يجمع خبراء على أن روسيا وأوكرانيا ستتوصلان في نهاية المطاف إلى اتفاق سلام لوقف الحرب، إذ أن الطرفين على وعي تام بأن “حرب الاستنزاف” لن تصب لصالح أي طرف خاصة روسيا التي تدرك جيدا أن الهدف من تدفق الأسلحة الغربية على كييف هو إضعافها. لكن الخبراء يستبعدون في ذات الوقت التوصل إلى سلام دائم.
من الصعب التنبؤ بالمسار الذي سوف تؤول إليه الحرب التي تشنها روسيا حاليا في أوكرانيا، إلا أن وضع القتال هناك يشير إلى أن أيا من الطرفين لن يكون قادرا على تحقيق النصر العسكري الحاسم الذي من شأنه أن ينهي النزاعات التي أدت إلى اندلاع الحرب.
ويقول كلينت ريتش المحلل السياسي في مؤسسة البحث والتطوير الأميركية (راند) إنه من الممكن من الناحية النظرية أن تتوصل أوكرانيا وروسيا إلى اتفاق لوقف القتال، ولكن السياسة المتبعة بين الجانبين، بالإضافة إلى قرون من تاريخ المواجهة، كلها أمور لا توحي بأنه سيكون هناك سلام دائم.
ويوضح ريتش أنه حتى إذا ما حققت روسيا أهدافها المتمثلة في تأمين نفوذها في جنوب شرق أوكرانيا، لن تتوفر للكرملين حكومة في كييف لدعم المصالح الوطنية الروسية. ولا يمكن لروسيا أن تحقق بصورة موثوقة التغيير الاستراتيجي الذي تنشده بدون السيطرة على العاصمة.
ويضيف ريتش أن روسيا اتهمت أوكرانيا بعدم تنفيذ اتفاقيات مينسك المبرمة في عامي 2014 و2015 من أجل إنهاء القتال القائم في دونباس، فهل ستثق الآن بعد أن قامت بتدمير البلاد في أن تلتزم حكومة كييف بأي اتفاق جديد؟ وهل ستكون لدى القادة في كييف أي ثقة في أي اتفاق سلام مع حكومة في موسكو لا تعترف بسيادتها وسلامة أراضيها؟ ويبدو أن الأمرين غير محتملين في الوقت الحاضر.
ويقول ريتش إن أوكرانيا جازفت في هذه الحرب بسبب طموحها في أن تكون جزءا رسميا لا يتجزأ من الغرب. وبعد أن قدمت مثل هذه التضحية الكبيرة، فإنه من غير المحتمل أن تتنازل عن تلك الرؤية، بغض النظر عن أي تسوية قد يتم الاتفاق عليها تحت الإكراه.
وفي حال وافقت أوكرانيا على مطالب موسكو المتعلقة بالبقاء على الحياد واستضافة القوات الأجنبية، فإن الحكومة والشعب في أوكرانيا سيكونان في عداء مع روسيا أكثر مما كانا عليه قبل اندلاع الغزو في فبراير الماضي. ومن المحتمل أن تستمر أوكرانيا في السير في ركاب الغرب، ومن المرجح أن تحاول الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة مواجهة النفوذ الروسي عن طريق دعم هذه الخطوة بكل السبل الممكنة.
ويتساءل ريتش “هل ستقبل روسيا هذه الحقيقة خلال الأعوام المقبلة ببساطة؟”، مجيبا أن الأمر “غير محتمل”. فبالنسبة إلى روسيا لا تتعلق هذه الحرب بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) فقط، ولكن الأمر يتعلق بتأمين نفوذها في أوكرانيا على المدى الطويل.
وعموما، لم تكن الغالبية العظمى من سكان أوكرانيا ترغب في الانضمام إلى حلف الناتو في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بل كانت الغالبية مهتمة بعلاقات البلاد السياسية والاقتصادية مع الغرب. وقد كان ذلك أيضا غير مقبول بالنسبة إلى الكرملين، وأسفر عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، وتأجيج روسيا للحركة الانفصالية في إقليم دونباس.
كما صور الكرملين للمواطنين الروس الغزو على أنه حرب ضد النازية. ومن الممكن أن يؤدي مثل هذا الخطاب إلى جعل التوصل إلى اتفاق تسوية مع الحكومة في كييف أمرا غير مقبول لاسيما بين أجهزة الأمن القومي الروسي.
