موريتانيا تنأى بنفسها عن الجزائر بإبرام اتفاقية صداقة مع إسبانيا

يوسف الفرج

حمل توقيت مصادقة الحكومة الموريتانية على اتفاقية الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع إسبانيا إشارة واضحة إلى أن موريتانيا قد نأت بنفسها عن اختيارات الجزائر في خلافها مع مدريد، وأن ما يهم المسؤولين الموريتانيين هو مصالح بلادهم بقطع النظر عن نوايا نظرائهم الإسبان إن كانوا يسعون لتطويق الجزائر وإظهار عزلتها الإقليمية، أو أنهم فكروا بمنطق المصالح بعيدا عن التشنجات التي طبعت علاقة بلادهم بالجزائر.

ويأتي الاتفاق بعد أيام قليلة من إعلان موريتانيا عن اكتشاف كميات كبيرة من الغاز على شواطئها وباحتياطات تقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب، ما يحولها إلى دولة مهمة بالنسبة إلى أوروبا في مسار البحث عن بدائل لتعويض الغاز الروسي، وهو وضع يربك الجزائر التي سعت للعب ورقة الغاز في ابتزاز إسبانيا ودفعها إلى تغيير موقفها من قضية الصحراء.

ويرشح خبراء أن يؤدي اكتشاف حقل الغاز بهذه الكميات الكبيرة إلى مد أنبوب يمتد من موريتانيا عبر المغرب، أي عبر الصحراء، ليصل إلى أوروبا عبر إسبانيا، لأن مد الأنبوب أسهل بكثير من إقامة ميناء تحميل على الساحل الموريتاني.

هشام معتضد: الاتفاقية الجديدة تقوّي التعاون بين محور الرباط ومدريد ونواكشوط

ولم يصدر أي تعليق رسمي من طرف الجزائر إلى حد الآن بشأن الاتفاق المذكور الذي قد يصنف في خانة النكاية الدبلوماسية؛ لأن البلدين اختارا ذروة الأزمة بين الجزائر ومدريد للإعلان عنه، كما تجاهل الإعلام المحلي في الجزائر القراءات أو التبعات التي يفرزها الاتفاق خاصة وأنه يعبر عن ردة فعل إسبانية سريعة وقدرة على إيجاد بديل للشراكة الجزائرية.

وفي هذا الشأن ذكرت تقارير إسبانية أن الحكومة شرعت في البحث عن بديل للغاز الجزائري تحسبا لانتهاء العقود المبرمة بين الطرفين عام 2024، لأنها تعتبر أن الشراكة الجزائرية في مجال الطاقة لا يمكن أن تكون موثوقة نتيجة التوترات المتصاعدة بين الطرفين، لأسباب تراها متعلقة بشؤون إسبانيا وتندرج ضمن سيادتها، وخاصة موقفها من قضية النزاع في الصحراء، وتزكيتها للمقاربة المغربية في هذا المجال.

ويقول مراقبون إن اختيار موعد بدء العمل بالاتفاقية لم يكن اعتباطيا، وإنه يعبر عن رغبة إسبانيا في الرد على المقاطعة الجزائرية وبالسرعة المطلوبة.

ورغم تغليف الاتفاق المبرم مع إسبانيا بطابع اقتصادي وتجاري، إلا أن متابعين لشؤون المنطقة لا يستبعدون منه البصمة السياسية، كون موريتانيا تريد أن تؤكّد للرأي العام المحلي والإقليمي أنها دولة ذات سيادة على مواقفها وبعيدة عن الاصطفافات الإقليمية، وأنها تبني سياساتها خارج الصراع القائم بين الجزائر والمغرب.

ولا تريد الجزائر -التي عززت تعاونها مع موريتانيا خلال السنوات الأخيرة بإبرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، بداية من فتح المعبر الحدودي وصولا إلى التوقيع على ثلاث مذكرات تفاهم في مجال الطاقة خلال الأيام الأخيرة- زيادة أعداد خصومها في المنطقة وإسقاط أزمتها مع إسبانيا على بلد مجاور صار يمثل نافذة لها على غرب القارة السمراء.

وكانت الخارجية الجزائرية قد ذكرت في بيانها الأخير أن الجزائر “ليست في حاجة إلى الاستقواء بأي طرف فردي أو جماعي في خلافها مع إسبانيا، وأنها لم تطلب من أي جهة استصدار بيان دعم في الخلاف المذكور”، وذلك ردا على ما تردد حول فشلها في جلب تأييد عربي لها عبر بوابة الجامعة العربية، وهو الموقف الذي يمكن إسقاطه على الاتفاق بين موريتانيا وإسبانيا، المتزامن مع ذروة الأزمة المشتعلة بين البلدين.

وأضافت “الجزائر الواثقة من صواب موقفها وصحة ما اتخذته من قرارات سياسية سيادية في هذا الشأن، في غنى عن استصدار مواقف مؤيدة لها سواء من دول شقيقة أو صديقة أو من منظمات دولية”.

الجزائر تحصد مزيدا من العزلة
الجزائر تحصد مزيدا من العزلة

ودخلت معاهدة “الصداقة وحسن الجوار والتعاون” بين موريتانيا وإسبانيا حيز التنفيذ الخميس الماضي لتشجيع وتفعيل التعاون الاقتصادي والمالي بين الطرفين وكذلك التعاون في مجال الدفاع، وذلك بالاستناد إلى اتفاق التعاون في هذا المجال الموقع سنة 1989.

ويعتقد محمد لكريني أستاذ العلاقات والقانون الدولي المغربي،أن “موقف موريتانيا ينم عن استقلالية قرارها من جهة، ومن جهة أخرى عدم اصطفافها وراء الجزائر بعد توتر العلاقات مع إسبانيا في الآونة الأخيرة، ما سهل خروج هذه المعاهدة إلى حيز التنفيذ”.

ويرى هشام معتضد الأكاديمي والخبير المغربي في العلاقات الدولية، والمقيم في كندا، أن الاتفاقية الجديدة بين موريتانيا وإسبانيا تأتي لتقوية التعاون بين محور الرباط ومدريد ونواكشوط من أجل ضبط الاستقرار السياسي والأمني بين البلدان الثلاثة وتكثيف المشاورات وتبادل المعلومات الاستراتيجية من أجل تحصين المنطقة من أي هجمات إرهابية ومحاصرة المنظمات الإجرامية ذات التوجه الانفصالي والإرهابي.

ويبدو أن الإعلان عن التصديق على المعاهدة كان مدروسا من كلا الجانبين، إذ جاء بعد انقضاء أسبوعين على زيارة قامت بها ملكة إسبانيا دونيا ليتيسا إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط.

ووصف رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز موريتانيا بالحليف المحوري لإسبانيا في مجالَيْ الأمن والدفاع، معبرا عن رغبة مدريد في تعزيز التعاون مع نواكشوط في مجالات كالهجرة والصيد والتعليم والصحة والتنمية.

وأشار لكريني إلى أن القرار الموريتاني يمكن أن يكون اصطفافا غير مباشر يصب في صالح المغرب، وقد يذهب بموريتانيا إلى التخلي عن حيادها في قضية الصحراء ومن ثَمَّ الاعتراف بأهمية مقترح الحكم الذاتي لإنهاء هذا النزاع الذي طال أمده وكانت تكلفته باهظة على المنطقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: