سلطت المأساة التي شهدتها مليلية الضوء مجددا على جهود المغرب للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية والتصدي لمافيات الاتجار بالبشر وغيرها، وهي جهود تحتاج وفقا لسياسيين ونواب أوروبيين ومغاربة على حد السواء إلى الكثير من الدعم.
دفعت مأساة مليلية التي راح ضحيتها 23 مهاجرا سياسيين ونوابا أوروبيين إلى إطلاق دعوات لدولهم وللتكتل الأوروبي، من أجل تقديم الدعم اللازم للرباط في الدور الذي تضطلع به في مواجهة ملف الهجرة غير النظامية.
وتفاعلا مع تداعيات عملية الاقتحام الجماعي للسياج الحديدي على مستوى مدينة مليلية المحتلة، والتي تسببت في تزاحم كبير وحالات سقوط مميتة من أعلى السياج، أكد النائب الأوروبي توماش زديكوفسكي، الذي دعا إلى دعم جهود المملكة، أن “الاقتحام المكثف لـ2000 مهاجر ينحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء دليل آخر على أن المغرب شريك موثوق للاتحاد الأوروبي يعاني كذلك من ضغط الهجرة”.
ودعا نائب رئيس تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا بالبرلمان الأوروبي النائب البلغاري إلهان كويتشيوك، إلى دعم “سياسة الهجرة الإنسانية التي ينهجها المغرب في أفريقيا”.
وكتب كويتشيوك في تغريدة على تويتر “علينا دعم المغرب باعتباره شريكا استراتيجيا رئيسيا وموثوقا بالنسبة لأوروبا في مجال التصدي للتهريب والمافيات ومراقبة الهجرة غير الشرعية”.
وفي تعليقه على جهود المغرب في هذا المجال، دعا رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى تقديم الدعم للمملكة المغربية، التي تعاني من تداعيات ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
خالد الشرقاوي السموني: المغرب يحتاج إلى الدعم نظرا لتقديمه أجوبة لإشكالية الهجرة
وأكد سانشيز، الذي حل ضيفا على برنامج “هوي بور هوي” على إذاعة “كادينا سير”، أن “المغرب، كبلد عبور، يعاني من إشكالية الهجرة غير الشرعية، وعلينا مساعدته في التصدي لمافيات الاتجار بالبشر والتحكم في تدفقات الهجرة”.
ولكون المغرب بلدا موثوقا في مجال مكافحة شبكات الهجرة غير النظامية، أكد لحسن حداد، رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، أن “المملكة توظف مواردها الخاصة لحراسة حدودها والتعاون مع أوروبا وأفريقيا من أجل تدبير أفضل لتدفقات الهجرة”.
وأبرز حداد في رسالة إلى نظراء اللجنة بالبرلمان الأوروبي أن “المغرب ينفق نصف مليار أورو سنويا لمكافحة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، بينما لا تتجاوز مساعدة الاتحاد الأوروبي للمغرب في هذا الصدد ما مجموعه 270 مليون أورو لفترة إجمالية مدتها 15 سنة، أي بمتوسط لا يتعدى 15 مليون أورو في السنة”، مشيرا إلى أن مكافحة الهجرة غير النظامية تتطلب موارد وشراكة حقيقية.
وقال رئيس الحكومة الإسبانية إن “مأساة الهجرة غير النظامية معقدة، ولا يمكننا النظر إليها من وجهة نظر واحدة. ينبغي تحليل الظاهرة وفق مقاربة شاملة وأفقية”، مبرزا أن “إسبانيا والاتحاد الأوروبي مدعوان إلى زيادة المساعدات التنموية لبلدان المنشأ والعبور التي تعاني من هذه الظاهرة”.
وفي إطار عمل لجنة الجوار والتنمية والتعاون الدولي التابعة للاتحاد الأوروبي، سيتم البحث عن آلية جديدة لوقف الهجرة غير النظامية إلى أوروبا ومنع ومكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بهم، بما قد يشمل تخصيص 9 مليارات دولار لجهود إدارة الهجرة.
وأكد مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية خالد الشرقاوي السموني أن ”المغرب يحتاج إلى الكثير من الدعم نظرا لانخراطه في تقديم أجوبة لإشكالية الهجرة، وذلك في إطار مسار استراتيجي حقيقي يأخذ بعين الاعتبار البعدين الحقوقي والإنساني، وكانت المملكة رائدة على المستوى الإقليمي والدولي في هذا الإطار”.
ونظرا لأن المغرب يتشارك مع إسبانيا الحدود البرية والبحرية، مما يتيح العديد من منافذ الدخول إلى أوروبا، لفت مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن السلطات الإسبانية سبق لها أن عبّرت عن أن المغرب يبذل جهدا هائلا من أجل التعاون بإخلاص مع إسبانيا بشأن القضايا المتعلقة بالهجرة، وأنه حان الوقت لتقديم المساعدات المالية له لحمايتها من تدفقات المهاجرين.
وسبق للمفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار والتوسع أوليفر فاريلي أن أكد الالتزام المشترك لمحاربة الهجرة غير النظاميّة، التي تمثل ثاني أهم جانب للشّراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، معربا عن امتنانه للعمل الجاد والدؤوب الذي أنجزته السلطات المغربية في هذا المجال.
رئيس الحكومة الإسبانية يؤكد على أن مأساة الهجرة غير النظامية معقدة، ولا يمكننا النظر إليها من وجهة نظر واحدة. ينبغي تحليل الظاهرة وفق مقاربة شاملة وأفقية
وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، في حديث مع القناة التلفزيونية “أنتينا 3”، إن “تحسين وتعزيز تعاوننا كأوروبيين مع المغرب مطلوب ولا يمكن لأي دولة في العالم، مهما كانت قوتها، أن تواجه هذه الظاهرة بمفردها وينبغي توفير الوسائل التكنولوجية الكفيلة بمنع تكرار مثل هذه الاقتحامات”.
ونظرا للدور الذي يلعبه في الاستقرار في المنطقة الأورومتوسطية، سواء على مستوى مكافحة الجريمة المنظمة أو الجريمة الإرهابية أو الهجرية السرية، يرفض المغرب بشدة أن يقوم بدور “دركي أوروبا”، في مجال الهجرة غير النظامية كما تريده سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.
ولم يعد المغرب مصدرا للهجرة والعبور فحسب، وإنما أصبح أيضا أرض استقبال، بعدما اعتمدت المملكة منذ عام 2014 عملية واسعة لتسوية الوضعية القانونية لـ50 ألف مهاجر، من المهاجرين غير النظاميين المقيمين في المملكة، بالإضافة إلى حوالي 12 ألف طالب من أفريقيا جنوب الصحراء يدرسون بالجامعات المغربية، منهم 90 في المئة يستفيدون من منح دراسية تمنحها لهم الحكومة المغربية.
وفي هذا الإطار بادر العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى وضع “الأجندة الأفريقية للهجرة”، بما في ذلك إحداث المرصد الأفريقي للهجرة، الذي تم اعتماد نظامه الأساسي خلال القمة الـ33 للاتحاد الأفريقي التي عقدت في فبراير 2020، تعزيزا للنموذج المغربي المتعلق بسياسة الهجرة، الذي يقوم على ثلاث ركائز: التضامن، المسؤولية والتعاون الدولي.