لماذا واجه المغرب اقتحام المهاجرين الأفارقة لسياج مليلية؟

التليدي

قبل سنة، وتحديدا في السابع عشر من مايو 2021، تعمق التوتر في العلاقات المغربية الإسبانية، إثر اقتحام أزيد من 8000 مهاجر غير نظامي سياج سبتة، وتمكنهم من الدخول للمدينة، فسارعت مدريد إلى اتهام المغرب باستعمال ورقة الهجرة السرية لابتزازها، وبخرق مقتضيات الشراكة معها ومع الاتحاد الأوروبي، وعملت على استصدار موقف أوروبي يدين تصرف المغرب ويندد به.
قبل أيام، تكرر الحادث بشكل أكثر درامية، وأقدم حوالي 2000 مهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء، على اقتحام سياج مليلية، ونجح حوالى 130 منهم للوصول إلى المدينة، في حين صدرت تصريحات من رئيس وزراء إسبانيا السيد بيدرو سانشيز تثمن الجهود الأمنية المغربية في التصدي للهجرة السرية، وتؤكد على مركزية الشراكة بين مدريد والرباط، وتتهم لوبيات المافيا الدولية في الاتجار بالبشر بالضلوع في افتعال هذا الحادث.
السياق تغير بدون شك، فالعلاقات التي كانت متوترة السنة الماضية، صارت في مسار متقدم، بعد تغير موقف مدريد من قضية الصحراء وحرصها أكثر من أي وقت مضى على تعزيز شراكتها مع الرباط.
في صيف السنة الماضية، كان أغلب المهاجرين مغاربة، وكان منهم قاصرون، واتهمت مدريد السلطات الأمنية المغربية بالتواطؤ في تسهيل عملية الهجرة السرية، في حين، لم ترشح أي معطيات تفيد بوجود مغاربة ضمن المهاجرين الأفارقة الذين قاموا بعملية اقتحام سياج مليلية، ووثقت مقاطع الفيديو سجلها الجانب المغربي والإسباني، الجهود الأمنية التي بذلت من أجل منع وصول المهاجرين إلى مليلية وحجم الإصابات التي تعرض لها هؤلاء في سبيل تأمين مدينة مليلية من وصول المهاجرين إليها.
في السنة الماضية، تعالى صوت المغرب بنقد السياسة الأوروبية في الهجرة، مستنكرا الطريقة التي يفهم بها الأوروبيون مفهوم الشراكة، ومبينا بأن المقاربة الأمنية التي يركزون عليها في تدبير قضية الهجرة، لن تحل المشكلة، بل ستزيدها تعقيدا لسبب بسيط، لأنها تنظر للمغرب باعتباره دركي أوروبا، وتختصر مشكلة الهجرة في دول المصدر ودول العبور.
هذه السنة، أضحت مدريد على لسان رئيس وزرائها، وسيطا موثوقا يدافع عن وجهة نظر المغرب لدى الاتحاد الأوروبي. نطرح هذه المقارنة مع ما بين السياقين من فروق شاسعة، وذلك لفهم المتغيرات التي حدثت، والمكاسب التي حققها المغرب من جراء عودة علاقاته مع مدريد.

المغرب لم يغير تعريفه للشراكة مع أوروبا، وبقي متمسكا بمقاربته في التعاطي مع الهجرة، وبنقده للسياسة الأوروبية بهذا الخصوص. الشيء الذي تغير هو علاقته بمدريد، ونجاحه في أن يجعلها على سكة شراكة استراتيجية آخذة في التقدم

