أثار إعلان الجزائر عن اجتماع ثلاثي بشأن مد أنبوب غاز نيجيري عابر للصحراء مرورا بالجزائر تساؤلات عن مدى جدية هذا المقترح وما إذا كانت نيجيريا ستغامر بمد أنبوب في بلد مثل الجزائر يفتح ويغلق أنابيب الغاز لأسباب سياسية، في الوقت الذي يقول فيه خبراء إن نيجيريا ستفضل الخط الأقصر والأكثر أمنا سياسيا عبر الأراضي المغربية.
وقالت مصادر جزائرية مطلعة إن النظام الجزائري يبذل كل ما في وسعه للإيحاء بوجود اتفاق مع نيجيريا بشأن أنبوب الغاز، وإن الهدف الأول هو مناكفة المغرب الذي اتجه مباشرة إلى البحث عن بدائل واقعية كرد سريع على قرار الجزائر وقف عبور إمداداتها من الغاز عبر أنبوب المغرب العربي الذي يمر بأراضيه، والهدف الثاني الرد على إسبانيا التي اتجهت إلى موريتانيا كبديل مستقبلي لاستيراد الغاز.
وأشارت هذه المصادر إلى أن نيجيريا لن تغامر بمشروع مكلف وغير آمن إرضاء للنظام الجزائري، خاصة أن الجزائر نفسها مررت الأنبوب الذاهب إلى إسبانيا عبر المغرب لأسباب فنية بحتة؛ فالقرب الجغرافي يوفر على الدولة الكثير من الجهد مقارنة بتمرير الأنابيب تحت البحر على امتداد مئات الكيلومترات.
ومرور أنبوب الغاز بالصحراء في اتجاه الجزائر سيجعله عرضة للتهديدات الأمنية في منطقة تنشط بها الكثير من الجماعات المتشددة التي تسيطر كل جماعة منها على منطقة من المناطق، وستكون نيجيريا والجزائر في وضع تقديم الفدى لهذه الجماعات مقابل السماح بعبور الأنبوب، وهو وضع محرج لدول تقول إنها تحارب الإرهاب.
وقالت وزارة الطاقة الجزائرية إن اجتماعا ثلاثيا عقد مع نيجيريا والنيجر لتسريع مشروع يتعلق بمد خط أنابيب غاز عابر للصحراء.
وذكرت الوزارة في بيان أوردت تفاصيله وكالة الأنباء الجزائرية مساء الاثنين أن الاجتماع الذي عقد في العاصمة النيجيرية أبوجا وضع “اللبنات الأولى” لهذا المشروع بهدف تجسيده في أقرب الآجال، حسب ما أفاد به وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب.
وحتى لو تكفّلت الجزائر بدفع كل تكاليف الخط فسيبقى التساؤل قائما حول التحريك السياسي لمثل هذا المشروع الاقتصادي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نيجيريا لا يمكنها أن تغامر بعائدات كبرى في حال اختلفت مع النظام الجزائري بشأن تقاربها مع المغرب، وهو تقارب من المرجح أن يقود إلى دعمها لمقاربته المتعلقة بالحكم الذاتي الموسع في الصحراء.
ويتوقع مراقبون أن تتلقى نيجيريا نصائح من البلدان الأوروبية التي ستستفيد من إمدادات الغاز، وفي مقدمة هذه النصائح أن تتجنب المغامرة الجزائرية وتركز على تدعيم الخط الآمن الذي يمر عبر المغرب لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، خاصة أن الأوروبيين أصبحوا منزعجين من سلوك الجزائر تجاه إسبانيا وخلط السياسي بالاقتصادي.
محمد الطيار: نيجيريا تفضل خط المغرب الأكثر مردودية وفاعلية
ويجد المغرب فرصة ملائمة لتقديم نفسه بديلا آمنا لإمدادات الغاز التي تنتقل من أفريقيا إلى أوروبا، وصارت الرباط تتعامل مع أفريقيا كعمق تنموي لها، وخاصة غرب أفريقيا، وهو مسار مدعوم أوروبيّا.
وفي هذا الصدد أثار العاهل المغربي الملك محمد السادس الاثنين موضوع أنبوب الغاز الذي ينتظر أن يربط المغرب بنيجيريا، في واحد من أضخم المشاريع التي ستعرفها القارة الأفريقية قريبا، مؤكدا في رسالة وجهها إلى المشاركين في مؤتمر إطلاق المنتدى الأفريقي للمستثمرين السياديين الذي تحتضن أشغاله مدينة الرباط أنه “يمكن أن نشير كذلك إلى الجهود المبذولة من أجل تسريع وتيرة الإدماج المالي للقارة، فضلا عن المشاريع الرامية إلى تعزيز السيادة الطاقية للقارة مثل المشروع الضخم لأنبوب الغاز الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب”.
وجاء حديث العاهل المغربي عن هذا المشروع بعد أيام قليلة من وصف وزير الشؤون الخارجية النيجيري جيوفري أونياما التعاون الاقتصادي بين بلاده والمغرب بـ”الثوري”، وسط استعداد بلاده لمد أنبوب الغاز مع المغرب، في واحد من أهم المشاريع في القارة.
وأكد محسن الندوي، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، أن خط الغاز نيجيريا – المغرب مشروع استراتيجي على كافة الأصعدة، وأنه سيمتد على طول 5660 كيلومترا، وسيمر بدول بينين وتوغو وغانا والكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، حيث سيعزز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية بين هذه الدول إضافة إلى ميزة الأمن الذي ستوفره هذه الدول لاستمرار تدفق الغاز نحو أوروبا.
وقال الندوي في تصريح لـه إن “المشروع لقي ترحيبا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو) باعتباره يتماشى تماماً مع رؤية أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي وسيساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الرامية إلى زيادة العرض من الغاز والكهرباء في أفريقيا”.
وأكد محمد الطيار، الباحث المغربي في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، في تصريح له أنه “بالمنطق الاقتصادي والأمني تفضل نيجيريا الخط الأكثر مردودية وفاعلية، وقد حسمت أمرها، مقرة بأسبقية وأهمية مرور الأنبوب في اتجاه أوروبا وفق المخطط المغربي”.