يجسد المغرب نموذجا للتعايش السلمي بين الديانات والثقافات المختلفة، وهو ما تبرزه أمثلة كثيرة في هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا. ومن بين هذه الأمثلة قدرته على مواجهة التطرف من خلال دعمه للتعايش السلمي عبر قوانين وممارسات سياسية واجتماعية، جعلت من تجربته في مواجهة الإرهاب والتطرف مثالا يحتذى به.
شكل موضوع “مكافحة التطرف العنيف من خلال الحوار الديني” محور اللقاء السابع عشر لمبادرة الأديان المتحدة – الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لسنة 2022، والذي انعقد بمدينة الداخلة المغربية خلال الفترة الممتدة بين العاشر من يونيو الجاري والثاني عشر من الشهر ذاته.
وهدف هذا اللقاء إلى تسليط الضوء على خطورة التطرف العنيف الذي تواجهه المجتمعات في سائر أنحاء العالم، كما سعى لتعزيز السبل والآليات الكفيلة بتشجيع الحوار بين الأديان ومنع التطرف، وتسليط الضوء على تجربة المغرب الذي انخرط منذ سنوات في دائرة الحوار العالمي حول التسامح والتعايش بين الأديان، حيث يشدد العاهل المغربي الملك محمد السادس على أهمية الحوار الهادئ بين المفكرين المغاربة والعرب والعالميين، لمناقشة القضايا الكبرى التي توحّد جميع أتباع الأديان السماوية حول مبادئ التعايش والتسامح.
اختتمت مبادرة الأديان المتحدة مؤتمرها حول التعايش بين الثقافات بسلسلة من النقاط التي حُددت بهدف توضيح الخطوات التي يجب على المجتمع المدني اتخاذها من أجل تحقيق التعايش السلمي بين الأديان والثقافات.
وقد ناقش المشاركون على مدار ثلاثة أيام مواضيع مختلفة تتعلق بمنع التطرف العنيف من خلال الحوار بين الأديان. كما تطرّق المؤتمر إلى موضوع الهوية التي تحتضن التنوع، ودور الشباب في منع التطرف العنيف، ودور التعليم في بناء المرونة المجتمعية والوقاية من التطرف.
وأشاد المشاركون خلال المؤتمر بالمملكة المغربية كنموذج يحتذى به في ترسيخ ثقافة التعايش بين أتباع مختلف الديانات. وكان الحدث بذلك مناسبة لتجديد الدعوة إلى محاربة التطرف العنيف في “الأرض المقدسة” والتعايش السلمي بين اليهود والمسيحيين والمسلمين هناك.
نموذج للتعايش السلمي
كما شكر منظمو المؤتمر “شعب المملكة المغربية وحكومتها على ترحيبهم الحار وكرم ضيافتهم ودعمهم السخي لهذا الحدث الدولي المهم، ولاسيما السلطات المغربية التي سهلت عقد المؤتمر في هذه المدينة الصحراوية الجميلة ذات الأبعاد الجغرافية المتعددة، وزيارة أهم المعالم الثقافية والحضارية التي تحتضنها”.
وجدد المشاركون في الختام تأكيدهم على المبادئ الإنسانية التي توحدهم والتزامهم بمبادئ مبادرة الأديان المتحدة وميثاقها الذي وقعه الآلاف من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم.
وتشمل المبادئ الاحترام الكامل لتديّن الأفراد واختلاف معتقداتهم وممارساتهم الروحية، واحترام خصوصية الأديان والاختلافات بينها وضمان حقوق متّبعيها في ممارسة عقائدهم، والترحيب بتنوع الثقافات والممارسات الروحية والتقليدية وعدم التمييز على أساسها.
وكان اللقاء فرصة أيضا – بالنسبة إلى مختلف المؤسسات والمنظمات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وأفريقيا- للتعرف على النموذج المغربي في التسامح والانفتاح الديني تحت قيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس.
