لا يزال صدى الحادث المأساوي الذي جد بمدينة مليلية وأسفر عن مقتل 23 مهاجرا أفريقيا من بلدان جنوب الصحراء يتردد، حيث دخل عدد من المنظمات الحقوقية -التي تنتمي إلى دول أفريقية وأوروبية- على الخط.
وأكدت هذه المنظمات في بيان مشترك على ضرورة فتح تحقيق قضائي مستقل من الجانب المغربي والإسباني، وأيضا على صعيد دولي لكشف كامل الحقيقة بشأن هذه المأساة الإنسانية.
ولم تأت المنظمات غير الحكومية على ذكر الأيادي الخفية التي دفعت المهاجرين إلى الاندفاع نحو الحاجز، بعدما استغلت فرصة الحادث المأساوي لإثارة الانتباه إلى الوضعية الصعبة التي يعيشها المهاجرون في محيط مدينة مليلية المحتلة.
وقالت “منذ أكثر من عام ونصف العام جرى حرمان الأشخاص المهاجرين في الناظور من الأدوية ومن العلاجات، لا بل تتعرض مخيماتهم للحرق وممتلكاتهم للنهب، وموادهم الغذائية الهزيلة للتخريب، والقليل من المتاح لهم من ماء الشرب للمصادرة”.
ويوحي ذلك بأن هناك محاولة للاستنقاص من الجهود التي يبذلها المغرب في ملف الهجرة غير الشرعية من خلال تجاهل الأسباب الحقيقية التي أدت إلى مأساة مليلية.
وأكد عميد السلك الدبلوماسي الأفريقي وسفير الكاميرون بالمغرب محمدو يوسفو شجبه الاقتحام الذي أقدم عليه مهاجرون غير قانونيين على مستوى الناظور.
وشدد يوسفو، بعد اجتماع مطول للسفراء الأفارقة المعتمدين بالمغرب، مع مسؤولين كبار في وزارة الخارجية -منهم خالد الزروالي مدير الهجرة ومراقبة الحدود- على “وقوف الافارقة، كما في الماضي، إلى جانب السلطات المغربية لوضع حد لهذا الوضع الذي لا يشرّف بلداننا ولا يشرف أفريقيا بشكل عام”.
وأضاف “مستعدون لمواكبة العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجل إيجاد حل دائم لقضية الهجرة”، مذكرا “بمبادرة تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين، التي تم إطلاقها سنة 2013، لفائدة المهاجرين في وضعية غير قانونية بالمملكة”.
لكن المنظمات الحقوقية التي من ضمنها “كاميناندو فرونتيراس” غير الحكومية المتخصصة في الهجرة بين أفريقيا وإسبانيا، ومنظمة الجمعيات والمجتمعات الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وبدائل فضاءات المواطنين – النيجر، وأطاك المغربية، وجمعية إرمناس، ورابطة الأقليات العالمية، لم تعجبها المواقف التي عبرت عنها الدول الأفريقية الممثلة بالرباط.
◙ استغلال مافيات الهجرة لهؤلاء المهاجرين يستهدف التشويش على المقاربة الجديدة والمتكاملة التي عرضها الملك محمد السادس على الدول الأفريقية للتعامل مع مشكلة الهجرة غير النظامية
وطالبت المنظمات المذكورة البعثات الأفريقية الدبلوماسية بتحمل كامل مسؤولياتها في مجال حماية مواطنيها عوض ما أسمته بـ”التواطؤ مع السياسات الجارية”.
وفي المقابل عبرت المنظمة الديمقراطية للشغل عن أسفها الشديد لهذا الحادث، مشددة على ضرورة “التصدي الحازم لعصابات ومافيا التهريب والاتجار بالبشر”، ودعت إلى “تفعيل دور المرصد الأفريقي للهجرة ليلعب دوره في رصد وتدبير مسألة الهجرة الأفريقية”.
كما طالبت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في بلاغ لها- السلطات بفتح تحقيق دقيق من أجل معرفة ملابسات وحيثيات وأسباب هذا الحادث، مع ترتيب النتائج وتحميل المسؤولية وإعمال القانون وتكثيف الجهود في محاربة تلك الشبكات وتفكيكها؛ معبرة عن إدانتها لـ”أفعال ومناورات شبكات التهريب والاتجار بالبشر”.
وبدوره أعلن المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن إحداث لجنة استطلاعية بخصوص الأحداث التي شهدتها بوابة العبور بين الناظور ومليلية، كما أنه “عاين مجموعة من الصور والفيديوهات المنتشرة، مسجلا نشر صور وفيديوهات لا علاقة لها بمحاولة عبور المهاجرين، والتي تتضمن تضليلا ومعطيات غير حقيقية بشأن العبور الجماعي المكثف وما نتج عنه”.
وأكد محمد الطيار، الخبير في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، أن ”محاولة بعض المنظمات -التي تنسب نفسها إلى مجال حقوق الإنسان- استغلال ما حدث تسائلها في المقام الأول قبل غيرها، وماذا فعلت من أجل حل أزمة منطقة دارفور، والتخفيف من معاناة شبابها الذين مزقتهم ويلات الحروب والفقر”.
وأبرز الطيار في تصريح له أن هذه المنظمات “كان عليها التوجه إلى الاتحاد الأفريقي للتحقيق في ما تقوم به مافيات الاتجار بالبشر الناشطة في أفريقيا ودول أوروبية، قبل توظيفه بشكل سيء النية للرد على الموقف الإسباني الجديد من الصحراء المغربية”.
وتأتي هذه المحاولة بعد عودة العلاقات بين مدريد والرباط إلى طبيعتها إثر خلاف دبلوماسي استمر نحو سنة.
واعتبر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في مؤتمر صحافي بمدريد، أن الهجوم من قبل هؤلاء المهاجرين الأفارقة كان “اعتداء عنيفا ومنظما من جانب مافيات تمارس الاتجار بالبشر على مدينة هي أرض إسبانية”.
وقال عميد السلك الدبلوماسي الأفريقي وسفير الكاميرون بالمغرب “نعمل مع السلطات المغربية ليتم تحسيس مواطنينا بأن المغرب لا يقوم سوى بحماية أراضيه، وبأن التشجيع على الهجرة غير القانونية أمر غير ممكن”.
ولفت الطيار إلى أن استغلال مافيات الهجرة لهؤلاء المهاجرين يستهدف التشويش على المقاربة الجديدة والمتكاملة التي عرضها الملك محمد السادس على الدول الأفريقية للتعامل مع مشكلة الهجرة غير النظامية، ويستهدف أيضا كل المجهودات التي قام بها المغرب طيلة السنوات الماضية للتعامل مع ظاهرة الهجرة، منها بالخصوص قيامه بتسوية وضعية أكثر من خمسين ألف مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء.