مازال ملف “الموظفين الأشباح” بالمغرب يثير المزيد من الجدل بعدما دعت الجمعية المغربية لحماية المال العام وزير الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات إلى فتح تحقيق حول تصريحات عمدة الرباط أسماء أغلالو المتعلقة بـ”الموظفين الأشباح”، وترتيب النتائج اللازمة قانونا عليها بشأن وجود 2400 “موظف شبح” في مجلس المدينة.
وطالب المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام في بلاغ توصلت “العرب” بنسخة منه الاثنين، الحكومة باتخاذ إجراءات عملية ضد الظاهرة بمختلف القطاعات والمرافق العمومية، لما تشكله من هدر جسيم للمال العام وتكريس لسياسة الريع.
وخلقت ظاهرة “الموظفين الأشباح” التي تطلق على موظفين بإدارات ومؤسسات حكومية يتلقون رواتب من دون عمل أو من دون حضور، جدلا حقوقيا وسياسيا قويا وصل إلى البرلمان ووزارة الداخلية، بعدما تم ربط هذا الموضوع بملفات الفساد الإداري والإثراء غير المشروع وتبديد المال العام.
ظاهرة “الموظفين الأشباح” التي تطلق على موظفين يتلقون رواتب من دون عمل أو من دون حضور خلقت جدلا حقوقيا وسياسيا قويا وصل إلى البرلمان
وفي تصريحات صحافية سابقة قالت أسماء أغلالو إن “بلدية العاصمة الرباط تتوافر على 3 آلاف و400 موظف، منهم ألف يشتغلون فعليا، والبقية ‘موظفون أشباح’ يتقاضون رواتب من دون أداء وظائفهم ومهامهم في الإدارة”.
ولا يوجد رقم مضبوط لـ”الموظفين الأشباح” في الإدارات والمؤسسات الحكومية بالمغرب، كما لم تستطع الحكومات المتتالية الحد من الظاهرة رغم القرارات والجهود المبذولة، كونها طالت عدة قطاعات في الرياضة والتعليم وامتدت إلى البرلمان، حيث سبق أن كشف رئيس مجلس النواب عن قائمة بأسماء “الموظفين الأشباح” الذين يتغيبون عن عملهم.
وحسب محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، فإن الظاهرة موجودة وتشكل جزءا من سياسة الريع في المغرب، وتجسد ضعف حكم القانون في علاقة الإدارة بالمواطن بشكل عام، وعلاقة الإدارة بالموظف بشكل خاص، لاسيما وأن الموظف العمومي تحكمه علاقة وظيفية مع المركز العمومي بمقتضاها يؤدي وظيفة مقابل راتب.
وقال محمد الغلوسي في تصريح لـه، “إننا نتحدث عن أشخاص يتقاضون رواتب دون تأدية أي مهام، بل إن هناك من الموظفين من يوجد خارج المغرب”، معتبرا أن قضية “الموظفين الأشباح” أصبحت ظاهرة في الإدارات العمومية، وهي ليست موضوعا للمزايدة، فهي قضية مجتمعية لها ارتباط بمعضلة الفساد وسياسة الريع، ومواجهتها تقع في صميم أخلقة الحياة العامة وبناء دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة.
وشرع المجلس الجهوي للحسابات في جهة الرباط – سلا – القنيطرة في مهمة تقييم نظام المراقبة الداخلية في البلديات التابعة لجهة الرباط بالتنسيق مع ولاية الرباط للبحث في قضية “الموظفين الأشباح” وجمع معطيات ومعلومات إضافية لإنجاز المهمة، داعيا مجلس جماعة الرباط إلى تمكين المجلس من الوثائق المطلوبة للقيام بمهامه.
وفي هذا الصدد شددت الجمعية المغربية لحماية المال العام على ضرورة تجاوب الحكومة والجماعات الترابية مع مطالب المجتمع في التنمية والعدالة والتوزيع العادل للثروة ووقف كافة مظاهر استنزاف المال العمومي من خلال شراء سيارات فخمة بأثمان مرتفعة تلبية لنزوات ورغبات نخب متلهفة للريع والفساد.
◙ بلاغ الجمعية المغربية لحماية المال العام طالب الحكومة بتجريم الإثراء غير المشروع ووضع مدونة لضمان الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص
وطالبت النقابة الوطنية للبلديات بالمغرب باتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لاسترجاع الرواتب التي صرفت لهؤلاء الموظفين لفائدة ميزانيات الجماعات، وتطبيق القانون من طرف الوزارة الوصية، واصفة ظاهرة “الموظفين الأشباح” المسكوت عنها بأنها مظاهر للريع وهدر المال العام والفساد الإداري.
وقال مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة إن “من تعهدات الحكومة إصلاح الإدارة على اعتبار أنها آلية من آليات تنفيذ البرنامج الحكومي ومحاربة الغش والفساد”، متعهدا بـ”إقرار مجموعة من الإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة، خاصة وأن الحكومة تمتلك اليوم فضاء مشتركا مع النقابات وهو فضاء الحوار الاجتماعي”.
وثمّن التنسيق النقابي الخماسي لبلدية الرباط الذي يضم الاتحاد المغربي للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والكونفدرالية العامة للشغل كل “خطوات المجلس الجهوي للحسابات ودوره الرقابي في تقييم المراقبة الداخلية للجماعة وكل المؤسسات الدستورية المخول لها البت في مثل هذه المواضيع ومحاربة الفساد التي لا يمكن أن تقتصر على بلدية الرباط فقط”.
وأجمع نواب عمدة الرباط على مساندتهم لجميع القرارات المتخذة من طرفها والمتعلقة بمحاربة الفساد الإداري والمالي، والقضاء على ظاهرة “الموظفين الأشباح”، وكذلك ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وطالب بلاغ الجمعية المغربية لحماية المال العام الحكومة بتجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، ووضع مدونة لضمان الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص، مع تجريم بعض الأفعال المرتبطة بالظاهرة من فساد ورشوة، على اعتبار أن بعض رؤساء البلديات يستعملون التوظيف كورقة انتخابية من أجل حشد الأنصار وكسب الأصوات خلال الانتخابات بتوظيف أشخاص دون تحديد طبيعة مهامهم.