عمليا، وقبل مباشرة عملية تفسير المتغيرات، لا بد أن نسجل في حساب الربح والخسارة، تحقيق المغرب لخمسة مكاسب، وخسارة واحدة من حادث اقتحام سياج مليلية.
يتمثل المكسب الأول، في تصريحات المسؤولين الإسبان التي ثمنت الجهود الأمنية، وأكدت مصداقية الجانب المغربي في مكافحة الهجرة غير النظامية.
أما المكسب الثاني، فيتمثل في نجاح المغرب في تلافي أزمتين اثنتين، الأولى مع إسبانيا والاتحاد الأوروبي، والثانية مع الدول الإفريقية. فكما سبق في المقارنة السابقة، فقد تعرض المغرب لنقد شديد في السنة الماضية على خلفية اقتحام سياج سبتة واتهم باستعمال ورقة الهجرة للابتزاز السياسي، وزادت العلاقات المغربية الإسبانية توترا بسبب هذه الأزمة. أما بخصوص العلاقات مع الدول الإفريقية، فقد عقدت وزارة الخارجية والتعاون لقاء بمقرها بالرباط جمعت له ممثلي السلك الدبلوماسي الإفريقي بالرباط، وأطلعتهم على حيثيات الحادث بمقاطع فيديو موثقة، وخرج ممثل السلك الدبلوماسي الإفريقي، سفير الكاميرون، محمدو يوسفو، بتصريح أعرب فيه عن تثمين المجموعة الإفريقية لسياسة المغرب حول الهجرة، ولمبادرة تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين (2013)، وندد فيه أيضا بعملية الاقتحام، مؤكدا وقوف الدبلوماسيين الأفارقة-كما في الماضي-إلى جانب السلطات المغربية لوضع حد لهذا الوضع.
صحيح أن الاتحاد الأفريقي أدان الطريقة العنيفة التي تم بها التعاطي مع عملية الاقتحام، وطالبت الأمم المتحدة بإجراء تحقيق شفاف في الموضوع، لكن، في الجوهر، ورغم ما خرجت به الأمم المتحدة من شجب للعنف المفرط المستعمل من قبل البلدين في حق المهاجرين الأفارقة، إلا أنه لم يسجل أي أثر سلبي على العلاقات المغربية الإفريقية.
المكسب الثالث، ويتعلق بوحدة التقييم الذي اشترك فيه الجانب المغربي والإسباني، وتفسير الحادث بمخططات مافيات دولية للاتجار في البشر، تعبر الحدود المغربية من جهة الشرق. هذا التقييم، وإن كان لا يسمي الجهة التي تقف وراء هذه المافيات، إلا أن مجرد الإشارة إلى الحدود الشرقية، وقرار السلطات المغربية مضاعفة حضور قواتها المسلحة فيها يكشف عن أهمية هذا التقييم، وأثره السياسي.
أما المكسب الرابع، فيتعلق في نجاح المغرب في أن يجعل من مدريد معبرا عن رؤيته السابقة للهجرة ومدافعا عن مطالب المغرب لدى الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص، فقد عبر رئيس الوزراء الإسباني في تصريحات حديثة، عن أن مشكلة الهجرة معقدة، وأن المقاربة الأمنية لم تعد قادرة على الجواب عنها، وأن المشكلة لا توجد في دول العبور، وإنما توجد في دول المصدر ودول الوصول، وأن حلها يتطلب أن يضطلع الاتحاد الأوروبي في دعم التنمية في دول المصدر حتى يشجعها على توفير فرص شغل تضمن الاستقرار للمهاجرين المحتملين، وأيضا دعم دول العبور حتى تضطلع بدورها في محاربة هذه الظاهرة.
المغرب، اليوم، لن يكون بحاجة إلى بسط رؤيته حول الهجرة، ولا لنقد سياسة الهجرة الأوروبية، ولا للمطالبة بمزيد من الدعم حتى يوفر الإمكانات التي تؤهله للقيام بدور أمني مهني للتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، فمدريد تقوم بهذا الدور بدلا عنه، وحادث اقتحام سياج مليلية بتداعياته الخطيرة على الأمن الأوروبي، يمثل حجة قوية في الإقناع بضرورة مراجعة السياسة الأوروبية للهجرة.
ويبقى المكسب الخامس، أن أحدا من دول الاتحاد الأوروبي، لم يتهم المغرب بالتخطيط للحادث، ولا حتى التساهل معه، بله اتهامه باستعمال ورقة الهجرة للابتزاز السياسي للاتحاد الأوروبي.
الخسارة التي تكبدها المغرب وإسبانيا في هذا الحادث، هو السمعة الحقوقية في شكل التعاطي مع المهاجرين. فقد كان عدد القتلى (23 قتيلا) والمصابين (مئات الجرحى)، فضلا عن شكل التعامل، مؤشرات كافية لإدانة الاستعمال المفرط للقوة في حق المهاجرين.
المغرب حاول أن يبرر سلوك قواته الأمنية بمقاطع فيديو تثبت الطابع العنفي للمهاجرين، وهجومهم على قوات الأمن ورميهم بالحجارة، لكن، هذه الحجة، حتى ولو كانت قوية، فإنها تضعف أمام الحصيلة المؤلمة التي سجلها الحادث.
بين العام الماضي وهذا العام، نسائل المتغيرات التي تفسر كيف خرج المغرب من دائرة الاتهام إلى دائرة الإشادة، على الأقل بالنسبة إلى الشريك الإسباني والأوروبي، وكيف نجح في تأمين علاقاته مع مدريد والاتحاد الأوروبي وأيضا مع الدول الإفريقية، وكيف كسب مدافعا قويا عن رؤيته للهجرة، وعن مطالبه للتصدي لها، وكيف نجح في لفت الانتباه إلى وجود جهات دولية أو إقليمية، تلعب بورقة الأمن الأوروبي لإفساد علاقة الرباط بشركائها الأوروبيين والأفارقة؟
المغرب لم يغير تعريفه للشراكة مع أوروبا، وبقي متمسكا بمقاربته في التعاطي مع الهجرة، وبنقده للسياسة الأوروبية بهذا الخصوص. الشيء الذي تغير هو علاقته بمدريد، ونجاحه في أن يجعلها على سكة شراكة استراتيجية آخذة في التقدم.
هذه العلاقة التي تم إصلاحها، والأسس الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية التي بنيت عليها، بدون شك، هي التي لعبت هذه الأدوار، وجعلت المغرب يتحول بين سنة وأخرى، من متهم باستعمال ورقة الهجرة للابتزاز السياسي لأوروبا، إلى شريك موثوق به، يستحق أن يُستَمَعَ لوجهة نظره، لتعديل سياسة أوروبية حول الهجرة، كانت تقوم أساسا على فكرة تأمين القارة العجوز، من غير نظر في الشروط الموضوعية اللازمة، والاستراتيجية المندمجة المطلوب اعتمادها لدعم التنمية في دول المصدر، وأيضا دعم دول العبور لتمكينها من المؤهلات اللازمة للتصدي للهجرة غير النظامية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: