المحجوب السالك.. صحراوي عائد من كوابيس المخيمات ولعبة المصالح

ماموني

من انفصالي داخل بوليساريو إلى مدافع عن وحدة المغرب

غير المحجوب السالك، أحد مؤسسي جبهة بوليساريو وزعيم تيارخط الشهيدالمعارض لقيادة بوليساريو، نظرته إلى مشكلة الصحراءوالحلول الممكنة بعد عقود طويلة من إيمانه الأعمى بدغمائية انفصالية، فأسس حركته الإصلاحية بعد المؤتمر الأخير لقيادة الجبهة ببرنامجسياسي يرتكز على تحقيق العدالة والديمقراطية داخلها، لأن ظروف التأسيس الذاتية اتسمت بعجز قيادة بوليساريو الحالية عن أداء المهامالمنوطة بها، وبالنسبة إلى السالك فإن أكبر مظاهر الانحراف تتجسد في تمسك القيادة بالسلطة لعقود طويلة دون أن يتجدد الدم في كيانها.

وكان قد قضى سنوات عديدة في السجن بمخيمات تندوف دون أن تعرف عائلته أي شيء عن مصيره، وتعرّض لأبشع أشكال التعذيبوالانتهاكات الرهيبة التي لا يمكن تصورها، لأنه جاهر بمعارضته لعمليات الاختطاف والسجن والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتيطالت العديد من رفاقه في المخيمات، على أساس قبلي وعنصري. وقبل أن يتخذ قرار معارضة قيادة بوليساريو تولى السالك عضوية المكتبالسياسي للجبهة، وكان مسؤولا عن تنظيم طلبة بوليساريو في المغرب، وتزعم تيار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهبالذي أسماه لاحقا بخط الشهيد.

الصدمة وعودة المغرب

مؤسسو جبهة بوليساريو لم تكن لديهم في البداية نزعة انفصالية، هذا ما أكده عدد من القياديين الذين احتكوا بقضية الصحراء منذبدايتها، وهذا يجعلنا نستمع لرؤية السالك الذي كان ضمن المؤسسين، فالمطلب الأساسي كان تحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني،وخيار تأسيس دولة في الجنوب المغربي كان غائباً تماماً، حتى بعد حمل السلاح ومباركة الجزائر وليبيا القذافي.

وكانت صدمة السالك كبيرة عندما ذهب إلى تندوف في السبعينات، وما كان يتخيله بدا له بعيداً عن الواقع، فالمخيمات عبارة عن قرية رهيبةخاوية على عروشها.

خرج من مدن الصحراء المغربية التي كانت بسيطة آنذاك، وحين عاد لم يتعرف على الداخلة والعيون وبوجدور والسمارة، كل شيء في هذهالمدن تغير.

السالك الصحراوي المولود في العيون جنوبي المغرب عام 1956 والذي يقيم في إسبانيا خبير بكل الملفات المرتبطة بالصحراء وبوليساريوفي الوقت ذاته، فهو من أوائل المؤسسين للحركة الانفصالية، ويرى أن الثروات الموجودة في منطقة الصحراء لم تعد تقتصر على الفوسفات،بل أصبحت تحوي أهم احتياطات العالم من الذهب واليورانيوم والألماس، كما أن السواحل الصحراوية بها جبل تروبيكو الذي يحتوي علىثروة معدنية ستمكن المغرب من تزعّم القارة الأفريقية اقتصاديا ليكون مسرحا لاستثمار العشرات من الشركات العالمية.

القيادة الحالية لبوليساريو في وضع لا تحسد عليه، فانتصارات المغرب المتتالية ميدانيا ودبلوماسيا وسياسيا لا تخدم الأطروحة الانفصاليةالتي تدعمها الجزائر باستماتة، وقد سبق للسالك أن وصف الوضع بالجمود القاتل، وقال إن الأفق مظلم ومسدود، والنساء والأطفال يعانونفي ظروف لا تطاق في مخيمات اللاجئين على التراب الجزائري.

في ملف الصحراء المغربية الانتصارات جاءت على مراحل ومستويات متعددة منها السياسي والتنموي والاقتصادي، فبعد خروج الإسبانمنها إثر المسيرة الخضراء كانت مدن الصحراء بسيطة بنيوياً وبشريا، عكس ما هي عليه اليوم؛ فالمسيرة الخضراءكما يقول السالكأثارت انتباه العالم في عام 1975 لأنها كانت فكرة عبقرية حين كانت تجري في واجهة العيون، مبيناً أن مؤسس بوليساريو مصطفى الواليالسيد تأكد بعد المسيرة الخضراء أنهم ارتكبوا خطأ في حق شعبهم، لأنهم رفضوا التحالف مع خليهن ولد الرشيد، وهو سياسي صحراوييشغل حاليا منصب رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، من أجل نيل الحكم الذاتي تحت الحماية الإسبانية.

