يعود مشروع قانون الإضراب إلى واجهة النقاش مرة أخرى بعد تحديد الأيام القليلة المقبلة موعدا لمناقشة بنوده بين الحكومة والنقابات.
وتتحرك الحكومة لوضع حد لهيمنة النقابات وترى أن الظروف تغيرت وأن الوضع الاقتصادي المحلي والدولي لا يسمح بالتشريع للإضرابات وعرقلة مساعي المملكة لمجاراة الأزمة العالمية.
ويقول مراقبون محليون إن القانون الجديد لا يمكن أن يطلق أيدي النقابات ويفتح الباب أمام تنفيذ الإضرابات حسب مزاج المسؤولين فيها، مشيرين إلى ضرورة القطع مع مرحلة وقوف النقابات ضد المشاريع والبرامج الحكومية في المطلق، وكأنها حزب سياسي، بدل أن تكون شريكا اجتماعيا يساهم في تطوير الاقتصاد وتحسين أوضاع العمال.
ويلفت المراقبون إلى أن قانون الإضراب في حال تم إقراره لا يجب أن ينظر إليه من زاوية الحكومة الحالية سواء أكان مكسبا لها أم ضدها، وضرورة التعاطي معه كملف دولة من المهم أن يؤسس لعلاقة تقوم على الشراكة والتوافق مع جميع الفاعلين خدمة للاقتصاد المغربي، ويقطع مع رؤية قديمة ترى أن النقابة هي خصم للحكومة.
ولا يمكن أن يقبل الشارع المغربي أي قانون جديد يفتح الباب أمام فوضى الإضرابات خصوصا في ظل أزمة الجفاف والغلاء وضعف القدرة الشرائية ونسبة النمو المنخفضة التي يعرفها الاقتصاد المغربي في هذه المرحلة، والتي لا تسمح بأيّ احتقان اجتماعي.
وحذر هشام عميري الباحث في العلوم السياسية بجامعة الرباط، من أن القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب انتقل مما هو اجتماعي يهدف إلى صون كرامة العمال إلى ما هو سياسي، حيث أن النقابات أصبحت اليوم تلعب دور الأحزاب السياسية قصد معارضة سياسة الحكومة، وأن الحسابات السياسية هي من تعوق التنزيل الفعلي لهذا القانون.
وتقول الكونفدرالية العامة للشغل، أكبر نقابة بالمغرب، إن القانون الجديد يهدف إلى محاصرة الحركة النقابية والسماح لرجال الأعمال بالتحكم في مجال الشغل ومنحهم كل التسهيلات، وإنه يمنحهم الحق في إغلاق المعامل وتسريح العمال، مرتكزين على ما جاء في المادة 26 من القانون، أنه في حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون، يمكن لصاحب العمل أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة.
وقالت مصادر لـ”العرب” إن الحكومة تسعى للحفاظ على علاقة جيدة مع النقابات، واستمرار الحوار حول النقاط الخلافية خصوصا عقب توقيع الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي في الثلاثين من أبريل 2022 من أجل تأطير وضمان استمرارية الحوار الاجتماعي، دون المس بحق الإضراب الذي ينص عليه الدستور.
ويعتقد حمزة أندلوسي الباحث المغربي في العلوم السياسية أن النقاش حول مضمون قانون الإضراب هو حوار مستمر بين الطرفين الحكومي والنقابي، وذلك قصد إيجاد صيغة توافقية تضمن استمرارية المرفق العام وفي نفس الوقت لا تحد من الحقوق والحريات المرتبطة بالإضراب.
وأكد أندلوسي، في تصريح لـه، أنه في ظل التطورات التي يشهدها العالم وخصوصا في ميدان الشغل والاقتصاديات المرتبطة به إنتاجا وتوزيعا واستغلالا أضحت المسألة تتطلب ضبط هذا الحقل من أجل نجاعته وعدم تسييسه.
ولأن هذا القانون يتجاوز الحكومات ليدخل في اهتمامات الدولة ما دام يمس الأمن الاجتماعي والاقتصادي، فقد تم تأجيل البت فيه منذ العام 2016، كون الدولة لم تكن تحتمل أي تشنج قد يؤثر على السلم الاجتماعي.
وإذا كان الفصل 29 من الدستور المغربي يقر بأن “حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، مضمونة”، فإن مشروع قانون الإضراب المكون من 49 بندا، ينص في المادة 5 على أن “كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا”.
وقد اعتبر عميري في تصريح لـه أن القانون التنظيمي المنظم للحق في الإضراب من القوانين التنظيمية الوحيدة التي لم تقدر أي حكومة على تنزيله، وذلك نظرا لما يعرفه هذا القانون من إشكالات سواء على المستوى القانوني أو على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
وفي الوقت الذي تطالب فيه النقابات بإشراكها في صياغة مشروع القانون وتغيير عدد من بنوده، تقول الحكومة إنها نظمت لقاءات للتشاور والنقاش مع جميع النقابات، وأخذت بكل ملاحظاتها بشأن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط حق الإضراب وكيفية ممارسته، ولا بد أن يكون النقاش بشأن هذا المشروع بعيدا عن النقاش السياسي.
وتتحرك الحكومة المغربية لوضع حد لهيمنة النقابات من بوابة هذا القانون، حيث تم منح رئيس الحكومة الحق في وقف الإضراب ومنعه بقرار معلل، وحدد الحالات في الأزمة الوطنية الحادة والحرب والكوارث الطبيعية، وهو ما تعارضه تلك النقابات.
وبحسب المادة 13 من القانون فإنه في حالة الإضراب يُمنع على المضربين عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب أو احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها، وفي حال حدوث توقف مؤقت عن العمل خلال إضرابهم “لا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن مدة إضرابهم”.