ألّف الكاتب والصحافي البريطاني الشهير بيتر أوبورن كتابا عنوانه “مصير إبراهيم: لماذا يعدّ الغرب مخطئا في فهمه للإسلام”. ويجمع الكتاب تاريخ المواقف الأميركية والبريطانية والفرنسية تجاه الإسلام والمسلمين ويصوّر علاقة كانت شبه محكوم عليها بالفشل منذ البداية.
ويقول المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي، في تعليقه على الكتاب، إن “فشل الغرب في فهم الإسلام لم يكن نتيجة للمشاكل المتأصلة في جوهر الغرب أو جوهر الإسلام وإنما بسبب التحيّز والأفكار المسبقة. ويضيف القرن الحادي والعشرين إلى هذه الأسباب تسييس الدين وتسليحه على طرفي الصراع”.
ويوضّح كتاب أوبورن كيف أدت افتراضات السياسة الغربية وغير الغربية حول الإسلام -والتي تعكس مخاوف وتحيزات ونقاشات سابقة- إلى اتساع الفجوة بين الغرب والمسلمين وإلى كراهية الإسلام.
وبيتر آلان أوبورن هو صحافي ومذيع بريطاني. وهو المعلق السياسي الرئيسي السابق لصحيفة “الديلي تلغراف” التي استقال منها في أوائل عام 2015. وهو مؤلف كتاب “صعود الكذب السياسي” و”انتصار الطبقة السياسية” و”الهجوم على الحقيقة: بوريس جونسون” و”دونالد ترامب وظهور البربرية الأخلاقية الجديدة”، ويكتب عمودًا سياسيًا في “ميدل إيست آي” وعمود مذكرات في “بيلاين تايمز”.
وشغل منصب مفوض لجنة المواطنين للإسلام والمشاركة والحياة العامة. وحصل على جائزة كاتب عمود العام لجوائز الصحافة في عام 2012 وحصل عليها مرة أخرى في عام 2016.
وكان أوبورن، وهو من عائلة عسكرية محافظة سياسيا، متعمّقا في دراسة الفهم الغربي الخاطئ للإسلام، وصوّر مواجهات الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مع الإسلام والمسلمين، الذين كانوا في البداية إما رعايا يواجهون تجارب مختلفة جدا من الاستعمار أو عبيدا.
وعلى الرغم من اختلاف هذه التجارب على نطاق واسع، إلا أن الإسلام الذي لم يُمنح أتباعه في الكثير من الأحيان الاعتراف الكامل والمتساوي في المجتمع، قد عوّض الشيوعية في القرن الحادي والعشرين كعدو في حقبة ما بعد الحرب الباردة وما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حسب أوبورن.
وتسبب هجوم الحادي عشر من سبتمبر في حرب مفتوحة على “الإرهاب الإسلامي” لإعلاء راية الليبرالية والديمقراطية، كما تسبب في مقتل الآلاف من المدنيين والجنود في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والنيجر وبوركينا فاسو ومالي، دون نتيجة إيجابية، حيث لم تصبح أي من هذه البلدان ديمقراطية ليبرالية، ولم يتم القضاء على ما يسمى بالإرهاب الإسلامي.
ويكشف أوبورن، استنادا إلى بحث تاريخي مكثف وصحافة استقصائية، زيف الأساطير وتشويه الحقيقة. وأبرز بذلك موقفه في الجدل المتعلق بمسألة ما إذا كان الإسلام السياسي غير العنيف يشكل تهديدا. وتشكل المصطلحات التي أصبحت عصرية -مثل الإسلاموية والتطرف غير العنيف- حسب رأيه جزءا من المفردات التي طُوّرت لتشكيل صورة المسلمين ثقافيا.
واستنادًا إلى البحث التاريخي الدقيق والصحافة الشرعية المعاصرة التي تقوده كثيرًا إلى دول مزقتها الحروب ومناطق صراع دامية، يشرح أوبورن الأساطير والافتراءات والأكاذيب الصريحة التي ساهمت في هذا الفهم الخاطئ للإسلام والعنف المتزايد ضد المسلمين.
إنه يوضح كيف تتعمق الأكاذيب المختلفة، وكيف رأى العديد ممن يشغلون مناصب عليا في الحكومات الغربية أن الإسلام يحاول قلب القيم الليبرالية، وحتى تنديدهم بأن بعض المسلمين يتآمرون للسيطرة على الدول.
وخلال عقود صوّر الإسلام على أنه ضار منهجيا بالقيم الليبرالية، وهو في نزاع مع الهوية البريطانية أو الأميركية أو الفرنسية، وينشر العديد من المفكرين في تلك الدول خطابات ضد الإسلام.
ويقول أوبورن “بينما يدعي دوجلاس موراي -في كتابه الجديد ‘الحرب على الغرب: كيف تسود في عصر اللامعقول’ والذي صنفته ‘الديلي ميل’ البريطانية أفضل كتاب للعام الحالي- أننا نواجه حربًا على الغرب، تظل هذه المخاوف في الواقع مجرد صدى للمناقشات الماضية التي تحاول فهم الإسلام، حيث نستمر في تكرار نمط الجهل المتعمد على ما يبدو”.
ويعتبر موراي من منتقدي الإسلام بشكل متكرر، حيث يرى أن هناك “عقيدة الفاشية الإسلامية – الأصولية الخبيثة، التي استيقظت من العصور المظلمة لتهاجمنا هنا والآن”.
وبعد شن الهجمات القاتلة على المسلمين التي وقعت من البوسنة عام 1995 إلى الصين اليوم، بدأ أوبورن يفكك الأكاذيب الكامنة وراءها، ويفتح الطريق أمام تفاهم متبادل وأكثر وضوحًا وصدقًا ومن شأنه أن يفيدنا جميعًا على المدى الطويل.
ويقول دورسي إن كتاب أوبورن يعدّ مساهمة قيّمة ومهمة في النقاشات المتعلقة بالإسلاموفوبيا والإسلام السياسي والعلاقة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية والإسلام، وهي علاقة من المرجح أن تساهم في تشكيل النظام العالمي خلال القرن الحادي والعشرين. ويتضمن الكتاب قائمة ثرية تشمل عناوين أخرى تدل القراء الراغبين في أن يعرفوا أكثر عن مثل هذه العلاقات.