وهناك في روسيا تصور يرى أن إبرام أي صفقة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيكون مدمرا بالنسبة إلى روسيا بوصفها قوة عظمى، وذلك رغم أن هذه الرواية لا تتوفر بها أفكار بشأن كيفية تحقيق روسيا لنصر كامل في ظل الظروف الحالية.
ويرى ريتش أن الوضع الحالي قد يؤدي في مرحلة ما إلى إبرام موسكو لصفقة مع حكومة زيلينسكي. إلا أن هذا لن يغير الهدف النهائي الذي يرغب الكرملين في تحقيقه وهو تشكيل حكومة أوكرانية صديقة تواصل تعزيز علاقاتها مع روسيا.
ويرى ريتش أنه من غير المرجح أن تنتهي هذه الحرب بالتوصل إلى تسوية سلمية لا تعالج المظالم السياسية الأساسية في قلب المواجهة بين أوكرانيا وروسيا، وهو الأمر الذي يتجاوز حياد أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا ووجود قوات أجنبية.
وأعلنت القوات الأوكرانية الثلاثاء أنها دمرت مستودعا للذخيرة تابعا للقوات الروسية الغازية في خيرسون، بينما قال مسؤولون محليون إن عدد قتلى الغارة الروسية على مبنى سكني في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا قد ارتفع إلى أكثر من 30.
وكان مبنى سكني في بلدة تشاسيف يار قد تعرض للقصف، حيث كثفت روسيا مرة أخرى هجومها على المدن والبلدات في شرق أوكرانيا في محاولة للسيطرة على منطقة دونباس بأكملها.
وقال بافلو كيريلينكو رئيس الإدارة العسكرية لمنطقة دونيتسك على قناته في تليغرام الثلاثاء إن 34 شخصًا على الأقل قتلوا وأصيب تسعة على الأقل في الهجوم، مشيرا إلى أنه من بين القتلى طفل. وأشار كيريلينكو إلى أن عمليات الإنقاذ جارية وأن خدمات الطوارئ قامت بإزالة حوالي 70 في المئة من الأنقاض.
السياسة المتبعة بين الجانبين بالإضافة إلى قرون من تاريخ المواجهة كلها أمور لا توحي بأنه سيكون هناك سلام دائم
ومن جانب آخر أفادت وكالة الأنباء الروسية الرسمية (تاس) الثلاثاء أن ستة أشخاص على الأقل لقوا مصرعهم في أعقاب سلسلة من الانفجارات الاثنين في نوفا كاخوفكا بمنطقة خيرسون الأوكرانية التي تحتلها روسيا.
ونقلت تاس عن فلاديمير ليونتييف رئيس الإدارة العسكرية والمدنية في منطقة كاخوفكا، أن الهجوم نفذته القوات المسلحة الأوكرانية.
وبحسب ليونتييف قُتل ستة اشخاص، مضيفًا أن هناك “العشرات من الجرحى”. وقال أيضًا إن العديد من الأشخاص مازالوا محاصرين تحت الأنقاض أو في منازلهم، مع نقل المصابين إلى المستشفى.
وقال مسؤولون أوكرانيون إن قواتهم دمرت مستودع ذخيرة في نوفا كاخوفكا في خيرسون. وقال سيرغي براتشوك المتحدث باسم إدارة أوديسا على تليغرام إن نوفا كاخوفكا فقدت الآن مستودع الذخيرة الخاص بها.
وأوضح بيان للجيش نُشر على فيسبوك “ضربت الطائرات الهجومية الأوكرانية مستودعات ذخيرة العدو بالقرب من سنيوريفكا وليوبيميفكا بمنطقة ميكولايف ثلاث مرات، إذ أطلقت طائرات هليكوبتر أوكرانية النار على نقطة قوة محصنة لروسيا بالقرب من مدينتي برافدين وأولكساندريفكا”.
ولفت البيان إلى تدمير الجيش الأوكراني “مدافع هاوتزر، و7 مركبات مدرعة وسيارات، بالإضافة إلى مستودع ذخيرة للقوات الروسية في نوفا كاخوفكا”.