المخطط المغربي للحكم الذاتي كما يراه السالك سيضع حدا لمعاناة الصحراويين في المخيمات ويسمح لهم بالعودة إلى وطنهم الغاليمرفوعي الرأس بفضل الضمانات الدولية

 أما عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017 فكانت بالنسبة إلى السالك ضربة معلم، لأن المجال كان متروكا للجزائر وبوليساريو،أما الآن فقد تغيرت الأمور ولم تعد القرارات التي كانت تخرج عن الاتحاد الأفريقي بنفس الدرجة من العدوانية التي كانت تخرج بها قبلا،على الأقل الكثير من المصطلحات تغيرت ولم تعد كلمة الاحتلال والمناطق المحتلة والاستعمار تستعمل.

ويقول السالكبلسان العارف بخبايا الأمور وأسرار ما يجري في المنطقةإنالمغرب انتصر على الجزائر دبلوماسيا عبر افتتاح العشراتمن القنصليات العربية والأفريقية، وعبر اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بحق المملكة السيادي، إضافة إلى تراجع العشرات من الدولوالمنظمات الدولية عن الاعتراف بما يسمى الجمهورية الصحراوية”. ويضيف أنانتصار المغرب لم يكن سياسيا ودبلوماسيا فقط، بل حتىفي مجال حقوق الإنسان، شهادة السالك هذه جاءت بعد رصده للواقع الحقوقي في المدن الجنوبية، وهذا ما أثبته تقرير وزارة الخارجيةحول حقوق الإنسان في المغرب الذي تضمن خارطة كاملة للمملكة المغربية وكان جل ما تضمنه التقرير مشرّف للمغرب، وهو تقدم آخر أمامتراجع حقوق الإنسان في الجزائر.

مستقبل بوليساريو

اعترف السالك بأن قيادة بوليساريو فاسدة، وأنها أظهرت بالملموس أنها مجرد لعبة في يد الجزائر. وما أشبه اليوم بالأمس، فقبل عشرينسنة صرح السالك ذاته بأن الجزائر تأكدت من أن قيادة بوليساريو بسياستها أصبحت تشكل عبئا ثقيلا عليها وعلى القضية، وأنها لا تريدللصحراويين أن يبنوا دولة فوق التراب الجزائري كبديل عن دولتهم ووطنهم، وهذا اعتراف واضح لا لبس فيه من شخصية كان لها وضعهاوموقعها داخل الجبهة.

غياب مؤسس بوليساريو خدم الجزائر وخدم القيادة التي أتت بعده، هذا ما يؤمن به السالك الذي كان يعرف دقائق الأمور في الجبهة؛فالجزائر لم تكن تستطيع فرض رأيها عليه، وحين قتل عينت مكانه محمد ولد عبدالعزيز الذي كان من الصف الثاني، وبعد ذلك تحولتبوليساريو إلى بيدق في يد الجزائر تفعل به ما تشاء، بل تحولت إلى خدمة أجندة الجزائر قبل خدمة أجندة ومصلحة الصحراويين، وهذا ماكان له أن يتحقق لو كان الوالي على قيد الحياة.

وبدا الكل مقتنعا بأن استبداد وفساد قيادة بوليساريو جعلاها تستمر في التعذيب ونهب المساعدات والتضييق على المحتجزين في المخيماتوالارتهان إلى قرارات وتوجيهات دول مناهضة للمغرب، خصوصا وأنها أعلنت من طرف واحد وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه فيالتسعينات. وتأتي شهادة السالك لتدعم هذا الموقف، فبالنسبة إليه الحرب الوهمية المعلنة من جانب واحد مسرحية أخرجها جلادو بوليساريووتسلقها المجرمون للركوب على آلام ومعانات شعب تقاسمته وحوش الجزائر وعصابة الرابوني وحكموه بقبضة من حديد.

إن بوليساريو في طريقها إلى الاندثار بسبب قيادة فاسدة وظالمة وقبلية، هذه الخلاصة التي وصل إليها السالك؛ لأن الجبهة كشفت عنكونها مجرد أداة للهيمنة على منطقة شمال أفريقيا وإضعاف المغرب، غير أن السحر انقلب على الساحر، فالمغرب أصبح الدولة المهيمنة فيشمال أفريقيا ولا مجال لمقارنته بغيره.

