أسفرت أحدث انتخابات تشريعية فرنسية عن إعادة انتخاب تسعة أشخاص فقط من الفرنسيين من أصول عربية، ووصولهم إلى الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان). غالبية الفائزين هم من النساء والسياسيين الداعمين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمنتمين إلى تحالف “معا”.
هذا الرقم جاء ليعكس تراجعا في عدد النواب ذوي الأصول العربية في البرلمان الفرنسي مقارنة بالعام 2017، إذ انخفض إلى 9 بعدما كان عددهم 13 نائبا.
ذلك أن الانتخابات التي شهدتها فرنسا في التاسع عشر من يونيو الحالي سجّلت خسارة عدد من النواب وانضمام آخرين جدد.
الجالية العربية والإسلامية تمثل شريحة واسعة من الأمة الفرنسية، إذ يتجاوز عددها 5 ملايين نسمة. يشكل العرب 8 في المئة من إجمالي سكان فرنسا البالغ عددهم أكثر من 67 مليون نسمة عام 2020، وفق إحصاءات حديثة لمركز “بيو” للأبحاث.
وأعيد انتخاب الفرنسي ذي الأصول المغربية محمد لاكحيلة (62 عاما) نائبا في البرلمان. وكان قد نجح للمرة الأولى بانتخابات العام 2017.
وولد لاكحيلة في مدينة أولماس المغربية، وينتمي إلى تحالف الرئيس الفرنسي في الانتخابات التشريعية “معا”. ويرفع لاكحيلة شعارات حزب ماكرون من حيث الحفاظ على مبادئ الجمهورية وتعزيز الديمقراطية.
أما فضيلة خطابي فهي سياسية فرنسية ولدت في مدينة مونبلييه لأبوين مهاجرين من الجزائر، وتحظى بعضوية البرلمان الفرنسي عن حزب ماكرون منذ انتخابات العام 2017.
ترأس خطابي لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان منذ عام 2020، وتشغل منصب رئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية – الجزائرية في البرلمان. عام 2017 تركت خطابي “الحزب الاشتراكي”، لتنضمّ إلى حزب الرئيس الفرنسي وتترشّح عنه في البرلمان.
بالنسبة لفريدة عمراني، وهي سياسية فرنسية ولدت في المغرب عام 1976، فقد انتخبت لأول مرة. وانضمّت هذا العام لأول مرة إلى البرلمان الفرنسي، بعد فوزها بالانتخابات التشريعية ضمن تحالف اليسار “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد”.
كانت عمراني ترشحت في انتخابات العام 2017 وحظيت بدعم الحزب الشيوعي، إلا أنها أخفقت بالفوز. تشتهر عمراني بنشاطها في النقابات العمّالية.
كما أعيد انتخاب سارة الحيري التي نشأت في المغرب، قبل أن تصل إلى فرنسا لاستكمال دراستها الجامعية. وترشحت عن “الحركة الديمقراطية” التي تمثل جزءا من تحالف “معا” بقيادة ماكرون.
كانت الحيري قد فازت بنسبة كبيرة بلغت 61 في المئة في الانتخابات التشريعية عام 2017، وتمّ تعيينها فيما بعد بمنصب وزيرة دولة لدى وزارة الشباب الفرنسية.
ورغم أصولها العربية، كانت الحيري في مقدمة المنتقدين للحملة الأوروبية التي تعتبر الحجاب جزءا من حرية المرأة. وقالت على لسان وزيرة الدولة المكلفة بالشباب إن فرنسا “أعربت عن رفضها الشديد” للمبادرة الأوروبية.
وكان المجلس الأوروبي قد أطلق حملة لمكافحة التمييز في نوفمبر الماضي. ودعا إلى اعتبار الحجاب ضمن الحريات المكفولة قانونا في الدول الأوروبية، لكن سرعان ما أفشلت فرنسا هذه الحملة.
وانضمت المغربية نعيمة موتشو إلى البرلمان الفرنسي عن حزب ماكرون منذ انتخابات العام 2017، وأعيد انتخابها هذا العام. إلى جانب منصبها السياسي، تطوعت موتشو كمحامية مع الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السامية.
وظهر رفضها لأشكال التمييز كافة عندما انتقدت ستانيسلاس جويريني، العضو القيادي في حزب إيمانويل ماكرون. فاتهمت جويريني بممارسة “التمييز”، بعدما سحب دعمه لسارة زماحي، إحدى مرشحات الحزب بانتخابات محلية عام 2021، بسبب ارتدائها الحجاب.
وانتخبت سمية بورواهة، وهي سياسية فرنسية ولدت في الجزائر لأبوين جزائريين، لأول مرة هذه السنة عن الحزب الشيوعي. وعملت في قطاعي التعليم والثقافة الفرنسيين وانضمّت إلى العمل المحليّ، وشغلت منصب نائب رئيس بلدية “لا كورنيوف” لمدة 12 عاما.
أما بلخير حداد فهو رجل أعمال فرنسي وسياسي يمثل حزب إيمانويل ماكرون في الجمعية الوطنية منذ انتخابات العام 2017.
ولد حداد في الجزائر، وانتقل إلى فرنسا عندما استقر والداه هناك للعمل في صناعة الصلب. كان حداد ناشطا بالحزب الاشتراكي قبل انضمامه إلى حزب ماكرون في العام 2016.
ويعد كريم بن شيخ الفرنسي الوحيد من أصول تونسية في البرلمان، وانتخب عن “حزب الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد”، أحد مكونات تحالف اليسار. وصار نائبا عن الدائرة التاسعة للفرنسيين المقيمين بالخارج. وولد بن شيخ ونشأ في تونس من أم فرنسية وأب تونسي.
وأعيد انتخاب أميليا لكرافي السياسية الفرنسية والمولودة في مدينة الدار البيضاء بالمغرب.
وتنتمي لكرافي إلى حزب ماكرون، وتحظى بعضوية البرلمان الفرنسي منذ عام 2017 عن الدائرة العاشرة التي تمثل الفرنسيين المقيمين في أفريقيا والشرق الأوسط.
وترأس لكرافي في البرلمان الفرنسي، مجموعة الصداقة بين فرنسا والإمارات. كما تشغل منصب نائب رئيس مجموعة الصداقة بين فرنسا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ونائب رئيس مجموعة الصداقة بين فرنسا وتشاد.
ويضم البرلمان الفرنسي 577 نائبا بالمجمل، ووفق نتائج انتخابات 2022، لأول مرة في تاريخ الجمهورية الفرنسية ضمّ المجلس الجديد ثلاثة تكتلات كبيرة: 245 نائبا ينتمون إلى تحالف “معا” بقيادة ماكرون، ويضم الحزب الحاكم “الجمهورية إلى الأمام” وحزب اليمين الوسط “موديم” بزعامة فرانسوا بايرو، وحزب “آفاق” الذي أسسه رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب.
131 يتبعون تحالف اليسار بقيادة جون لوك ميلانشون، زعيم اتحاد اليسار الجديد، الذي يضم حزب ميلانشون “فرنسا المتمردة” والحزب الاشتراكي وحزب البيئة “الخضر”.
89 يتبعون “التجمّع الوطني” اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، وهو رقم قياسي لعدد النواب في البرلمان بالنسبة لهذا التيار السياسي، سيمكنه من الحصول على المساعدات الحكومية، ما يساعده في التحضير لمعركة الرئاسة في 2027، و61 لحزب “الجمهوريون”، و51 أحزاب أخرى.
وعكست هذه النتائج خسارة ائتلاف الأحزاب المؤيدة لماكرون “معا” للغالبية المطلقة التي تحتاج 289 مقعدا، فيما حقّق تحالف اليسار واليمين المتطرّف اختراقا تاريخيا للبرلمان الفرنسي.
والاختراق غير المسبوق وضع البلاد أمام أزمة حكم، وفرض على ماكرون البحث عن تحالفات جديدة لتحقيق غالبية برلمانية قادرة على المضيّ بالحكم دون عرقلة.