سبتة ومليلية ورقة اليمين للتشويش على علاقات المغرب وإسبانيا

ماموني

عادت الأحزاب اليمينية الإسبانية إلى طرح ورقة مدينتي سبتة ومليلية، على أن تكونا هذه المرة ضمن مهام الناتو، وهو ما ترى فيه جهات مغربية محاولات لضرب التقارب الحاصل بين البلدين، وانزعاجا من تراجع النفوذ الإسباني في البحر الأبيض المتوسط، لكنها تؤكد أيضا أن اليمين المتطرف لن يحقق غايته خاصة وأن المشكلات المتعلقة بالمدينتين لم تحل بعد كما أن الناتو ملتزم منذ انضمام إسبانيا إلى صفوفه ببقاء المدينتين خارج دائرة الأراضي المشمولة بحمايته.

لازالت طموحات بعض الأحزاب الاسبانية مستمرة بإلحاق ثغري سبتة ومليلية المحتلين بحلف شمال الأطلسي (الناتو). حيث أكدت وسائل إعلام إسبانية أنه من المتوقع أن تحصل مدريد على اتفاق مع الناتو لحماية المدينتين المغربيتين المحتلتين، وهو ما قد يشكل تهديدا للاتفاق الاسباني – المغربي الذي تؤكد مدريد أنه سيبقى مستمرا ولن تنال منه أيّ متغيرات.

وانخرطت صحيفة “الكونفيدونسيال ديخيتال” في التنويه بهذا الاتفاق بعيد المنال، مبرزة أن ذلك سيكون أحد الإعلانات العظيمة التي ستصدر عن قمة الحلف الأطلسي التي ستعقد يومي التاسع والعشرين والثلاثين من يونيو الجاري في مدريد، بعد ما وصفته بـ”الخطوات السرية والضاغطة التي اتخذتها الحكومة والحزب الشعبي” في الأسابيع الأخيرة.

وتقول الصحيفة حسب مصادرها إن الحلف الأطلسي، بموجب الوثيقة التحضيرية لمؤتمر القمة، ملتزم بأمن مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين والمتمتعتين بالحكم الذاتي.

ولفت هشام معتضد، الأكاديمي والخبير المغربي في العلاقات الدولية، المقيم بكندا، إلى أن موضوع حصول مدريد على اتفاق مع الناتو بخصوص المدينتين المحتلتين يعتبر مادة للاستهلاك الاخباري في بعض الجرائد الإسبانية ذات التوجه الأيديولوجي اليميني والخلفية السياسية المعادية للمصالح المغربية والعلاقات الإيجابية بين الإدارة المغربية ونظيرتها الإسبانية، لأن توقيت تداول هذه الأخبار والمواد الإعلامية المتعلقة بهذا الموضوع يندرج في إطار تشويش سياسي كلاسيكي على مكتسبات التعاون الاستراتيجي الجديد بين المغرب وإسبانيا.

هشام معتضد: العملية معقدة لارتباطها بإشكاليات لم تتم تسويتها بعد

ويشدد معتضد، في تصريح لـه، على أن محاولات اليمين الاسباني إلحاق سبتة ومليلية ضمن مهام الناتو سيبقي حبيس الأحلام الأيديولوجية لبعض الأقلام الإعلامية والصحافية التي تسعى جادة لإنتاج مواد استهلاكية في سعيها إلى إيجاد من يقرأها أو يتقاسمها رغم عدم تماسك مكوناتها الموضوعية واستحالة تطبيقها على أرض الواقع.

وقام نواب الحزب الشعبي الإسباني بصياغة مقترح ميثاق دولة بشأن الدفاع والأمن، يسعى لدمج سبتة ومليلية تحت حماية المنظمة العسكرية الأطلسية، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية، مبررين ذلك بأن المدينتين اللتين تعتبران “حدود الاتحاد الأوروبي يجب أن توضع بشكل حتمي تحت مظلة الناتو”، كما دعوا إلى إنشاء “الناتو الأكبر” الذي لا يقتصر على مجرد “اتفاق عسكري”.

من جهته اقترح زعيم الحزب الشعبي ألبرتو نونيير فييخو على حكومة بيدرو سانشيز أن تعمل على الحصول من الناتو على “ضمان حماية جميع الأراضي الوطنية مع إيلاء اهتمام خاص للأراضي غير شبه الجزرية، بما في ذلك تحديد ضمان الأمن وحماية الحلفاء على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي”.

وهذه ليست المرة الأولى بل سبق للرئيس السابق للحزب الشعبي بابلو كاسادو أن دعا في يوليو الماضي إلى “وضع سبتة ومليلية تحت رعاية الناتو حتى تتمكن إسبانيا وحلفاؤها من الدفاع عنهما” ضد المغرب، وهو ما دعا إليه حزب فوكس أيضا.

