وجهت مجموعات برلمانية في المغرب من المعارضة والأغلبية أسئلة للحكومة لمعرفة موقفها من اختلالات يشهدها قطاع التأمين في البلاد، وكذلك تراخي هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وهي مؤسسة حكومية عن القيام بأدوارها وواجباتها القانونية كجهة وصية على القطاع المذكور.
ووجهت مجموعة الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب أسئلة إلى الحكومة في هذا الصدد، وتم التنبيه إلى ما يعرفه قطاع التأمين من مخاطر واختلالات تهدد الأمن الاجتماعي لمختلف شرائح المجتمع وفئة عريضة من المستثمرين فيه.
وانتقدت المجموعة المنتمية لتحالف الأغلبية تَمَاطل شركات التأمين في تنفيذ الأحْكَام القَضائية داخل الآجال المحددة قانونا أحيانا لسنوات، في مُخَالفة القَانون المُتعلق بمدونة التأمينات، مستندة إلى تقرير أصدرته جمعية وسطاء ومستثمري التأمين بالمغرب.
وأكد التقرير المذكور أن شركات التأمين تعقد تحالفات في ما بينها من جهة ومن جهة أخرى مع البنوك لتشكيل تكتلات اقتصادية من أجل الهيمنة الاقتصادية الكلية على القطاع.
ويتفق تقرير جمعية وسطاء ومستثمري التأمين بالمغرب مع ما ذهب إليه برلمانيون في المغرب عن وجود “اختلالات بالجملة” تشوب عمليات التأمين في المملكة.
وحذر هؤلاء النواب من سياسة الجشع والاحتكار والفوضى والتجاوزات والمنافسة التي وصفوها بغير الشريفة، التي تنتهجها بعض شركات التأمين، لتحقيق الربح السريع على حساب استغلال المستهلك المغربي، خاصة في ما يتعلق بالتأمين على الحياة، الذي تحتكر أربع شركات حوالي 63 في المئة من رقم معاملاته.
وأكد يونس بوبكري رئيس جمعية وسطاء ومستثمري التأمين، في تصريح لـه، أن “واقع قطاع التأمين بالمغرب، الذي يضم 24 شركة، حاليا ينذر فعليا بكارثة في حالة تأخر معالجة مختلف الإشكاليات والخروقات التي أشار إليها التقرير، من طرف المؤسسات الدستورية الرقابية”.
وأشار بوبكري إلى أن حجم التجاوزات استفحل خصوصا بعد حصول موظفي مديرية مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي على الاستقلال المالي والإداري عن وزارة المالية.
واتهم مديرية مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وهي الهيئة الوصية على تنظيم ومراقبة قطاع التأمين، بأنها أداة مخترقة وتعمل في خدمة مصالح لوبي الفساد من شركات التأمين من جهة وشركات الأبناك من جهة أخرى، وذلك للهيمنة الكلية على القطاع ومقدرات الأجيال المستقبلية، وعبر بناء تكتلات واتفاقات تواطؤات في ما بينها والاستفراد بالمستهلك المغربي والإبادة الاقتصادية الجماعية لقطاع الوسطاء المعتمدين من طرف الدولة.
ووجه رئيس مجموعة التقدم والاشتراكية بمجلس النواب رشيد حموني سؤالا كتابيا إلى الحكومة، استنكر فيه فرض اتفاقات وشروط موحدة، وتحديد تعرفة وحيدة في الأسعار والعمولات والمعاملات التجارية في السوق، ضدا على مبدأ حرية الأسعار وتنافسيتها، في استغلال لإجبارية التأمين قانونا في عدد من المجالات والفروع من أجل تحقيق أرباح فاحشة.
وطالب حموني وزيرة الاقتصاد والمالية بالإفصاح عن تقييم الحكومة لمدى الاضطلاع الفعلي لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي بواجباتها القانونية في هذا الصدد، باعتبارها مسؤولة عن تحديد المعايير، وتنظيم السوق، والسهر على مراقبة القواعد المطبقة في القطاع، وحماية المؤمن لهم والمنخرطين والمشتركين.
وأكد أن “هذه الممارسات الفاسدة التي يعرفها القطاع تُفَوِّتُ مداخيل ضريبية هامة على خزينة الدولة، كما أنها تساهم في إفلاس المئات من مكاتب الوساطة في التأمين، بسبب الخروقات المسجلة”.
◙ تسجيل دور سلبي من مؤسسة مجلس المنافسة لعدم اتخاذها أي تدابير تحفظية أو وقائية لحماية الاقتصاد الوطني من سيادة منطق الهيمنة الاقتصادية في سوق التأمين
ومن جهة أخرى أوضح تقرير جمعية وسطاء ومستثمري التأمين في المغرب أن بعض شركات التأمين من جهة، والبنوك من جهة أخرى، تعمل على بناء تكتلات اقتصادية لممارسة تحالفات في ما بينها، من أجل الهيمنة الاقتصادية الكلية على القطاع، والتحكم بالتالي في الأسعار والاستفراد بالمستهلك المغربي، دون أي تنافسية حقيقية، لتحقيق أرباح فاحشة على حساب استغلال بشع لفئة عريضة من المستثمرين في قطاع الوساطة والتأمين.
ولفت التقرير إلى عدم تدخل الهيئات الرقابية الوصية لبنك المغرب، أو هيئة مراقبة التأمينات، بالرغم من الشكايات التي رُفعت إليها. وبحسب التقرير، يُضاف إلى ذلك تسجيل دور سلبي من مؤسسة مجلس المنافسة، لعدم اتخاذها أي تدابير تحفظية أو وقائية لحماية الاقتصاد الوطني من سيادة منطق الهيمنة الاقتصادية في سوق التأمين، وتغول هؤلاء الفاعلين.
ورفعت جمعية وسطاء ومستثمري التأمين خمس إحالات إلى مجلس المنافسة، ثلاث منها استشارية واثنتان تنازعية “تتضمن تقارير مفصلة حول الممارسات المنافية لمبادئ المنافسة، التي تُمارَس من طرف شركات التأمين منذ سنوات”، مشيرة إلى أن “رأي مجلس المنافسة سيكون حاسما، على الأقل لوقف هذه الخروقات حتى لا يتفاقم الوضع، في انتظار تقييم الأضرار التي لحقت بالوسطاء وترتيب الجزاءات”.
وأشار بوبكري إلى الدور الهام لمجلس المنافسة وأيضا البرلمان المغربي لما له من أدوات رقابية منها إعلان لجنة استطلاعية للتحقيق وكذا رئاسة الحكومة ورئاسة النيابة العامة، باعتبارها مؤسسات تتوفر جميعها على الوسائل الكفيلة بوضع حد لهذه الاختلالات ومراقبة الفاعلين.
ودعا حموني وزيرة المالية والاقتصاد إلى الكشف عن التدابير التي ينبغي اتخاذها، من أجل إعادة قطاع التأمين إلى السكة الصحيحة، وجعله فعلا وسيلة مجتمعية للتكافل، وليس وسيلة للإثراء والابتزاز والاستغلال، ومجالا خصبا لخرق القانون.
وأكد بوبكري أن “استمرار هاته الوضعية يمس بسمعة وجاذبية الاستثمار بالاقتصاد الوطني ويجب محاسبة كل المسؤولين عن الهيئة الوصية عن الخروقات وضرورة معاقبة هذه الشركات بالجزاءات القانونية”.