كيف فشلت الحكومة المغربية في التعامل مع مغاربة العالم ؟

بوشعيب البازي

يقال إن الكذب يكثر في موسم الإنتخابات و في عملية مرحبا… هذا ما يمكن به تلخيص تعاطي بعض الأطراف السياسيين في المغرب مع الجالية المغربية المقيمة في الخارج. فالعدد الأكبر من الأحزاب السياسية تتعامل مع الجالية كنوع من الاستثمار المؤجل، أي الحفاظ على حد أدنى من العلاقة والتواصل معها إلى حين قدوم اللحظة التي سَيُسْمَحُ فيها لهذه الجالية بممارسة أحد الحقوق السياسية الأساسية، وهو حق الانتخاب، إن ذلك لا يشكل في النهاية سوى مظهر من مظاهر التهرب من المسؤولية وشكل من أشكال الجبن السياسي، لأن الأحزاب السياسية تملك الوسائل، عبر حضورها في المؤسسات الدستورية، على أن تُقْدِمَ على مبادرات تشريعية تمكن الجالية من حقوقها.
النقاشات تدور بين مغاربة العالم  حول رهانات كثيرة ليس المجال هنا لعرضها كلها، لكن يبقى موضوع المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين في الخارج إحدى القضايا البارزة التي تأخذ حيزاً مهماً في النقاش السياسي وفي العمل الجمعوي في بلدان الاقامة .
غير أن الجبل تمخض وولد فأراً، فالمادة 22 (الفقرة الأولى) من مشروع القانون التنظيمي الرقم 04.21 الذي قدمته الحكومة والقاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي الرقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب والتي تنص على ما يأتي: “يمكن للمغاربة المقيمين في الخارج أن يقدموا ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية والدوائر الانتخابية الجهوية، وفق الكيفيات والشروط وداخل الآجال المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي”، هي مجرد حشو وزيادة في العلم، إذ إن حق الترشح للانتخابات، سواء تعلق الأمر بالانتخابات التشريعية أم بانتخابات الجهات (المناطق) والجماعات المحلية والغرف المهنية، هو حق أصلي من الحقوق المدنية والسياسية التي يتمتع بها جميع المغاربة ما لم يصدر حكم قضائي نهائي يقضي بالحرمان منها، أو إذا كان المعني (ة) بالأمر في وضعية تمنعه من الترشيح بحكم القانون (حامل سلاح، حالة من حالات التنافي…الخ)، كما أن الحق في الترشح للانتخابات لا يرتبط بشرط الإقامة، واعتماد هذا الشرط يعتبر عملاً تمييزياً، لذلك فالمغاربة المقيمون في الخارج لهم كامل الحق في الترشح للانتخابات المحلية والجهوية، والأمر لا يحتاج التنصيص عليه في القانون التنظيمي لمجلس النواب، فهذا التنصيص لا يقدم ولا يؤخر في موضوع المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين في الخارج والتي لا يمكن أن تتم إلا انطلاقاً من بلدان الإقامة كما هو الأمر بالنسبة الى عدد كبير من دول العالم.
يقدر تعداد الجالية المغربية بأزيد من 7 ملايين نسمة بقليل، موزعة على 80 دولة حول العالم ومسجلة على صعيد 124 نقطة قنصلية، والتي يزيد عددها بمعدل متوسط يبلغ 240 ألف مهاجر سنوياً، وباعتماد الإسقاطات المستقبلية؛ فإن تعداد أفراد الجالية يتجه نحو بلوغ أكثر من 11 مليون مغربي يقيمون في الخارج في حدود عام 2030.
 الحقوق السياسية تصلح عنواناً ملازماً للجالية المغربية في الخارج، وهي حقوق ظلت في دائرة العدم بسبب غياب الإرادة السياسية، إذ تعود  الأصوات نفسها إلى صوغ المبررات والتبريرات ذاتها، لجعل هذا الحق معلقاً في الهواء، على خلاف ما جاء واضحاً في دستور المملكة سنة 2011 في المادة 17 منه والتي تنص صراحة على ما يأتي: “يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح …”.
وزير الداخلية السابق اعتبر إحداث دوائر للجالية في مختلف مناطق العالم كما جاء في مقترح قانون قدمه الفريق الاستقلالي في مجلس النواب في الولاية السابقة، مخالفاً للدستور الذي ينص على اللوائح المحلية والجهوية والوطنية، وخلفية هذه القراءة النصية لا تميز بين الدول التي تحتضن الجالية، والجالية المغربية ذاتها، فإجراء الانتخابات بالنسبة الى الجالية لا يرتبط بالتراب، بل يرتبط بحقوق المواطنة الكاملة، فالتصويت سيتم في المراكز القنصلية للمملكة والتي تعتبر من مشمولات التراب الوطني في القانون الدولي، وذلك على غرار باقي الدول في العالم التي تضمن لمواطنيها حقوقهم المدنية والسياسية بغض النظر عن مكان إقامتهم، وهذا الوضع تعيشه الجالية المغربية دائماً عندما تقارن نفسها بالتونسيين والمصريين والبرتغاليين والجزائريين والإيطاليين والأميركيين… وغيرهم من الجاليات الأخرى التي تتمتع بحق التصويت والترشيح في انتخابات بلدانها الأصلية. فضلاً عن ذلك، فالمشاركة السياسية للجالية المغربية، ترتبط بالحقوق السياسية والمدنية التي لا تسقط سوى بأحكام قضائية نهائية، لهذا لا يمكن تصور إسقاط هذه الحقوق عن ملايين المغاربة بمبررات واهية، وهي حقوق لا تسقط سوى بأحكام قضائية كعقوبات (…) والمؤسف هو تبرير ذلك بنصوص دستور قُدم للعالم على أنه دستور من الجيل الجديد، انتقل من جيل دساتير فصل السلطات إلى دساتير صك الحقوق.
 للتذكير فقط، فإن أول سائح في المغرب هم مغاربة العالم الذين يمثلون ثلث الحجوزات في الفنادق المصنفة، ويساهمون بأكثر من ملياري يورو فى الاقتصاد والسياحة في المغرب، كما أن الناتج الداخلي الخام للجالية المغربية المقيمة في الخارج هو 208 مليارات دولار سنوياً باعتماد متوسط الدخل في بلدان الإقامة، وبرغم كل ذلك فإن مواطنة “الديسابورا” المغربية تبقى موقوفة التنفيذ، ومع الأسف عرضة للمزايدات، هنا يطرح السؤال: إذا كانت الأحزاب التي تتودد للجالية في لقاءات وتجمعات هنا وهناك جادة وصادقة، فمن الذي منعها سنة 2015 من مساندة مقترح قانون حزب الاستقلال الذي جاء شاملاً ومفصلاً ومنصفاً للجالية المغربية في الخارج، فما الذي حدث بين تلك اللحظة واليوم؟  لهذا يمكن القول إن أي تحول حقيقي في موقف الأحزاب السياسية سيكون مقدراً ومرحباً به، لكن الواقع يشهد على استمرار التلاعب بالكلمات وتكريس الانتظارية، ما يشكل انتكاسة جديدة وفرصة ضائعة، ليس للجالية المغربية، بل للديموقراطية في المغرب بصفة عامة، فالجالية يمكن أن تشكل “خميرة” لرغيف الديموقراطية الذي لم يكتب له أن ينضج إلى اليوم…


