دفعت إسبانيا بخلافها مع الجزائر إلى مدى أبعد من الاختلاف الثنائي حول موضوع الصحراء، متهمةً إياها بأنها تنفذ أجندة روسية. وهو ما سيكسب الأزمة بعدا أكثر تعقيدا ويقود إلى موقف أوروبي أكثر تشددا تجاه الجزائر.
وحذرت أوساط سياسية جزائرية من أن تمسك النظام بموقفه المتعلق بمقاطعة إسبانيا سيجلب إلى الجزائر الكثير من الأزمات، خاصة إذا تم ربط التحرك الجزائري بأجندة روسيا في المنطقة، وهو ما سيستفز أوروبا في ظل أزمة الغاز ومساعيها لتوفير إمدادات جديدة من مصادر أخرى.
واعتبرت هذه الأوساط أن الجزائر ليس لديها الكثير من الوقت من أجل تحديد موقفها وأن صمتها سيفهم على أنه تأكيد لكلام وزيرة الاقتصاد الإسبانية ناديا كالبينو، التي أرجعت إقدام الجزائر على تعليق اتفاق الصداقة إلى “الانحياز الجزائري” لصالح روسيا.
ولم تستبعد أن يكون استنجاد مدريد السريع بالاتحاد الأوروبي، وبروز تحذيرات من خطورة “التقارب الجزائري – الروسي” على المنطقة، ضمن خطة ضغط لإخراج الخلاف من طابعه الثنائي ليتّخذ بعدا إقليميا واستراتيجيا، عبر تهيئة الرأي العام لاستقبال سيناريوهات أخرى للأزمة، مثل اتخاذ إجراءات عقابية ضد الجزائر في ظل رفضها تراجعا سريعا عن قرارها ضد إسبانيا.
وعبرت كالبينو عن أملها في أن “تعيد الجزائر النظر في موقفها وفي التصريحات التي أدلت بها”.
وكانت الجزائر قد أعلنت الأسبوع الماضي عن تعليق معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار التي تربطها بإسبانيا، وبررت ذلك بما وصفته بـ”انقلاب مدريد على حيادها التاريخي في قضية الصحراء”، وهو ما عبر عنه الرئيس عبدالمجيد تبون بالقول “إسبانيا تتحمل مسؤولية تاريخية وإدارية وقانونية عن الصحراء، ولا يمكن لها أن تنحاز إلى طرف في الصراع، على ما كان تحت سيطرتها”.
وحمل تصريح كالبينو إشارة واضحة إلى امتعاض أوروبا من التقارب الجزائري – الروسي الذي اتخذ أبعادا لافتة في الآونة الأخيرة، حيث ينتظر أن يقوم الرئيس الجزائري بزيارة إلى موسكو في المدى القريب.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد قام في الأسابيع الماضية بزيارة رسمية إلى الجزائر، أعلن فيها عن بلوغ اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين درجة “التعاون المعمق”، مشيرا إلى أن روسيا أعدت وثيقة هذا التعاون وسلمتها للجزائريين من أجل مراجعتها وإثرائها، وهو ما يوحي بأن التعاون بين الطرفين مرشح لأن يتخذ أبعادا أخرى في المستقبل القريب.
وتحدثت تقارير صُحفيّة إسبانية عن فرضية وقوف موسكو وراء القرار الجزائري، في إطار الصراع القائم بين روسيا والأوروبيين على خلفية النزاع القائم في أوكرانيا، ولم تستبعد سيناريو فتح جبهة جديدة على المجموعة الأوروبية بواسطة أكبر حلفائها في المنطقة بحسب ما جاء في صحيفة “الباييس”.
وكانت الجزائر قررت الأسبوع الماضي تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا، والذي أدى إلى حظر التجارة بين البلدين باستثناء إمدادات الغاز، على خلفية إعلان مدريد قبل ثلاثة أشهر عن دعم خطة الرباط للحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
لكن الاتحاد الأوروبي عبّر عن رفضه للإجراءات الجزائرية داعما موقف إسبانيا، وهو ما أثار استغراب الجزائر التي تفاجأت بموقف الاتحاد، خصوصا وأن إسبانيا نفسها لم تتخذ حتى الآن أي خطوة مضادة تجاه الجزائر.
ومنذ دخول الاتحاد الأوروبي على خط الأزمة عمد المسؤولون الجزائريون إلى التهدئة في تصريحاتهم واعتبار أن القضية لا تستدعي هبّة جماعية أوروبية، مشددين خاصة على أن إمدادات الغاز لا تدخل في إجراءات المقاطعة لمعرفتهم بحساسية الموضوع لدى أوروبا التي تبحث عن بدائل للغاز الروسي ولن تقبل بأيّ شكل من الأشكال أن تمارس دولة أيا كانت أسلوب الابتزاز.
وقالت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية في بيان لها إن الجزائر ستفي بجميع التزاماتها المتعلقة بتوريد الغاز إلى إسبانيا، مذكرة بأن الجزائر أعلنت بالفعل على لسان رئيس الجمهورية أنها ستواصل الوفاء بكل التزاماتها.
وعبّرت البعثة الجزائرية لدى المفوضية الأوروبية عن أسفها إزاء ما اعتبرته “تسرعا” من المفوضية الأوروبية في الرد على قرار الجزائر الذي يقضي بتعليق معاهدة الصداقة مع إسبانيا، وهو ما يؤكد أن الجزائر قد فوجئت بحجم التضامن الأوروبي مع مدريد.
وذكر بيان البعثة الجزائرية أن “مفوضية الاتحاد الأوروبي ردت دون تشاور مسبق ولا تحقق من الحكومة الجزائرية، بخصوص تعليق معاهدة سياسية ثنائية مع بلد أوروبي”.