ولاعتبارات المصلحة العليا للمنطقة سياسيا وتنمويا واقتصاديا وأمنيا، دعا السالك أصحاب الضمائر الحية وأهالي تندوف إلى التنصل منقيادة بوليساريو وفتح حوار وطني وخلق لجنة مستقلة عن الجزائر بمنأى عن عصابة الرابوني، وألا يكونوا بيدقا في يد ضباط الجزائر، وأنيجري ذلك الحوار مع السلطات المغربية تحت ضمانات دولية للتفاوض حول القبول بأنصاف الحلول حتى وإن كانت جميعها في صالحالمغرب.

خطاب جديد إلى العالم

 القيادة الحالية لبوليساريو، وفقاًً للسالك، في وضع لا تُحسد عليه ويوضح السالك الذي يتحدث دوماً عن قضية الصحراء بشموليتها، بعيداً عن اللغة المكرورة، أن الخاسرين في النهاية هم الصحراويون الذينيتم استغلال مأساتهم لجني الأموال من الجزائر ومن المنظمات الدولية.

وعندما نتحدث عن فشل الأطروحة الانفصالية فهذا يدفعنا إلى البحث في مستقبل تيارخط الشهيدالذي يتزعمه السالك، وهل يمكن أنيكون بديلا واقعيا وموضوعيا لإنهاء مشكلة الصحراء؟ الرجل يرى أن التيار كفكرة سيبقى موجوداً دائما، وكحركة صحراوية من بوليساريومبنية على حقيقة الحوار وتحقيق الديمقراطية والتداول على السلطة، وهذه أمور اقتنع بها الصحراويون وستبقى موجودة إلى ما لا نهاية له.

بعدما رأى السالك المسار الذي مضت فيه قضية الصحراء، من اعتراف أميركي بسيادة المغرب وتغيير في موقف إسبانيا التي كانت تستعمرالأقاليم الجنوبية، وبعد التنمية التي باتت تعرفها مدن الصحراء، اقتنع بقوة ومتانة المغرب وأنه لم تعد هناك حتى أنصاف حلول؛ فالمغربالقوي لن يقبل بغير الحكم الذاتي وتحت السيادة المغربية الكاملة، كما أنه لن يسمح بالتفريط في جزء من أراضيه مهما كلفه ذلك.

وقال السالك أمام أعضاء اللجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، بتاريخ الرابع عشر من يونيو الجاري، إنه حاول دعوة قادة بوليساريو إلىالحوار وتحكيم العقل من خلال حثهم على بدء مفاوضات مع المغرب لوضع حد لهذا النزاع الذي طال أمده.

 واعترف بأن المحاولة باءت بالفشل بعد حوالي عشرين عاما من المعارضة، لأن القادة ليسوا سوى أحجار شطرنج يخدمون مصالح أطرافأخرى من خلال الاستمرار في المتاجرة باللاجئين والمساعدات الدولية.

وكان السالك ينظر إلى مشكلة الصحراء على أنها تصفية لاستعمار خاضع للشرعية الدولية، ولا يمكن حله من جانب واحد، إذ لا بد منمفاوضات مباشرة صريحة وبناءة بين الطرفين المتنازعين للتوصل إلى حلّ يمكّن الصحراويين من التعبير عن إرادتهم بكل حرية. اليوم وبعدمااقتنع بمقاربة الدولة المغربية دعا المجتمع الدولي إلى تشجيع ودعم المغرب ومساعدته على تنفيذ الحل الأكثر قابلية للتطبيق، والمتمثل فيالحكم الذاتي للصحراويين لتدبير شؤونهم واستغلال أراضيهم واستثمار ثرواتهم من خلال مؤسسات منتخبة، وهو ما سيمكنهم من العيشبكرامة في إطار دولة الحق والقانون

فالمخطط المغربي للحكم الذاتي كما يراه السالك سيضع حدا لمعاناة الصحراويين في المخيمات ويسمح لهم بالعودة إلى وطنهم الغاليمرفوعي الرأس بفضل الضمانات الدولية، للمشاركة في الحكم الذاتي للصحراء تحت سيادة المملكة المغربية، ولهذا يشترط فك الحصارالجزائري عن المحتجزين، وتمكينهم من معانقة الحرية، وإخلاء سبل كل من اختار العودة الطوعية والنهائية إلى أرض الوطن.

انتصارات المغرب لم تكن فقط سياسية ودبلوماسية، بل شملت أيضا مجال حقوق الإنسان كما يرى السالك.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: