أفادت دراسة حديثة بأن صادرات الجزائر من الطاقة ستتأثر في المستقبل بعدة معوقات، لكن الحكومة تنوي المراهنة بشكل كلي على النفط والغاز لاستعادة التوازن في حساباتها الاقتصادية، خاصة إثر الاكتشافات الأخيرة وتنامي الطلب العالمي على الطاقة مما يهدد باستنزاف المخزون والتحول تدريجيا إلى بلد مستورد للطاقة.
وذكرت دراسة أعدها الخبير ووزير الطاقة السابق عبدالمجيد عطار أن إنتاج وصادرات الطاقة الجزائرية تعترضهما عدة معوقات تتمثل أساسا في ارتباطه بنموذج استهلاكي يهيمن عليه الاستعمال المفرط للغاز الطبيعي، والموجه بالدرجة الأولى إلى القطاعات غير المنتجة، لاسيما الاستهلاك في المنازل والإدارات والجماعات المحلية، وارتفاع وتيرة الطلب الداخلي على الطاقة التي تبلغ في المتوسط 7 في المئة سنويا، لارتباطها بنظام دعم الأسعار لمختلف منتجات الطاقة، كالكهرباء والوقود والغاز، فضلا عن استنزاف المخزون الوطني من مواد الطاقة خاصة الغاز، الأمر الذي يفرض تسريع وتيرة برامج الطاقات المتجددة لتخفيف الضغط عن النفط والغاز.
وتزامن نشر الدراسة مع تصريحات أدلى بها مدير شركة سوناطراك توفيق حكار، على هامش الفعاليات القائمة بمناسبة ستينية الاستقلال الوطني، وتفيد بأن “إنتاج الطاقة ارتفع بنسبة 70 في المئة، وأن عائدات القطاع قدرت بأكثر من 21 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري”، وهي بيانات تعبر عن انتشاء الحكومة بالمكتسبات الجديدة في القطاع، وتبرز مدى مراهنتها عليه لاستعادة التوازن في الحسابات الاقتصادية المحلية.
النموذج الاستهلاكي للطاقة يهيمن عليه الاستعمال المفرط للقطاعات غير المنتجة، لاسيما الاستهلاك المنزلي والإداري
وتعزز القطاع في الآونة الأخيرة بالعديد من الاكتشافات التي وصفت بـ”الضخمة”، ويوفر أحدها ما مقداره عشرة ملايين طن من الغاز يوميا، الأمر الذي يزيد من حظوظ أن تحقق البلاد مكاسب آنية خاصة في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية وتنامي الطلب العالمي على مصادر الطاقة، لاسيما من القارة الأوروبية الباحثة عن بدائل عن الغاز الروسي.
وتسعى الحكومة الجزائرية إلى تفعيل مشروع خط الغاز الأفريقي – الأوروبي من نيجيريا إلى أوروبا مرورا بالنيجر والجزائر.
وقال وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب الأحد إن “بلاده تراهن على الخط المذكور لتوفير كميات جديدة للطلب العالمي بأسعار معقولة قياسا بكلفته الإنتاجية مقارنة بالمشروع الآخر الذي يكلف 30 مليار دولار قبل دخوله حيز الخدمة”.
ولفت عطار في دراسته التي نشرها موقع “الطاقة ” الأميركي إلى أن “الجزائر تتمتع في الوقت الراهن بثلاثة عوامل رئيسية لضمان أمن الطاقة؛ (…) مصادر الطاقة، والإمكانات الكبيرة من الإنتاج والتوزيع، وتوفر الأسواق”، لكن ذلك لا يحجب مصير هذه الوضعية خلال السنوات المقبلة، وإمكانية دخول عوامل جديدة قد تتسبب في تراجع صادرات الجزائر من النفط والغاز.
وأشار إلى أن “التوجّه العالمي الحالي يسير في سياق تحول النموذج الطاقوي، وتسعى من خلاله كل دولة للاعتماد على النموذج الأكثر فائدة بالنسبة إليها، وهو ما يؤثر -ضمن المعادلة العالمية في العرض والطلب- على مصادر الطاقة، ومن ثم السعر”.
ولفت إلى أنه “في الوقت الذي تمثّل فيه الطاقة المتجددة في العالم نحو 13 في المئة وتعتمد 56 في المئة على المحروقات التقليدية (النفط والغاز) و27 في المئة على الفحم، و4 في المئة على الطاقة النووية، ترتفع نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة في الدول المتقدمة لتصل إلى 34 في المئة و30 في المئة للغاز الطبيعي، وهي الأرقام التي تعكس المنحنى الذي يتخذه مسار الطاقة العالمي في الوقت الراهن”، مضيفا “أن بيانات شركة النفط البريطانية ‘بي بي’ أشارت إلى أن الهيدروجين سيكون حاسما خلال الـ30 سنة المقبلة، خاصة في قطاعات النقل والأشغال العمومية والبناء”.
ويعد عبدالمجيد عطار واحدا من الكفاءات الجزائرية في مجال الطاقة، حيث سبق له أن شغل عدة مناصب عليا في القطاع، على غرار رئاسة شركة سوناطراك ووزارة الطاقة، غير أنه تم الاستغناء عنه في الحكومة السابقة بسبب رؤيته غير المتوافقة مع السلطة.
19مليون طن (135 مليون برميل) معدل استهلاك الجزائر للوقود عام 2030
واستدل الوزير السابق على تحدي الاستهلاك الداخلي وإسهامه في إرباك مستقبل الطاقة في الجزائر ببيانات أشارت إلى أن الاستهلاك الداخلي للغاز بين 2017 و2019 شهد ارتفاعا يقدر بـ80.6 في المئة تليه الكهرباء بزيادة تقدر بـ78.2 في المئة ثم منتجات النفط بارتفاع يقدر بـ51.5 في المئة وبعدها غاز النفط المسال.
وكشفت الدراسة عما أسمته “المفاجأة “، المتمثلة في أن القطاعات الأكثر استهلاكا للطاقة في الجزائر “هي القطاعات غير المنتجة، أي المنازل”؛ إذ ارتفع استهلاكها للطاقة “بين عامي 2017 و2019 بما يزيد عن 64 في المئة، وبعدها قطاع النقل الذي شهد قفزة كبيرة من حيث الاستهلاك بلغت 139 في المئة، وفي المرتبة الثالثة الصناعة والأشغال العمومية”.
وشدد عبدالمجيد عطار على ضرورة إعطاء الأولوية للاستهلاك قبل التفكير في صادرات الجزائر من النفط والغاز، إذ تتجه المعادلة نحو الانقلاب رأسا على عقب؛ ففي سنة 1980 بلغت نسبة الصادرات 80 في المئة ولم يشكل الاستهلاك المحلي سوى 20 في المئة، وارتفع الاستهلاك بشكل طفيف سنة 2005 إلى 21 في المئة، غير أنه بلغ في 2019 ما نسبته 42 في المئة.
وخلصت الدراسة إلى أنه مع نمو الاستهلاك المحلي من المتوقع ألا تفوق صادرات الجزائر من النفط والغاز في عام 2033 نسبة 10 في المئة، في حين تتجه 90 في المئة من الإنتاج نحو تغطية الاحتياجات الداخلية، وتوقعت ارتفاع استهلاك الجزائر للوقود من 15.2 مليون طن (108 ملايين برميل) من النفط في 2019 إلى 19 مليون طن (135 مليون برميل) بحلول عام 2030.