المشاركون التزموا بنبذ العنف والكراهية وجميع أشكال التمييز بين الأديان والمعتقدات الروحية في العالم
وتضمن برنامج هذه النسخة السابعة عشرة تنظيم جلسات للحوار والنقاش وتقاسم المعارف والخبرات حول الوقاية من التطرف العنيف، مع استعراض لنماذج التعايش بين المسلمين واليهود في المغرب وفلسطين.
وناقش المشاركون في اللقاء قضايا عديدة تهم “دور الشباب في الوقاية من التطرف العنيف” و”دور التعليم في بناء الصمود المجتمعي والوقاية من التطرف والإرهاب” و”العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تساعد على التطرف العنيف” و”العلاقة بين الصور النمطية وسوء الفهم من خلال التفكير الناقد”، إضافة إلى “تسليط الضوء على ممارسات الوقاية من التطرف العنيف”.
وبرزت كل هذه النقاط في “إعلان الداخلة”، حيث التزم المشاركون بنبذ العنف والكراهية وجميع أشكال التمييز بين الأديان والمعتقدات الروحية في العالم، وتوحيد جهود جميع نشطاء السلام في العالم للمساهمة في منع التعصب الديني والتطرف العنيف، والتشديد على أهمية دور الشباب في منع جميع أشكال التطرف العنيف، وإبراز أهمية التعليم في بناء قدرة المجتمع على الصمود ومنع التطرف والإرهاب.
كما أكدوا على أهمية “التركيز على معالجة العوامل البيئية والاجتماعية التي تسهم في انتشار التطرف العنيف في العالم، وتشجيع الحوار بين الأديان ودعمه، وتعزيز التعاون المستمر واليومي بين الأديان، وإنهاء العنف بدوافع دينية، وخلق ثقافات السلام والعدالة والتعافي للأرض وجميع الكائنات الحية وتلاقي جميع شركاء مبادرة الأديان المتحدة لبناء مواطن آمنة لحل النزاعات وتضميد الجراح والمصالحة والتعايش بين الناس”.
التزام بنبذ العنف
ودعوا قادة المغرب -في ضوء اهتمام باعثي مبادرة الأديان الموحدة في المملكة المغربية بالحوار بين الأديان ونشر ثقافة التسامح والتعايش- إلى السماح بافتتاح مكتب تمثيلي في المغرب لتنسيق عمل مبادرة الأديان المتحدة في البلد وفي شمال أفريقيا.
كما شملت الندوة زيارة إلى مركز للا أمينة لرعاية الأطفال في الداخلة. وهو مركز تدعمه وزارة الصحة المغربية ووزارة التربية والتعليم بصفته مسؤولا عن رعاية الأطفال الذين يستقبلهم سواء كان ذلك بسبب فقدانهم لوالديهم أو بسبب ضعف أسرهم الشديد الذي قاد آباءهم إلى البحث عن فرص أفضل لأبنائهم. وتهدف للا أمينة إلى أن تكون ملاذا
للأطفال -ومعظمهم لم يتجاوزوا سن الخامسة- وتعمل على منحهم فرصة الحصول على مكان للعيش وتحرص على أن ينالوا حقّهم في التعليم. ويعدّ المركز في الداخلة واحدا من 14 مركزا في المغرب. ويؤوي 22 طفلا، لكنه يتسع لسبعين طفلا.
يذكر أن مؤسسة مبادرة الأديان المتحدة التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها هي شبكة عالمية مشتركة بين الأديان وذات صفة استشارية داخل منظمتي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. وعقدت المبادرة شراكات مع برامج مختلفة للأمم المتحدة، من أجل ترسيخ مبادئ السلام والعدالة، من خلال إشراك الناس في عملية تجسير الاختلافات الدينية والثقافية والعمل الجماعي لفائدة المجتمعات العالمية.
وتهدف هذه المؤسسة إلى تعزيز أسس التعاون بين الأديان وإنهاء العنف ذي الدوافع الدينية وخلق ثقافة السلام والعدالة واحترام البيئة في عالم يسوده السلام وتدعمه مجتمعات ملتزمة باحترام التنوع والحل السلمي للنزاعات، كما تسعى المبادرة لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية.