الغموض يكتنف الدوافع الحقيقية لإقالة وزير المالية الجزائري

البليدي

أثارت إقالة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لوزير المالية عبدالرحمن راوية مساء الثلاثاء، وهو قرار لم يتم توضيح دوافعه من قبل الرئاسة، سيلا من التكهنات بين من ربطها بالقطيعة التجارية المعلنة من قبل الجزائر مع إسبانيا وهو توجه يبدو أن الوزير المقال يرفضه، وآخرين ربطوه بخلافات حول قانون المالية التكميلي المرتقب.
 تضاربت الروايات الأربعاء بشأن قرار إقالة وزير المالية الجزائري، بين من ربطها بخلافات داخل الجهاز التنفيذي حول قانون المالية التكميلي، وبين من ربطها برفض الرجل للقطيعة التجارية المقررة من طرف السلطة تجاه إسبانيا، في سياق الخلافات المتنامية بين البلدين.

وقرر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مساء الثلاثاء إقالة وزير المالية عبدالرحمن راوية، بعد أربعة أشهر فقط على تعيينه في المنصب، وهو ما فاجأ الرأي العام وفتح المجال أمام العديد من التأويلات، خاصة وأن مؤسسة الرئاسة لم تقدم الأسباب الحقيقية للقرار واكتفت ببيان مقتضب عبر صفحتها بـ”فيسبوك”.

وذكر بيان الرئاسة الجزائرية أن “بعد استشارة الوزير الأول السيد أيمن بن عبدالرحمن، وقّع اليوم (الثلاثاء) رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون مرسوما رئاسيا يقضي بإنهاء مهام وزير المالية السيد عبدالرحمن راوية، وكلف الأمين العام لوزارة المالية بتسيير شؤون الوزارة بالنيابة”.

ويبدو أن الرئيس تبون بصدد إرساء تقليد سياسي جديد، يتمثل في إقالة الوزراء بشكل منفرد دون تقديم توضيحات حول المسألة. وخرج مرة واحدة عن هذا التقليد خلال الأشهر الماضية، عندما قال عن قرار إقالة وزير النقل عيسى بكاي إنه “ارتكب خطأ جسيما”.

◙ أطراف ربطت القرار بالقطيعة التجارية من طرف الجزائر تجاه إسبانيا، حيث يكون عبدالرحمن راوية رفض هذا التوجه

وأعطى القرار السريع والمفاجئ الانطباع بأن السلطة لم يكن في إمكانها انتظار قليل من الوقت، لإدراج الإقالة في تعديل حكومي مرتقب أعلن عنه الرئيس تبون خلال الأسابيع الماضية في تصريح لوسائل إعلام محلية، الأمر الذي يؤكد ثقل الدواعي التي دفعت تبون إلى الاستغناء عن واحد من الكوادر المالية التي لم تتأخر في تلبية نداء السلطة.

وربطت بعض الأطراف القرار بخلافات داخل الجهاز الحكومي حول قانون المالية التكميلي المنتظر صدوره خلال الأيام القليلة القادمة، حيث يكون الوزير المقال قد عبّر عن عدم جدوى القانون وتمسك بالقانون الأساسي الصادر مطلع العام، بينما تذهب إرادة الحكومة ومن ورائها السلطة الحاكمة إلى قانون تكميلي لمراجعة بعض المسائل المالية والتحويلات.

ولم يعمّر راوية في منصبه الأخير إلا حوالي أربعة أشهر، وهو مؤشر على عدم استقرار داخل الحكومة وتضارب في الرؤى والتصورات الاقتصادية والمالية للبلاد، خاصة في ظل التطورات المستجدة على صعيد الطاقة، وتداعيات الأزمة الاقتصادية وتوجهات السلطة إلى نمط جديد لاستقطاب رأس المال المحلي والأجنبي.

وشغل الوزير المقال الذي تخرج من مدارس ومعاهد مالية محلية وأجنبية وكان موظفا لدى صندوق النقد الدولي، العديد من المناصب المهمة في البلاد، على غرار إدارة الجباية والبنك المركزي، قبل أن يضطلع بمهام وزارة المالية في ثلاث مناسبات، أكبرها تلك التي كانت خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ثم لمرتين أخريين منذ قدوم الرئيس تبون نهاية العام 2019، لكن اللافت أنه اصطدم في الأخيرتين بتوجيهات صاحب القرار السياسي في البلاد.

وصرّح الخبير الاقتصادي نبيل جمعة لوسائل إعلام محلية بأن القرار قد يعود إلى فشل الرجل في تقديم الحلول الاستعجالية لأزمة الاقتصاد النقدي التي تتخبط فيها البلاد، على غرار التضخم والأسعار وانهيار العملة المحلية.

نظرة غريبة تعكس الأسباب الكامنة وراء إقالة مهامه
نظرة غريبة تعكس الأسباب الكامنة وراء إقالة مهامه 

وأضاف جمعة أن الإقالة توافقت مع المعايير التي كشف عنها الرئيس تبون في اختيار وزرائه، والقائمة على تقديم الحلول للإشكاليات المطروحة في كل قطاع.

ويبدو أن التخبط لا يزال يخيم على القطاع المالي والمصرفي في البلاد، فقد أوكل الرئيس تبون حقيبة وزارة المالية في وقت سابق لأيمن بن عبدالرحمن، منذ تعيينه على رأس الحكومة خلفا لعبدالعزيز جراد، ثم عين في فبراير الماضي راوية على رأسها، قبل أن يقيله مساء الثلاثاء.

كما أقال قبل أيام مدير البنك المركزي رستم فاضلي، وعين مكانه صلاح الدين طالب، المعروف بخيار طبع النقود لاحتواء أزمة السيولة المالية التي هزت البلاد العام 2020، ليكون بذلك ثالث محافظ للبنك في ظرف أقل من ثلاث سنوات، وهو مؤشر على عدم استقرار القرار المالي في البلاد.

وذهبت أطراف سياسية أخرى إلى ربط القرار بقرار القطيعة التجارية المعلنة من طرف الجزائر تجاه إسبانيا، في سياق الأزمة الدبلوماسية بينهما بسبب قضية الصحراء مع المغرب، حيث يكون عبدالرحمن راوية قد رفض توجه القيادة السياسية إلى الخلط بين الخلافات السياسية وبين المصالح الاقتصادية، ورافع لصالح الإبقاء على التعاون والتبادل في وضعه الطبيعي.

الرئيس تبون بصدد إرساء تقليد سياسي جديد يتمثل في إقالة الوزراء بشكل منفرد دون تقديم توضيحات حول المسألة

ويستدل هؤلاء على ذلك، بكون الوثيقة التي وصلت إلى إدارات البنوك والمؤسسات المالية، من أجل الوقف الفوري للتحويلات البنكية نحو إسبانيا، لم تصل من وزير المالية، وأن الأمر أوكل للجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية فقط، التي راسلت هؤلاء في المسألة، وتم تداول قرارها في مختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.

ويبدو أن راوية رجح رؤيته الاقتصادية والمالية في التعاطي مع المسألة، ولم يكن متحمسا لقرار القطيعة ولذلك تمت إقالته بشكل سريع، ولم ينتظر الرجل الأول في السلطة موعد التعديل الحكومي لإنهاء مهامه.

وذهبت فرضية أخرى إلى أن قرار الإقالة مرتبط بالأزمة القائمة بين الجزائر وإسبانيا، لكن الرجل يراد تقديمه في ثوب الكادر المعاقب على قرار القطيعة وتحميله مسؤولية ذلك، تمهيدا لتنصل السلطة مما تردد حول إعلان قطيعة تجارية من طرف الجزائر لإسبانيا، وهو ما ألمح إليه بيان سابق لوزارة الخارجية الجزائرية، الذي عاتبت فيه ما وصفته بـ”تسرع الاتحاد الأوروبي في إصدار حكمه على الخلاف”. وأكد أنه “لا مساس باتفاقيات الغاز ولا وجود لقرار قطيعة تجارية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: