، بقيت خطوةٌ واحدة لدخوله حيّز التطبيق، وهي توقيع رئيس الجمهورية عليه.
القانون هو توجه من النظام لإشاعة جو من الجاهزية لاستدعاء الاحتياط في خضم توتر العلاقات مع المغرب
وفي التاسع عشر من يونيو الماضي أقرّ مجلس الوزراء الجزائري مشروع القانون، حيث قال الرئيس عبدالمجيد تبون بالمناسبة إن “القانون يأتي في إطار رؤية استشرافية لحماية المصالح العليا للوطن بإمكانية تجنيد العسكريين الاحتياطيين والاستعانة بهم في كل الظروف، وفي إطار اللُحمة الوطنية التي تقتضي الذود والدفاع عن كل شبر من التراب الوطني”.
لكن مراقبين يرون أن القانون هو توجه من النظام الجزائري لإشاعة جو من الجاهزية والاستعداد لاستدعاء الاحتياط في خضم توتر العلاقات مع المغرب وخاصة بعد المناورات التي شارك فيها عدد من الدول على رأسها الولايات المتحدة ضمن ما عرف بعملية ” الأسد الأفريقي” قرب الحدود الجزائرية.
ويردد المسؤولون الجزائريون في كل مناسبة أن البلاد تواجه تهديدات أمنية حقيقية بسبب الوضع الأمني المتردّي في عدة دول مجاورة، بشكل يستدعي وضع الجيش في حالة تأهّب دائمة.
وكانت العلاقات قد توترت بين المغرب والجزائر على خلفية ملف الصحراء المغربية حيث عمدت الحكومة الجزائرية إلى قطع العلاقات في أغسطس الماضي فيما وجه عدد من القادة العسكريين الجزائريين تهديدات مبطنة إلى المغرب.
ويتضمّن نص القانون 68 مادة، تحدّد الفئات التي تُدرج في الاحتياط العسكري في فئتي العسكريين العاملين والمتعاقدين، وعسكريي الخدمة الوطنية (العسكرية).
وجاء في المادة الثالثة من القانون “تتمثل مهمة الاحتياط في تدعيم صفوف الجيش الوطني الشعبي للتصدي للتهديدات الداخلية والخارجية، طبقا للدستور والتشريع الساري المفعول”.
وورد في المادة 12 أن الفئات المعنية هي العسكريون الذين أنهوا الخدمة، وحدود السن لديهم هي “الضباط العمداء 70 سنة، الضباط السامون 65 سنة، الضباط الأعوان 50 سنة، ضباط الصف العاملون 60 سنة، ضباط الصف ورجال الصف المتعاقدون 50 سنة”.
وورد في المادة 13 أنه “يعدّ عاصياً ويتابَع أمام المحكمة العسكرية، عسكري الاحتياط الذي لم يلتحق بمكان تعيينه، في إطار التكوين والاعتناء بالاحتياط، وذلك بعد إعادة استدعائه واستلامه أمر إعادة الاستدعاء مرتين، ما عدا في حالة القوة القاهرة المبرّرة”.
وسبق للجزائر أن استدعت خلال الأزمة الأمنية في التسعينات جنود الاحتياط لدعم الجيش في ما سمّي “حملة مكافحة الإرهاب”، قبل تسريحهم بعد تحسّن الوضع الأمني.
لكن بعد انتهاء مهمتهم وجد جنود الاحتياط أنفسهم في وضع اجتماعي ومهني غامض خاصة بالنسبة إلى الذين تلقوا إصابات من قبل الجماعات الإرهابية فأصبحوا غير قادرين على العمل أو القيام بنشاطات مهنية توفر لهم مداخيل قارة.
وقد نظم العشرات من جنود الاحتياط الذين شاركوا في الحرب على الإرهاب في العشرية السوداء احتجاجات للتكفل بوضعياتهم، ويبدو أن السلطة لا تريد تكرار نفس المعضلة في المستقبل وذلك من خلال القانون المصادق عليه مؤخرا ومثل الحضور المتزايد لقيادة المؤسسة العسكرية بالجزائر في المشهد العام حالة تحوّل صريحة تمهد لأن تأخذ مكان الوعاء الاجتماعي للسلطة.
ورغم الانتقادات المستمرة لدور المؤسسة العسكرية المتصاعد في المشهد السياسي والاجتماعي في الجزائر منذ انتخاب عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد نهاية العام 2019، خاصة من قبل القوى المدنية واليسارية، يبدو أن الجيش مصر على جمع كل أوراق الحكم بيده.
وقد كرس الظهور المتنامي للمؤسسة في الواجهة الرسمية، خاصة منذ الاستعراضات الضخمة المنظمة على هامش الاحتفال بذكرى ستينية الاستقلال الوطني في الخامس من يوليو، وتبادل رسائل “الغزل” بين الرجل الأول في الدولة الرئيس تبون وقائد أركان المؤسسة العسكرية الفريق أول سعيد شنقريحة، حالة تناغم غير مسبوقة بين المؤسستين تتجاوز الحرج الذي خيم على العلاقة طيلة العقود الماضية، وتتجه إلى أن تتحول إلى وعاء اجتماعي صريح للسلطة.