ويؤكد هشام معتضد أن طموحات بعض الأحزاب الاسبانية بإلحاق ثغري سبتة ومليلية المحتلين بمنظمة معاهدة شمال الأطلسي يعتبر تقليدا تكتيكيا تلتجئ إليه الأحزاب اليمينية الإسبانية كلما ازدادت قوة العلاقات المغربية – الإسبانية من أجل التشويش على جودتها والبحث عن إضعافها وذلك راجع إلى خلفيتها الأيديولوجية التي كانت دائما مبنية على معاداة مصالح المغرب وعرقلة أيّ تطور إيجابي للعلاقات بين الرباط و مدريد.

واعتبر الباحث والأكاديمي المغربي أن إدراج المدينتين المغربيتين المحتلتين تحت حماية الناتو عملية معقدة سياسيا ومسطرة إدارية غير قابلة للتنفيذ وذلك لوضع المدينتين في الخارطة السياسية الدولية وارتباطهما بإشكاليات قانونية وإدارية لم تتم تسويتها بعد، بالإضافة إلى وضع الثغرين غير قابل للنقاش في انتمائهما التاريخي والشرعي إلى المغرب.

ويمر قرار حماية الناتو لمدينتي سبتة ومليلية عبر تعديل المعاهدة التأسيسية للحلف، منذ عام 1949، وهو ما يتم استبعاده لأنه يتطلب مصادقة الدول الأعضاء الثلاثين، حسب مجموعة من المراقبين.

محمد الطيار: حلف الناتو لن يقبل إدراج سبتة ومليلية تحت لوائه

ونظرا لما تحتويه خارطة طريق المصالحة بين الرباط ومدريد، فقد تجاهل رئيس الوزراء الإسباني مطلب حزبي “الشعب” و”فوكس” اقتراح دمج سبتة ومليلية المحتلتين في حلف شمال الأطلسي، وهو المطلب الذي سبق أن تحدت كوكا جامارا، المتحدثة باسم حزب الشعب، سانشير بخصوصه “لإظهار وطنيته والموافقة عليه”.

واعتبر محمد الطيار الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية في تصريح لـه أن المغرب حريص على توفير الأمن والحدّ من محاولات استعمال الثغرين للهجرة غير النظامية إلى الضفة الأخرى، وهو ما يشكل عائقا لإدراج المدينتين ضمن أيّ خطة دفاعية للناتو.

وظهرت دعوات إدخال سبتة ومليلية ضمن المعاهدة المبرمة مع إسبانيا وتغيير المادة 6 منها، عندما كانت الأزمة الدبلوماسية مع المغرب في أوجها، ورغم ذلك قوبل المقترح الذي تقدم به الحزب اليميني المتطرف الإسباني فوكس، بالرفض من طرف البرلمان الإسباني.

واعتبر هشام معتضد أن اللعب على وتر الثغرين من طرف اليمين الإسباني لإثارة هذا الملف الحساس في هذه الفترة التي تعرف تقاربا غير مسبوق وجد واقعي وبراغماتي بين المغرب وإسبانيا هدفه محاولة إضعاف هذا التوجه السياسي وتشتيت تركيز الرأي العام الداخلي الإسباني بخصوص المكتسبات الجديدة للحوار الاستراتيجي المسؤول الذي تتبناه قيادة البلدين، وخاصة عزمهما على المضي قدما في تنفيذ هذا التقارب الكبير وتنزيل الرؤية الجديدة في التعاون السياسي والاقتصادي والأمني غير المسبوق.

ويرى مراقبون أن التقارب الإسباني – المغربي، بعد أزمة خانقة بينهما، يزعج اليمين المتطرف وبعض الجهات التي ترى فيه تهديدا لموقع إسبانيا داخل المتوسط، وهو ما تنفيه الوقائع خصوصا وأن ما ستجنيه مدريد في تعاونها الجدي مع المغرب كثير ومهم، سواء على المستوى التجاري والاقتصادي وأيضا تنفيذ مشروع الربط القاري البري بين شمال المغرب وإقليم الأندلس، الذي سيتطور بعمليات نقل الغاز الطبيعي بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي.

وترفض الحكومة الإسبانية أيّ مساس بأسس الاتفاق الذي جمعها بالمغرب لتجاوز الأزمة التي خيمت على العلاقات لمدة سنة تقريبا، وتريد الحفاظ على أفضل علاقة جوار ممكنة مع المغرب، الذي وصفته بالجار الاستراتيجي.

ويشدد محمد الطيار على أن الحكومة الإسبانية تعي جيدا أن حلف الناتو لن يقبل إدراج سبتة ومليلية تحت لوائه، حيث سبق وأكد بعد انضمام إسبانيا إلى صفوفه بقاء المدينتين خارج دائرة الأراضي المشمولة بحمايته، وأنه ليست لديه أي خطة عسكرية للدفاع عن المدينتين في حالة مواجهة مع المغرب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: