أظهرت محاولة قام بها المئات من المهاجرين الأفارقة لاقتحام سياج حدودي في مدينة مليلية وجود مافيات قوية ومنظمة دفعت المهاجرين إلى تحدي الحراسة المغربية والإسبانية ومحاولة العبور بالقوة، ما تسبب في مقتل قرابة العشرين مهاجرا قضوا نتيجة شدة التدافع.
وأكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز السبت أن المأساة التي وقعت الجمعة في مليلية كانت “اعتداء على وحدة أراضي” إسبانيا. وقالت السلطات المحلية المغربية لإقليم الناظور في بيان إن هذا الحادث جاء “جراء تدافع المهاجرين وسقوط بعضهم من أعلى السياج”.
ونسب سانشيز في مؤتمر صحافي في مدريد ما حصل إلى “مافيات تمارس الاتجار بالبشر”.
وندد سانشيز بما اعتبره “اعتداء (…) عنيفا ومنظما من جانب مافيات تمارس الاتجار بالبشر على مدينة هي أرض إسبانية”.
المغرب يعد منفذا رئيسيا للمهاجرين غير النظاميين القادمين غالبا من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نحو إسبانيا
وأضاف رئيس الوزراء الاشتراكي “بناء عليه، فإن ما جرى اعتداء على وحدة أراضي بلادنا”.
وانتشرت القوات المغربية بشكل واسع لمحاولة صدّ عملية الدخول على الحدود وتعاونت “بشكل نشط ومنسق مع القوى الأمنية” الإسبانية، حسب ما أفادت به الشرطة الإسبانية.
ورحب سانشيز بـ”التعاون الاستثنائي” للرباط في شؤون الهجرة الذي يبرهن على “الحاجة إلى أفضل العلاقات”، كاشفا عن أن “الدرك المغربي عمل بالتنسيق مع قوات الأمن (الإسبانية) لصد هذا الهجوم العنيف الذي شهدناه” الجمعة.
ويقول مراقبون إن هذا التنسيق ثمرة لاتفاق تم في مدريد منتصف هذا الشهر بين وزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراندي مارلاسكا مع نظيره المغربي عبدالوافي لفتيت.
وحث الاتفاق على “أهمية الحفاظ على مناخ للأمن والاستقرار الإقليمي، الذي يبقى هدفا رئيسيا ومسؤولية مشتركة، تتطلب تعاونا فعالا في مختلف المجالات، من أجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد أمن البلدين”.
وقال بيان السلطات المحلية المغربية لإقليم الناظور إنه “أثناء تدخل القوات العمومية لإحباط هذه العملية التي شهدت استعمال المقتحمين لأساليب جد عنيفة، تم تسجيل إصابة 140 من أفراد هذه القوات بجروح متفاوتة الخطورة، من بينهم 5 إصابات خطيرة، فيما جرى تعداد إصابة 76 من المقتحمين، من بينهم 13 إصابة بليغة”.
ولفت إلى أن “مجموعة من المهاجرين غير النظاميين المنحدرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء أقدمت صباح الجمعة على عملية اقتحام لمدينة مليلية من خلال محاولة تسلق السياج الحديدي بين مدينتي الناظور ومليلية”.
وبحسب البيان “تم نقل كافة المصابين، سواء في صفوف القوات العمومية أو من بين المقتحمين، إلى مستشفى الحساني بمدينة الناظور والمركز الاستشفائي الجامعي بمدينة وجدة لتلقي الإسعافات والعلاجات اللازمة”.
ويعد هذا الاقتحام الأبرز من نوعه منذ منتصف مارس حين حصلت المصالحة بين مدريد والرباط قبل فترة قصيرة بعد قرار إسبانيا في منتصف مارس تغيير موقفها المحايد إزاء قضية الصحراء لصالح مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلا وحيدا لإنهاء النزاع، وهو ما فتح الباب أمام عودة قوية للتنسيق بين البلدين في قضايا المهاجرين.
وسمح هذا القرار بإنهاء أزمة دبلوماسية أثارها استقبال إسبانيا لزعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي في أبريل 2021 لتلقي العلاج إثر إصابته بكوفيد – 19.
وقبل أسابيع من هذا التحول في 2022 تجاوز عدد المهاجرين الذين دخلوا الجيبين سبتة ومليلية ثلاثة أمثال العدد الذي دخل في نفس الفترة من 2021.
واقتحم نحو ثمانية آلاف شخص في منتصف 2021 جيب سبتة أو تسلقوا السياج على مدى يومين مستغلين رفع المغرب على ما يبدو شبكة أمنية من على جانبها من الحدود في أعقاب خلاف دبلوماسي بين البلدين.
وأدّت عودة العلاقات بين البلدين إلى تراجع عدد الوافدين إلى جزر الكناري الأطلسية الإسبانية.
وأظهرت أرقام نشرتها الحكومة أن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى جزر الكناري في أبريل كان منخفضًا بنسبة 70 في المئة بالنسبة إلى عدد الوافدين في فبراير.
وحذّر رئيس الوزراء الإسباني في وقت سابق من هذا الشهر من أن بلاده “لن تسمح” باستخدام “الهجرة غير الشرعية وسيلة ضغط”، في تحذير غير مباشر للرباط.
ويعد المغرب منفذا رئيسيا للمهاجرين غير النظاميين القادمين غالبا من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نحو إسبانيا، سواء عبر البحر المتوسط أو عبر المحيط الأطلسي باتجاه جزر الكناري، فضلا عن جيبي سبتة ومليلية شمال المملكة.
وفي المقابل وصل خلال العام الماضي إلى إسبانيا ما يفوق الـ40 ألف مهاجر، معظمهم قادمون من المغرب، وفق الحكومة الإسبانية.
وسبق أن تعرضت إسبانيا العام الماضي في ذروة الأزمة الدبلوماسية مع المغرب إلى ضغوط شديدة، مع تدفق الآلاف من المهاجرين غير النظاميين إلى جيبي سبتة ومليلية المغربيين المحتلين.
وتسعى إسبانيا إلى إدراج “الهجرة غير النظامية” ضمن التهديدات الأمنية التي تطال الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي، عندما يجتمع الحلف في قمة مدريد في 29 و30 يونيو.
وعلى مرّ السنوات حاول الآلاف من المهاجرين عبور الحدود التي يبلغ طولها 12 كيلومترًا بين مليلية والمغرب، أو حدود سبتة التي يبلغ طولها ثمانية كيلومترات، عن طريق تسلق الأسوار أو السباحة على طول الساحل أو الاختباء في مركبات.