انتظرت الجالية المغربية من الحكومة المغربية انجازات ملموسة في مختلف القطاعات، لكنها برهنت أنها فقط حكومة خطابة وشعارات، و دات مردودية ضعيفة، و خصوصا بعدما أقبرت وزارة الجالية و أغرقت الوزير ناصر بوريطة في ملفات الصحراء المغربية و افتتاح القنصليات و تجاهل مطالب مغاربة العالم حيث فشل فشلا ذريعا لم يسبقه اليه اي وزير سابق.

ثم الانتظار الثاني، وهو التواصل والاستماع، وهنا يتهم المغاربة الحكومة، بأنها لم تعطي أهمية لمغاربة العالم و همومهم  ولا تستمع إليهم، بل حتى إن الحوار الاجتماعي نفسه لم يكن ناجحا، ومطالب الطاقات المغربية والفاعلين المدنيين لم تكن تلقى الآذان الصاغية، والحكومة الحالية مطلوب منها مجهود وتواصل واستماع أكبر.

أما الانتظار الثالث، ، فيتمثل في إنهاء أو التخفيف من سلطوية الدولة، بحيث نجد مناخا سلطويا يتصاعد وربما استغلت هذه السلطوية في هذه الطرفية التي يمكن تدبيرها  فيما يتعلق بالحريات بشكل أفضل. و أحسن مثال على ذلك، فيما يتعلق فرض تحليلة PCR وجواز التلقيح على مغاربة العالم لدخول بلدهم ، فيمكن أن يبقى فرض هذا الجواز  في حدود معينة مثل التجمعات الكبرى، المسارح الملاعب مثلا. وعاد إلى التساؤل: “هل تستطيع الحكومة أن تخفف منه أم أن الأمر يتجاوزها؟”

فمن بين المشاكل التي نلاحظها في آليات الإدماج الخاصة بمغاربة الجالية في تنمية البلاد، عدم الاستقرار المؤسسي وعجز الحوْكمة في مجال سياسة الهجرة. يتسم القطاع الوزاري المسؤول عن الهجرة بطبيعة هشة ومتقلبة، خاصة وأنه شهد تغييرات متتالية في تشكيلته منذ أن أصبحت هذه القضية خارج اختصاصات وزارة العمل. وكان هذا القطاع ملحقاً بالشؤون الخارجية لينتقل تحت وصاية رئيس الوزراء قبل أن يعود من جديد للشؤون الخارجية .

و من جهة أخرى لا زال مغاربة العالم  يعيشون وضعية ارتباك وذهول مستنكرين الصمت الحكومي حيال وضع غير مسبوق بصدد التبادل الإلكتروني لبياناتهم الخاصة. الحدث الذي سيجهز على ما تبقى من الود المزيّف بينهم وبين الحكومة التي أحالت مرسوم قانون على لجنة الخارجية بين الدورات البرلمانية في 22 فبراير 2018، وناقشته يوم 23 فبراير 2018، والمصادقة عليه في الدورة الموالية يوم 28 ماي 2018. مرسوم قانون ملغوم يقضي بسن أحكام انتقالية في شأن التبادل الآلي للمعلومات لأغراض جبائية. ولأن المراسيم بقوانين ليست كمشاريع القوانين، فإنها تختلف في مسطرتها التفعيلية. لذا، فنحن ننتظر ما ستقرّره الحكومة في المرسوم التطبيقي من أجل أجرأة الاتفاقية التي تم توقيع المغرب عليها مع مجموعة OCDE يوم 25 يونيو 2019.

وهنا نتساءل هل تمّت دراسة هذه الخطوة بما يكفي قبل الإقدام عليها؟ وهل تمّ التشاور مع مجلس الجالية المغربية بالخارج على سبيل المثال، أو مع فعاليات مدنية وسياسية مرتبطة بالهجرة؟

من بين الأدوار الأساسية للحكومة والوزارة الوصية هو التواصل الجدّي والمستمر مع أفراد الجالية. تواصل مدعوم بالشروحات اللازمة. وهذا يدخل في باب حقهم كمواطنين مغاربة في امتلاك المعلومة. فأين هو الوزيرالمكلف بمغاربة العالم ناصر بوريطة ؟ أين هو المسؤول الحكومي في هذه الأيام العصيبة لشرح مقتضيات الاتفاقية ولطمأنة المواطنين الذين يتحمل حقيبتهم الوزارية بعدم تسريب معطياتهم الشخصية للدول الأجنبية؟ أليس من حقّ هؤلاء أن يتمتعوا بحماية حياتهم الخاصة، كما هو منصوص عليه في دستور بلدهم (الفصل 24)؟ هذا حدث مشهود، سيدي الوزير، في تاريخ الهجرة المغربية التي تمتد لأزيد من نصف قرن. أين نحن من الفصل الـ16 من دستور المملكة الذي يقضي بالحفاظ على مصالح وحقوق مغاربة العالم في بلدان الإقامة، وعلى تمتين وشائج الارتباط بوطنهم الأم.

الحكومة هي المسؤولة الأولى عن حيثيات هذه الاتفاقية التي يبدو أنها لا تحتوي على شروط للتبادل الآلي للمعلومات، تنحصر فقط حول الأشخاص المعنويين والذاتيين غير المقيمين من الجانب المغربي ومن جانب الدول الموقعة، بل تتعدّاهم لتشمل كل فئات الجالية. وفي ذلك مزيد من الهدر لحقوق مغاربة العالم المادية، بعدما تمّ حرمانهم من حقّهم في المشاركة السياسية.
إن المغرب يبقى بحاجة ماسة إلى سفراء من نوع خاص يحملون الرسالة الحضارية العريقة للمغرب وهو الأمر المنوط بمغاربة الخارج . والأكيد أن ما حققه العديد من المغاربة المقيمين بالخارج من نجاح مهني وكفاءة علمية وتفوق في مجال الفنون والثقافة وكذلك في العمل السياسي في بلدان الاستقبال من شأنه أن يجعل منهم جماعات للضغط تساعد على الدفاع عن مصالح المغرب الوطنية في الخارج على مستوى العمل الدبلوماسي الموازي ، كما أنهم أصبحوا يشكلون كتلة لإنتاج قيم الديمقراطية والتقدم والتنمية، مما سيجعل من تمثيليتهم داخل البرلمان فرصة مواتية لإدماج هذه القوة الجديدة في دينامية المغرب الجديد الذي يبحث لإشراك مواطنيه في مقاربة تشاركية وفقا لمبادئ الدستور الجديد لسنة 2011.

 

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: