يزخر المغرب بثروات معدنية هامة، وفضلا عن الفوسفات الذي تتوفر المملكة على 75% من الاحتياطي العالمي منه، توجد بالبلاد مناجم معدنية أخرى كالحديد والرصاص والفضة والزنك والنحاس وغيرها في مختلف الجهات يوجه إنتاجها بصفة أساسية للتصدير.
وحسب تقرير الثروة الإجمالية الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، فقد ساهم قطاع المعادن بنسبة 8.3% في متوسط قيمة الصادرات الوطنية ، إلا أنه لم يساهم إلا بأقل من 1% من فرص العمل.
وبلغت الثروة المعدنية بالأسعار الثابتة عام 2013 نحو 163 مليار درهم (17.7 مليار دولار).
خارج التنمية
وتتوزع الثروات المعدنية بالمغرب فيما يسمى بالهامش المغربي، وهي مناطق رغم توفرها على ثروات هائلة فإنها تعيش خارج التنمية وتتقاسم ثنائية متناقضة وهي الثروة والهشاشة، ومن هذه المدن خريبكة (الفوسفاط) وميسور (الغاسول) وإميضر (الفضة) والناظور (الحديد) وميدلت (الرصاص والزنك) وورزازات (الكوبالت) وزاكورة (النحاس) وغيرها.
ويعاني سكان البلدات القريبة من المناجم من الأمراض الناتجة عن التلوث، وقد يموت بعضهم وهم يستخرجون المعادن بطريقة عشوائية، مثلما يحدث في ضواحي مدينة ميدلت (وسط) حيث يعرض مواطنون أرواحهم للخطر وهم ينقبون في مناجم مهجورة منذ الثمانينيات.
وتشتهر جرادة بالفحم الحجري رغم إغلاق شركة مفاحم المغرب منذ نحو عشرين سنة، وحسب الناشط الحقوقي والفاعل الجمعوي بالمدينة ياسين بويركل فإن الدولة منحت رخص استغلال الفحم الحجري لعدد من الشركات تقوم بموجبها بعمليات التنقيب والاستخراج والبيع.
ويقول بويركل إن هذه الشركات تخالف القانون وتكتفي بشراء الفحم من عمال عشوائيين يستخرجونه من الآبار دون حماية أو تأمين بمبلغ يتراوح بين ثلاثين درهما (ثلاثة دولارات) وستين درهما (ستة دولارات) للقنطار، في حين تبيعه بمبلغ يتراوح ما بين ستمئة درهم (65.2 دولار) وألف درهم (108.7 دولارات) للقنطار.
ويشير الناشط الحقوقي إلى أن هذا الاستخراج العشوائي وغير القانوني للفحم أسفر عن مقتل حوالي 44 شخصا خلال العقدين الأخيرين، إضافة إلى وفاة آخرين بسبب مرض السيليكوز الناجم عن استنشاق غبار الفحم.
إرث استعماري
وشهدت إميضر -وهي جماعة قروية تقع أقصى الجنوب الشرقي- احتجاجات عديدة منذ العام 2011 للمطالبة بتنمية المنطقة.
ففي هذا التجمع القروي يقع واحد من أكبر مناجم الفضة في أفريقيا حيث يستخرج حوالي ثلاثمئة طن من الفضة سنويا، إلا أن الساكنة تعيش وضعا مأساويا حسب رئيس جماعتها إبراهيم العمراني.
ويوضح العمراني أن نسبة الفقر والهشاشة في هذه القرى تبلغ نحو 44%، كما أنها تعرف نزيفا سكانيا، إذ غادرتها نحو 104 أسر ما بين 2011 و 2014 بسبب ضعف البنية التحتية.
ويقول إن أرباح المنجم تذهب للشركة، والضرائب لخزينة الدولة، ولا تحصل الجماعة القروية إلا على 35 ألف درهم (3805 دولارا).
ويضيف أن السكان سئموا من مشاهدة الثروة الباطنية تغادر المنجم عبر الشاحنات ولا يصلهم منها إلا الأمراض والتلوث والفقر واستنزاف الفرشة المائية.
ويرى الخبير الاقتصادي المهدي لحلو أن جذور هذه المفارقة تعود إلى المرحلة الاستعمارية حين كان المغرب مقسما إلى مغرب نافع وآخر غير نافع ، ويوضح أن الاستغلال “المتوحش” لهذه الموارد الطبيعية أدى إلى القضاء على الأراضي الفلاحية وتلويث البيئة وظهور أمراض سرطانية في صفوف المواطنين.
وبعد أن أشار إلى أن الدولة تركز تدخلاتها الاجتماعية والاقتصادية في المدن الكبرى خصوصا محور الدار البيضاء الرباط، قال لحلو إن الجماعات الترابية لا تقوم بدورها فيما يتعلق بالتنمية المحلية والجهوية لأسباب عدة منها عدم الاعتراف بدورها أو افتقارها للموارد الضرورية أو بسبب المسؤولين المحليين الذين لا تهمهم قضايا التنمية، وفق تعبيره.
ويشير إلى أن مشروع “الجهوية المتقدمة” الذي أطلقه المغرب عام 2010 من شأنه تحقيق التوزيع العادل للثروات، إلا أن هذا المشروع لم يطبق إداريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا.